تقرير اقتصادي : وقف إنتاج المنطقة المقسومة... لا شفافية ولا حسم

نشر في 14-05-2015 | 00:11
آخر تحديث 14-05-2015 | 00:11
No Image Caption
• الخلاف بين الدول ليس مشكلة... وتعليق الخلافات هو الخلل

• حقلا الخفجي والوفرة يمثلان 8% من إنتاج الكويت و2.5% من السعودية
الخلاف بين الدول ليس عيباً ولا مستغرباً، بل هو أمر وارد، خصوصاً بشأن الموارد الطبيعية والمسائل الفنية المرتبطة بها، لكن الخلل يكمن في إبقاء هذا الخلاف معلقاً بلا حسم وبلا شفافية.

بوقف إنتاج النفط من حقل الوفرة يوم الاثنين الماضي، تكون أزمة المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية تعاظمت بعد نحو 200 يوم من بدايتها في أكتوبر الماضي عندما أوقفت السعودية منفردة إنتاج نفط الخفجي للمرة الأولى منذ 50 عاماً.

وتركزت أعذار الجانبين الكويتي والسعودي في وقف الإنتاج بمنطقتي الخفجي والوفرة على اعتبارات فنية كالأسباب البيئية أو الصيانة، لكن الأزمة في حقيقتها كانت أعمق من ذلك بكثير، وتعود إلى عام 2009 حينما جددت السعودية من طرف واحد الاتفاق مع شركة شيفرون لـ30 عاماً جديدة في المنطقة المقسومة، وضمن بنود الاتفاق استخدام منشآت كويتية «ميناء الزور» دون موافقة الكويت.

أزمة معلقة

وظل الموضوع منذ عام 2009 إلى نهاية عام 2014 يتراوح بين ضعف الشفافية في الإعلان عن الخلاف والبطء في التعامل من الجانبين، انتهاء بعدم الحسم السياسي للملف، مما جعل الخلاف يتفاقم سنة تلو أخرى حتى وصلنا إلى مرحلة وقف الإنتاج، مع أن حقلي الخفجي والوفرة يمثلان 8 في المئة من إجمالي الإنتاج الكويتي و2.5  في المئة من إجمالي الإنتاج السعودي، في وقت تتراجع فيه العوائد النفطية في دول الخليج، ناهيك عن أن وقف الإنتاج  يعوق خطة الكويت في إنتاج 4 ملايين برميل يومياً، فضلاً عن أن نسبة الإنتاج في «المقسومة» للكويت أكثر انعكاساً عليها لناحية الضرر من السعودية.

الخلاف بين الدول، ليس عيباً ولا مستغرباً، بل هو أمر وارد خصوصاً على الموارد الطبيعية والمسائل الفنية المرتبطة بها، لكن يكمن الخلل في إبقاء هذا الخلاف معلقاً بلا حسم ودون شفافية إلى درجة أن كبار التنفيذيين في البلدين لا يستطيعون حتى التصريح عن الموضوع ناهيك عن اتخاذ قرار، وبالتالي لم يستثمر البلدان علاقتهما المميزة على الصعيد السياسي في حل خلاف فني يفترض ألا تطول مدته أسابيع لكنه امتد  أكثر من 5 سنوات، مما يعكس اختلالاً في طبيعة تعاملات الدول الخليجية بعضها ببعض.

ضعف مصداقية

هناك خلاف حتى حول مصداقية «الأسباب البيئية» التي أوقفت حقل الخفجي و«الصيانة» التي عطلت حقل الوفرة، فالأولَى أن يكون التفاوض والمباحثات الطريق السليم لمعالجة ما يعطل الإنتاج، إذ لم يعلن منذ بداية هذه الأزمة عن أي اتصال أو اجتماع لبحث الموضوع رغم أن العلاقة في المنطقة المقسومة تعود إلى 50 عاماً من التعاون المشترك، وعلاوة على ذلك لا بد من وجود «تقاليد» في التعامل تجنب الطرفين المزيد من الخلاف ووقف الإنتاج لمدد غير معلومة.

فدول الخليج تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل، أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، وهذه الكميات تحملها مسؤولية أن يكون لها دور في حل خلافاتها ووجود آلية للحل تمنع وقف الإنتاج مهما كانت المشكلة، فهذا جزء من دور من يقدم نفسه للعالم كصانع سوق حيوي كالنفط.

تعثر مجلس التعاون

بالطبع الحديث عن علاقات الدول الخليجية يفتح المجال للحديث عن مجلس التعاون الذي يعاني مشكلة عدم حل القضايا الاقتصادية العالقة بين أعضائه والتي ظلت تتراكم من الاتحاد الجمركي إلى السوق الخليجية المشتركة، إلى البنك المركزي الخليجي، إلى عدم اتخاذ مواقف ومعالجات موحدة في الأزمة المالية، وسط غياب سياسات إصلاحية في مواجهة تأثير انخفاض أسعار النفط على إيرادات الدول الأعضاء في موازاة تنامي الإنفاق، مما يدعو إلى تخفيف الجرعة السياسية والأمنية في المنظمة إلى الاقتصاد والتعاون والتنمية، مثلها مثل أي منظمة وحدوية حديثة في العالم الآن.

ليس من الحكمة أن تظل خلافات دول الخليج معلقة مدة طويلة، ودون أن نسرد بالتفاصيل، لا يكاد يمر عام دون أن يبرز على الساحة خلاف بين دولتين أو أكثر مع احتمالات تصل إلى حد القطيعة، وإذا كان هذا الأمر مقبولاً في ظل ظروف طبيعية أو معتادة، فالموقف اليوم بات مختلفاً في ظل تغيرات المواقف الدولية تجاه المنطقة وقرب التوصل إلى اتفاق بين القوى الكبرى وإيران حول الملف النووي الأمر الذي جعل دول الخليج تبحث عن مساحة أكبر في توازنات المنطقة، وهذا الوضع يحتاج إلى التعاون لا مجرد تجاوز الخلافات.

صيغ إقليمية

ليس من الجديد القول إن الصيغ الإقليمية الوحدوية الناجحة في العالم نجحت كلها في أن تتطور لمصلحة المشروع الاقتصادي، لذلك نجد الاتحاد الأوروبي أو مجموعة «آسيان»، التي تضم مجموعة من الدول الآسيوية الناشئة، أو دول «بريكس»، التي تضم دولاً صناعية ذات اقتصادات كبيرة، كالبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا وروسيا، جميعها تجاوزت النظرة السياسية أو الأمنية فضلاً عن الخلافات المعلقة أو غير الأساسية - بعكس دول الخليج - إلى مشروع اقتصادي فيه من الأرقام أكثر بكثير من الخطابات والخلافات السياسية... وهو ما يجب على دول الخليج أن تتنبه إليه سريعاً.

إن العجز عن معالجة الخلاف، هو الخلل، وليس حدوث الخلاف، ويجب أن تكون المعالجة في ظل مبادئ الشفافية، وأن يخضع القرار لاعتبارات فنية حقيقية يدعمه حسم سياسي كي تسير العلاقات بصورة طبيعية.

back to top