وثيقة لها تاريخ: البوعينين يستقرون في عينين والملك عبدالعزيز يعتمد في ما بعد أملاكهم ومنازلهم ويضمهم إليه
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن هناك وثيقتين تشيران إلى تحرك البوعينين ورحيلهم من الوكرة، واستعرضت ما ورد في الوثيقة الأولى. أما الوثيقة الثانية فنتناولها اليوم، وهي وثيقة أرسلها أحمد بن خاطر (الذي كان يقوم بتمثيل البوعينين في الشؤون الخارجية آنذاك) إلى الشيخ عبدالله أبوبكر الملا، من علماء الإحساء الكبار، وتاريخها أواخر شهر أكتوبر عام م1909، يطلب فيها منه مساعدة البوعينين في تحقيق مطالبهم من العثمانيين، من خلال والي الإحساء. وهذه الوثيقة قد تكون أولى الوثائق التي كتبها البوعينين بعد استقرارهم في "عينين" التي غلب عليها اسم "الجبيل" في ما بعد. تقول الوثيقة في إحدى فقراتها:"وقد أعيا الصبر جماعتنا في بلادهم (الوكرة) التي بنوها بأنفسهم فالآن تركوا بيوتهم ودكاكينهم وأملاكهم وخلوا وطنهم رغما وخوفا من اختلاط الدماء، والدولة (اي العثمانيون) جهارا يقولون ويعرفون حال قاسم (آل ثاني)، وقد توجه إليكم من رؤساء العشيرة بعريضة للمتصرف سوف يعرضها عليكم وتبذلون معه الجد والاجتهاد كما هي عادتكم...". (ص343)
وتوضح هذه الوثيقة أن البوعينين هم الذين بنوا الوكرة عند استقرارهم فيها منذ عقود طويلة من الزمان، ثم هاجروا منها تجنباً لإراقة الدماء ليستقروا في عينين التي كانت موطنهم الأصلي قبل انتقالهم إلى الوكرة والبحرين. ويبدو أن الوفد الذي ذهب لمشاورة الشيخ عبدالله أبوبكر الملا كان يريد أن يحصل على إعفاء من العثمانيين من دفع ضريبة سنوية مدة خمس سنوات، إضافة إلى مطالب أخرى مهمة.وفي ما يتعلق بالسؤال الذي أرسلته المعتمدية البريطانية في الخليج إلى المعتمدية في الكويت، بخصوص موقف الشيخ مبارك من وضع قصر الصبيح أو عينين، عثرت من بين وثائق الأرشيف البريطاني على وثيقة كتبها المعتمد البريطاني في الكويت بيرسي كوكس في مذكراته للأسبوع المنتهي بتاريخ 16 أكتوبر 1910م، تتحدث بشيء من التفصيل عن لقاء تم بين الشيخ مبارك الصباح ووفد من عشيرة البوعينين في ذلك الوقت. يقول كوكس في تقريره إن الشيخ مبارك استقبل البوعينين وأكرمهم غاية الإكرام مدة ثلاثة أيام، وعند مناقشة حالهم وأوضاعهم كان الشيخ مبارك صريحاً وواضحاً في موقفه معهم، ووافق على استقرارهم في قصر الصبيح. وإليكم جزءاً من النص الذي قمت بترجمته: "قال الشيخ مبارك إن الرجال (من عشيرة البوعينين) أتوا طلباً لحمايته وإنه ناقشهم في أوضاعهم،...... وقال الشيخ لهم إنه إذا تصرفوا بحكمة ولم يدخلوا في صراعات مع أصحاب المصالح حولهم فإنه ليس لديه مانع في استقرارهم في قصر الصبيح إذا لم يؤد ذلك إلى أية مشاكل".ويعلق كوكس على ذلك فيقول إن موقف الشيخ مبارك "أملته عليه دبلوماسيته الحذرة"، ويعلق على موقف البوعينين فيقول إن "الرجال اعتبروا أنهم حصلوا على مطلبهم بخصوص الموافقة على الاستقرار" في ذلك المكان، لكنه يثير شكوكاً حول إمكانية الشيخ مبارك "ممارسة نفوذه في تلك المنطقة رغم تمسكه بسيادة حكمه على قصر الصبيح".يقول الكاتب لوريمر في كتابه "دليل الخليج" إن قصر الصبيح قرية في ولاية الحسا، على بعد 4 أميال من الساحل، في منتصف الطريق بين الجبيل ورأس الدفي، وتتكون من القصر الأصلي، وهو محاط بسور وحصن وثلاثمئة وخمسين كوخاً من سعف النخل".وبهذا المقال نختتم هذه السلسلة من المقالات عن هجرة البوعينين من الوكرة في قطر إلى عينين (قديماً) أو الجبيل (حالياً) التي تمت في نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر عام 1909م، وكان عدد الرجال من البوعينين حوالي 1000 رجل، قاموا ببناء هذه المدينة المهمة، وأشرفوا على إدارتها، ثم انضموا تحت لواء المملكة العربية السعودية عند توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله.