كيف أصبحت الولايات المتحدة دولة عظمى؟
قضت الحرب العالمية الأولى على النظام العالمي القديم كما الفيضان. أدى هذا الصراع الذي دام أربع سنوات إلى تغييرات سياسية، واقتصادية، وثقافية كبيرة. وعندما سكتت البنادق، كانت إمبراطوريات روسيا، وألمانيا، والنمسا- والمجر والسلطنة العثمانية قد تحوَّلت إلى خراب.
اندلعت الثورات في مختلف أنحاء أوروبا، فيما واجهت الصين الحرب الأهلية. أما بريطانيا وفرنسا، اللتان حققتا الانتصار بكلفة عالية من الأرواح والمال وبدعم مالي وعسكري كبير من الولايات المتحدة، فخرجتا من الحرب ضعيفتين.
استفادت دولة واحدة من هذا الصراع: الولايات المتحدة الأميركية. فقد بلغت للمرة الأولى مكانة القوة العالمية الوحيدة من دون أي منازع.
ولكن كيف أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى بعد الحرب الكبرى؟ الإجابة فيTHE DELUGE:THE GREAT WAR, AMERICA AND THE REMAKING OF THE GLOBAL ORDER, 1916-1931 لآدم توز.
اندلعت الثورات في مختلف أنحاء أوروبا، فيما واجهت الصين الحرب الأهلية. أما بريطانيا وفرنسا، اللتان حققتا الانتصار بكلفة عالية من الأرواح والمال وبدعم مالي وعسكري كبير من الولايات المتحدة، فخرجتا من الحرب ضعيفتين.
استفادت دولة واحدة من هذا الصراع: الولايات المتحدة الأميركية. فقد بلغت للمرة الأولى مكانة القوة العالمية الوحيدة من دون أي منازع.
ولكن كيف أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى بعد الحرب الكبرى؟ الإجابة فيTHE DELUGE:THE GREAT WAR, AMERICA AND THE REMAKING OF THE GLOBAL ORDER, 1916-1931 لآدم توز.
أولاً، لم تقع أي معارك على أراضي الولايات المتحدة الأميركية، ما أعفى كامل المجتمع المدني من أي خسائر وحافظ على بنية البلد التحتية. بحلول عام 1917، كانت القوى المشاركة كافة مستنفدة.لكن الولايات المتحدة دخلت الحرب في مرحلة متأخرة وهي تتمتَّع بقوة كبيرة: عدد كبير من السكان، قاعدة صناعية ضخمة، وتجارة وزراعة مزدهرتان. صهرت اقتصادها استثمارات كبيرة في مجال السلاح وفنون الحرب. كذلك تمتَّعت بفائض كبير من المال، مقرضة مئات ملايين الدولارات للدول الخليفة التي كان اقتصادها بأمس الحاجة إلى قروض. ومن المرجح أنها ما كانت ستتمكَّن من المضي قدماً في الحرب بنجاح من دون الولايات المتحدة.
اندلعت الحرب العالمية الأولى مع اغتيال فرانز فرديناند، ولي عهد عرش هابسبورغ، في الثامن والعشرين من يونيو 1914 في سراييفو في البوسنة والهرسك، التي كانت قد تحوَّلت أخيراً إلى جزء من الإمبراطورية. قُتل فرديناند على يد قومي صربي شاب. والمفارقة أن فرديناند كان يؤيد منح حقوق سياسية أكبر للسلاف المقيمين في مملكة هابسبورغ. فأدى اغتياله إلى توجيه النمسا-المجر إنذاراً إلى صربيا. وتفاقمت الأزمة بسرعة لتتحول إلى حرب عامة.يدعي بعض المؤرخين أن القادة الأوروبيين «ساروا من دون أن يدروا» إلى الحرب، بعدما طغت عليهم الأحداث، من دون أن يقيموا خطواتهم بدقة أو يحسبوا بطريقة صحيحة عواقب أعمالهم. في المقابل، يلقي مؤرخون آخرون المسؤولية الكبرى على عاتق ألمانيا وشريكتها الصغرى، النمسا-المجر، معتبرين أنهما أشعلتا الحرب بتوجيه إنذار شديد اللهجة دعمه القيصر بمنح شريكته الحرية المطلقة. رغم ذلك، يوجه فريق ثالث إصبع الاتهام إلى الروس لحشد جنودهم بطريقة مستفزة قبل الأوان. ولكن على عاتق مَن تقع المسؤولية؟ يدور هذا الجدل حامياً طوال أكثر من عقد.