دروس اليوغا... تُحسّن حياتك!

نشر في 06-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 06-11-2014 | 00:02
No Image Caption
اعتبري اليوغا تمريناً رياضياً يتيح لك اكتساب المرونة والتوازن، مع تحسين وضعية الجسم. لكن اليوغا رياضة بالغة الأهمية لأنها مقاربة فاعلة ودرب حقيقي نحو النمو الروحي. التأمل، المثابرة، الترفع عن العنف... تشكل اليوغا فلسفة لمعرفة الذات والعيش معاً قد تحول حياتنا اليومية الى رحلة ممتعة.
{أي نوع من اليوغا تمارسين؟ الأشتانغا؟ أنا أفضل الهاثا. وأنت؟ أنا أمارس الإينغار والبيكرام من حين إلى آخر...}. قد تبدو هذه محادثة عادية بين شابات في القرن الحادي والعشرين. ولكن يبحث كل منا عن {يوغا} خاصة به، عن تمارين تلائم حديتها وتسلسل وضعياتها شخصيته وحالته الجسدية وقدرته على التحمل. ولكن في العمق، يؤكد أساتذة اليوغا أن {ثمة يوغا واحدة}. فرغم تنوع هذه التقنيات، يبقى هدفها واحداً: التحرر من الألم والسعي للعيش بسلام وتناغم مع الذات، الجسم، الروح، الآخر، الطبيعة، العالم، النهاية، والأزل... من الناحية اللغوية، تعني يوغا {الاتحاد والتكامل} باللغة السنسكريتية. إذاً، ما الحاجة إلى وضع القدمين خلف العنق أو الوقوف على يد واحدة إن كان الأساس روحانياً؟ لأننا نملك جسماً. وسواء أحببنا ذلك أو لا، وسواء أردنا ذلك أو لا، لا نملك خياراً إلا التعاطي معه طيلة حياتنا}. فعند ممارسة الأسانا (الوضعيات) والبراناياما (تمارين التنفس)، يمكنك أن تحولي جسمك إلى حليف لك في دربك نحو التحرر، وذلك بتقويته وجعله أكثر مرونة ومعرفة السبيل إلى تعزيز طاقاته والوقوف عند حدوده...

صحيح أن هذين النوعين من تمارين اليوغا هما الأكثر شيوعاً، لكنهما ليسا سوى اثنين من أعمدة اليوغا الثمانية. الأعمدة الخمسة الأخرى هي: الياما (المبادئ الخمسة التي توضح العلاقات بالآخرين)، النياما (المبادئ الخمسة التي تفرضها العلاقة بالذات)، البراتياهارا (التحكم في الحواس)، الدهارانا (التركيز)، الدهيانا (التأمل)، والسامادهي (حالة الوحدة القصوى). لذلك إذا لخصنا اليوغا بتمارين الوضعية، نجرد هذه الفلسفة من طبيعتها ونحولها إلى مجرد رياضة غريبة... بالإضافة إلى ذلك، لا يُعتبر تحويل مبادئ الياما والنياما إلى قواعد سلوك يجب الخضوع لها أمراً منصفاً أيضاً. يذكر الخبراء في هذا المجال: {يُعتبر هذا مخالفاً تماماً لروح اليوغا التي تعتمد على تقبل المرء حدوده. نتيجة لذلك، ينبغي ألا تُعتبر هذه المبادئ قواعد ثابتة، بل طبيعية ثانية لمن يمارس اليوغا}. يعني ذلك أننا من خلال التمرن المنتظم، الدؤوب والمعمّق نعيش التجارب المختلفة مع حواسنا، التي تشكل أسس هذه المبادئ. إذاً، لا تشكل ممارسة التمارين اليوغا الحقيقية، بل يجب أن تتحول هذه الأخيرة إلى نمط حياة. إذاً، لا تقتصر اليوغا على الأسانا أو التأمل أو تمرينٍ ما... يلزم أن تتحول اليوغا إلى ممارسة نقوم بها بانتظام وبتركيز نستطيع من خلالهما تطبيق مبادئها تدريجياً. وهكذا يمكنك أن تعيشي روح اليوغا الحقيقية.

العلاقة بالآخرين

{الأهيمسا}: الترفع عن العنف

يشمل الترفع عن العنف الامتناع حقاً عن القيام بكل ما هو عنيف وتقبل الأوضاع على حالها. على سبيل المثال، إن كانت كتفي تأبى الاستدارة، فمن الضروري ألا أرغمها على ذلك. كذلك لن يؤدي الصراخ والصياح إلى حل أي مشكلة قد أواجهها. ويبقى هدف ذلك أن يتعلم الإنسان تقبل حدوده. وتساعدنا اليوغا في تحقيق هذا الهدف من خلال التنفس، الذي يسمح لنا باتخاذ وضعيات اليوغا المناسبة من دون اللجوء إلى القوة. ولكن يكمن التحدي في معرفة ما إذا كنا نتخذ هذه الوضعيات من دون اللجوء إلى القوة حقاً. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى وجود مدرب خلال ممارسة اليوغا، وخصوصاً إذا كنتم من المبتدئين.

