المادة السوداء الميكروبية في فمك
أحد أهم الاكتشافات الحديثة في علم الأحياء الحديث جسم بشري يحتوي على خلايا بكتيرية تفوق الخلايا البشرية بنحو 10 أضعاف. لكن الكثير من هذه البكتيريا لا يزال يشكل لغزاً يحير العلماء.
يقدر العلماء أن نحو نصف البكتيريا الحية في جسم الإنسان غير قابل للمحاكاة لدراستها علمياً، ولهذا السبب يدعوها علماء الأحياء {المادة السوداء الميكروبية}. لكن العلماء عقدوا العزم، منذ زمن، على معرفة المزيد عن هذه البكتيريا التي لا يمكن زراعتها في المختبر لأنها قد تسهم في تطور عدد من الأمراض الموهنة والمزمنة.طوال عقود، شملت مجموعة البكتيريا التي شكلت تحدياً للباحثين Candidate Phylum TM7، لاعتقادهم بأنها تسبب أمراضاً مخاطية التهابية كونها متفشية بين مَن يعانون التهاب النسج الداعمة (عدوى في اللثة).
قدّم أخيراً اكتشاف بارز توصل إليه علماء في كلية طب الأسنان في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، معهد ج.كريغ فنتر، وكلية الطب في جامعة واشنطن معلومات مهمة عن مقاومة TM7 للدراسات العلمية ودورها في تقدم التهاب النسج الداعمة وأمراض أخرى. وقد ألقى اكتشافهم هذا ضوءاً جديداً على الأهمية الحيوية، البيئية والطبية لبكتيريا TM7، ما يؤدي إلى فهم أفضل لبكتيريا غامضة أخرى.بكتيريا قابلة للزرعيذكر الدكتور ونيوان شي، بروفسور في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس متخصص في علم أحياء الفم: «أعتبر هذا الاكتشاف الأهم خلال عملي في هذا المجال طوال 30 سنة. تقدّم هذه الدراسة لنا خارطة طريق لجعل كل بكتيريا غير قابلة للزرع قابلة للزرع».زرع الباحثون نوعاً محدداً من TM7 يُدعى TM7x، وهو نُسخة من TM7 تنتشر في أفواه الناس، فتوصلوا إلى أول دليل معروف عن إشارة تفاعل بين البكتيريا وعامل معدٍ يُدعى أكتينوميسيس أودونتوليتيكوس، أو XH001، يسبب التهاباً مخاطياً.يذكر الدكتور جيف ماكلين، بروفيسور مساعد بديل في كلية الطب في جامعة واشنطن: «عندما زرع الفريق بكتيريا TM7x وسلسلوها، نجحنا في اكتشاف طريقة عيشها في جسم الإنسان. ويُعتبر هذا أول مثال على الرابط الطفيلي الطويل الأمد بين نوعين مختلفين من البكتيريا، حيث يعيش النوع الأول على سطح نوع آخر مكتسباً المواد الغذائية الضرورية ليقرر بعد ذلك شكر مضيفه بمهاجمته}. لإثبات أن بكتيريا TM7x تحتاج إلى XH001 لتنمو وتستمر، حاول الفريق خلط خلايا معزولة من TM7x من سلالات أخرى من البكتيريا. لكن بكتيريا XH001 وحدها استطاعت إقامة رابط فعلي مع TM7x، ما قاد الباحثين إلى الاعتقاد بأن TM7x وXH001 تطورتا معاً خلال اتخاذ الفم شكله الحالي.التهابات مزمنةلكن ما يجعل TM7x أكثر غرابة أدوارها المحتملة في الالتهابات المزمنة في الجهاز الهضمي، الأمراض المهبلية، والتهاب النسج الداعمة. وقد سمحت مجموعتا البكتيريا هاتان اللتان جُمعتا خلال هذه الدراسة، للباحثين بالتحقق للمرة الأولى من مقدار مساهمة TM7x في هذه الحالات.يشير الدكتور ر. دواين لانسفورد، مدير برنامج علم الميكروبات في المعهد الوطني لأبحاث الأسنان والجمجمة والوجه: {تمثل البكتيريا غير القابلة للزراعة ‘حداً أخيراً مذهلاً في علم ميكروبات الأسنان، وهي تشكل أولوية بالغة الأهمية بالنسبة إلى أبحاث معهدنا. تمثل هذه الدراسة حالة مثالية تُظهر أن إستراتيجيات التعايش والتكافل الكامل بين الأجناس قد يسهل تعافي هذه الكائنات الغامضة. صحيح أن الدراسات التي لا تعتمد على الزراعة تعطينا لمحة عن التنوع الميكروبي في موقع محدد. ولكن إذا أردنا أن نفهم حقاً تركيبة بكتيريا معزولة وفوعتها (virulence)، فعلينا أن نتمكن في النهاية من زراعتها في المختبر}.عرف العلماء سابقاً أن XH001 تسبب الالتهاب. ولكن بتلويث خلايا نقي العظم ببكتيريا XH001 وحدها ومن ثم ببكتيريا XH001 وTM7x معاً، لاحظ الباحثون أيضاً أن الالتهاب تراجع كثيراً حين ارتبطت TM7x فعلياً ببكتيريا XH001. وتشكل هذه الدراسة الوحيدة التي تقدم الدليل على هذه العلاقة بين TM7 وXH001.يخطط الباحثون للمضي قدماً في دراستهم العلاقة الفردية بين TM7x وXH001 وتسببهما معاً بأمراض مخاطية. ومن الممكن أن يكون لدراستهم هذه انعكاسات على العلاجات والأدوية المحتملة.يشمل المشاركون الآخرون في هذه الدراسة الدكاترة كسوسونغ هي، رينات لوكس، وآنا إدلوند من كلية طب الأسنان في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، شيبو يوسف، آدم هول، وكارن نيلسون من معهد فنتر، سو-يانغ ليود وجنهونغ تشنغ من قسم علم الميكروبات والمناعة والوراثة الجزيئية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، بايتر دوريشتاين من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو، إدوارد إسكينازي من Sirenas Marine Discovery، وراين هانتر من جامعة مينيسوتا.يعمل الدكتور شي مسؤولاً علمياً في C3 Jian, Inc التي حصلت من جامعة California Regents على إذن باستخدام تقنيات قد تكون مرتبطة مباشرة بمشروع البحث هذا.