أدى هذا الخلاف إلى مواجهة الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، الإمبراطورية الروسية، اليابان، إيطاليا، صربيا، ورومانيا) القوى المركزية (ألمانيا، النمسا-المجر، السلطنة العثمانية، وبلغاريا). وفي عام 1917، انضمت الولايات المتحدة إلى الحلفاء بعد حرب غواصات ألمانيا غير المضبوطة ووعدها السري للمكسيك بمنحها أراضٍ في أميركا إن وقفت إلى جانب القيصر.في النهاية، حُشد أكثر من 70 مليوناً للمشاركة في هذا الصراع الذي شمل أسلحة كيماوية، قصفاً جوياً، حرب خنادق، التحام الجيوش، وحصاراً اقتصادياً. ولقي نحو 16 مليون نسمة حتفهم، 7 ملايين منهم من المدنيين، في حين تعرض أكثر من 20 مليوناً لإصابة أو ماتوا جراء المرض.يكتب المؤرخ آدم توزفي كتابه الضخم، المعد بإتقان، والمدون بأسلوب ممتع أن الحرب العالمية الأولى شكَّلت الجهد الأول لبناء ائتلاف من القوى الليبرالية بغية التحكم بتفاعلات العالم العصري الجامحة. ويضيف أن ائتلاف الحلفاء ارتكز على القوة العسكرية، الالتزام السياسي، والموارد المالية، مع أن أهداف الحرب لم تكن ذاتها بالضرورة. يذكر توز: «ربما بدأت الحرب الكبرى في رأي مشاركين كثر كصراع بين الإمبراطوريات أو حرب قوى عظمى تقليدية، إلا أن نهايتها جاءت محملة بالمعاني السياسية والأخلاقية: انتصار مضنٍ لائتلاف نصب نفسه بطل النظام العالمي الجيد».ترأس هذا الائتلاف الرئيس وودرو ويلسون الذي قاد بلده إلى الحرب، مواجهاً التردد العام في البداية.كان شعار حملة إعادة انتخاب ويسلون رئيساً في البيت الأبيض عام 1916 «أبقانا خارج الحرب». ولكن بعدما انضمت الولايات المتحدة إلى الصراع، رسم الرئيس الأميركي أهدافاً سامية: جعل العالم آمناً لأجل الديمقراطية، دعم النظام الدولي وحرية الحركة في البحار، وسحق القوى العسكرية والمستبدة بشكل نهائي.لكن محادثات السلام شكَّلت خيبة أمل مرَّة لويسلون. يكتب توز: «لم يأتِ ليدعم هذا الطرف أو ذاك، بل ليصنع السلام. لم يهدف التأكيد البارز الأول للقيادة الأميركية في القرن العشرين إلى إظهار أن الطرف «المناسب» فاز، بل إلى أن لا أحد انتصر... عنى ذلك أن هذه الحرب ما كانت لتؤدي إلا إلى نتيجة واحدة: السلام من دون النصر».بعيد مؤتمر السلام، كان ويسلون المريض جداً قد رحل. وبحلول عشرينيات القرن الماضي، ازدادت الولايات المتحدة ميلاً إلى العزلة. صحيح أنها ظلَّت قوة عالمية، إلا أنها انسحبت تماماً من الشؤون العالمية. وفي النهاية، تداعت معاهدة مرساي، التي أنهت رسمياً الحرب العالمية الأولى، مع تقدم الفاشية والنازية.في عام 1929، أدى انهيار بورصة وول ستريت إلى الكساد الكبير. وسرعان ما انتشر الكساد ليتحوَّل إلى أزمة اقتصادية عالمية. في عام 1932، انتخب فرانكلن ديلانو روزفلت رئيساً، فأطلق برنامج الصفقة الجديدة التي اعتمدت بإفراط على مشاريع العمل العامة الحكومية الضخمة التي هدفت إلى البطالة المستشرية. يكتب توز: {جاء التغيير المحلي على حساب الانسحاب الدولي. ولكن مع تنامي تحديات ثلاثينيات القرن الماضي الدولية حدة، لم تكتفِ إدارة روزفلت بالوقوف مكتوفة اليدين. ومن الصفقة الجديدة ولدت قوة أميركية قادرة على ممارسة نفوذها على المسرح العالمي بطريقة إيجابية تقوم على التدخلات، طريق لم نرَ لها مثيلاً في أعقاب الحرب العالمية الأولى}.لعل الدرس الأهم الذي تستمده الولايات المتحدة من الحرب الكبرى أن الانتصارات في ساحة القتال لا تكون دوماً كافية، وأن السعي إلى السلام بنجاح يكون أحياناً أكثر أهمية في تحقيق الانتصار.ولا شك في أن هذا الدرس ملائم اليوم بقدر ما كان عليه خلال القرن الماضي.