{ساتيا}: الحقيقة والأصالة

لا يعني ذلك العثور على الحقيقة المطلقة، بل إتقان تحديد الحقيقة الخاصة في كل لحظة. لكن المشكلة تكمن في أن غرورنا يعيق هذه العملية. فنحاول أن نبرز مواهبنا وقدراتنا وإخفاء مواضع ضعفنا. ولكن كيف يمكننا أن نميز بين ما نسمعه وما هو حقيقي؟ بالممارسة، حين ندرك أننا لا نستطيع أن نكذب على نفسنا طويلاً إذا أردنا ممارسة اليوغا بالشكل الصحيح... نستطيع تحقيق ذلك أيضاً بدراسة ما قد يحدث فينا عندما نتحدث أو نعمل: هل يغذينا ذلك ويقوينا من الداخل أم نشعر بأننا نعاني الفراغ والضعف؟

{أستيا}: الامتناع عن السرقة

لا يعني ذلك سرقة الممتلكات المادية، بل رفض أن ننسب لنفسنا ما لا نستطيع امتلاكه، مثل أفكار الآخرين، وحتى الأفكار العامة. تدعونا أستيا إلى أن نفكر بنفسنا، وأن نثق بأفكارنا الخاصة وبحقيقتنا وبما نملكه في داخلنا. أما في التطبيق العملي، فعلينا ألا ننتقل إلى وضعية أكثر صعوبة قبل إتقان السابقة بالكامل. لذلك علينا أن نستمتع كثيراً بالوضعية التي نجيدها على أكمل وجه... بمعنى آخر، علينا التحلي بالحكمة والامتناع عن اشتهاء ما لا نملكه لأننا لم نصبح بعد مستعدين لذلك.

{البراهماشاريا}: الاعتدال

فُسرت أحياناً بأنها دعوة إلى الامتناع عن العلاقات الحميمة. لكنها لا تهدف في الواقع إلى فرض العفة أو أي شكل من أشكال الكبت، بل إلى فرض نوع من التحكم في الانتباه والطاقة. على سبيل المثال، إذا كنت أتجول في الشارع، لا أتأمل وجهات المتاجر بحثاً عما لا أملكه وما ينقصني. على العكس، أتنزه وأنا متمسك بالشعور بالاكتفاء. فعندما تميل طاقتنا إلى التبدد بدون أي هدف أو غاية، علينا أن نعيد توجيهها معيدينها دوماً إلى ذاتنا، إلى ما نحن عليه، وإلى ما نملكه. أما خلال التمارين، فتمر هذه المهارة عبر النظر الذي يجب أن يبقى دوماً موجهاً، محدداً، وثابتاً.

{الأباريغراها}: عدم التعلق

تدعو إلى تبني وضعية انفصال عن أفكارنا، عواطفنا، والأشياء المحيطة بنا... يكمن السر في التخلي عنها بعد اكتسابها. وتشكل حركة الاكتساب ومن ثم الخسارة هذه حركة التنفس بحد ذاتها: فعند الشهيق، نكون مستعدين لأخذ كل شيء وتقبله والتغذي منه. أما الزفير، فيمثل أن نكون مستعدين لإرجاع كل شيء ولإعطاء كل ما نملك حتى آخر نفس.

العلاقة بالذات

{سوكا}: النظافة والنقاوة

تشير سوكا في المقام الأول إلى نظافة الجسم من الخارج والداخل: تساهم أسانا وبراناياما في نزع السموم من الأعضاء وتنظيفها. وتنطبق هذه النظافة أيضاً على كل ما هو فكري وعاطفي. من الناحية العملية، تفرض سوكا تنظيف الذات من خلال التركيز على التنفس، بالإضافة إلى نظام صارم يُفرض بواسطة الوضعيات وتسلسلها. ويتطلب هذا في المقام الأول جهداً: الاصطفاف، الحفاظ على الوضعية، والتركيز. وهكذا يتحول هذا الجهد إلى نمط حياة، ما يساعدك في التخلص من أي أعباء زائدة.

{سامتوسا}: الاكتفاء

كتب باتانجالي: {تنبع السعادة الكبيرة من اكتفاء الذات}. لا يرتبط هذا بالفخر أو الكرامة، على العكس، تشكل سامتوسا دعوة إلى التواضع الذي يرتكز على الاستمتاع بما نملك. تقوم هذه على القبول aبما نقتني، وعلى التمتع أيضاً بهذا القبول. من الناحية العملية، يساعدنا التمرن في التمتع بالوضعية الجسدية التي نتقنها والتلذذ بها، بغض النظر عن صعوبتها.

{تاباس}: المثابرة

تُعتبر تاباس النار في قلب كل عمل صعب والنار الضرورية للبقاء في عالم الواقع: تدعو هذه النياما إلى عدم رفض الواقع، إلى البقاء صادقين مع نفسنا ومع كل ما هو غزيز على قلبنا، والابتعاد عما يفرضه علينا الآخرون. وتشكل المثابرة أحد الدروس التي نتعلمها من التمرن المنتظم والدؤوب.

{سفادهيايا}: التحليل الذاتي

تتجلى من خلال درسٍ للذات وفحصٍ للسلوك والعواطف والأفكار. وتفرض أيضاً أن يولي المرء انتباهه إلى كلّ ما يشعر به أو يفكر فيه خلال التمرن، فضلاً عن المطالعة والدرس والتغذّي من تجارب الآخرين. لكن سفادهيايا تقوم على عملية بحث أكثر منه على موقفٍ داخلي: عندما نتنبّه إلى كل ما يدور في داخلنا، يولد الإصغاء إلى الذات إصغاءً أكبر الى ما يدور خارج ذاتنا.

إيسفارابرانيدهانا: السمو

بفضل المثابرة والتحليل الذاتي، يقودنا التمرن إلى التنبه الى أنّ أعمالنا ووضعياتنا ما هي إلا جزء منا وتجربة روحانية تربط الأنا بالسمو. وهكذا يكون التمرّن هبة لا هدية أنانية علينا الاحتفاظ بها وتأملها. تدفعنا هذه النياما إلى عدم التعلق بالأداء الجسدي هذا وبجسدنا، وإلى السعي إلى الارتباط بالأعلى. هذا هو معزى اليوغا: الشعور بالاتحاد في داخلنا ومع كل ما يحيط بنا. وهذا هو السبيل إلى الحرية.

back to top