مبعوث أوباما جون أَلِن: لا حلّ قصير الأمد للتخلُّص من «داعش»!

نشر في 04-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 04-01-2015 | 00:01
في مقابلة مع «دير شبيغل»، يشرح الجنرال الأميركي جون أَلِن، لماذا يعتبر العملية العسكرية الأخيرة ضدّ الدولة الإسلامية أسهمت في لجم زخم الجماعة الإرهابية، ولماذا برأيه قد تستغرق عملية القضاء على الأيديولوجية التي يمثلها تنظيم «داعش» سنوات طويلة.

خدم الجنرال جون ألن، وهو في الواحدة والستين من عمره، كمبعوثٍ خاص رئاسي لقوات التحالف المناهضة للدولة الإسلامية في عهد الرئيس أوباما منذ سبتمبر من العام الماضي. وخدم سابقاً كنائب لقائد القوات الأميركية في أفغانستان والعراق.

مبروك المنصب الجديد. يبدو أنك أمّنت لنفسك وظيفةً مضمونة لبعض الوقت.

نعم. يبدو أن ذلك صحيح. ضمنت لنفسي عملاً أكيداً للسنوات المقبلة.

استلزم الأمر أكثر من عقد للوصول إلى شبه استقرار في أفغانستان. ويبدو أن الوضع في سورية أسوأ. متى ستستطيع استخدام عبارة «أنجزت المهمة»؟

بصراحة ما كنت لأضع جدولاً زمنياً للمهمة. نمرّ بلحظات مريرة وصعبة. وعناصر عدم الاستقرار الناجمة عن «داعش» متفشية في المنطقة بأسرها. لا يتعلَّق الأمر بـ{داعش»، أو بالعراق أو سورية فحسب، بل ثمة الكثير من المصاعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تتضافر بشكلٍ يسمح بتنامي التطرف والتشدّد في المجتمعات العربية. إذاً، في حين نهتم طبعاً بمعالجة الخطر الآني المتمثل بـ{داعش»، إلا أننا نضع نصب عيننا خطراً أكبر ونجهد لمحاربة العناصر التي تؤدي إلى الخلل الاجتماعي المولد للتطرف ولمشاكل من هذا النوع.

السؤال الذي يطرح إذا هو التالي: كيف يمكننا محو تلك المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي نلحظها في بؤرٍ متعددة من المنطقة. ما من حلولٍ قصيرة الأمد. إننا بحاجة الى تضافر جهود الأسرة الدولية بأسرها. ينبغي أن تتحوّل المشكلة الى كفاحٍ عالمي موحّد ضد هذه الآفة.   

أعلن الرئيس باراك أوباما أنه يريد «تدمير الدولة الإسلامية». هل أخطأ في وضع هدف مستحيل أو بعيد المنال في الواقع؟

ينبغي أن نفهم بوضوح ما هو هدفنا. لا أعتقد أن الرئيس تحدّث عن تدمير «داعش». فذلك أبعد من تفكيرنا. ما نسعى إليه هو أن نحرم «داعش» من الحصول على ملجأ آمن سواء في العراق أو في سورية، وأن ندمر قدرته على إلحاق الأذى بهذه الدول. «التدمير» يحتاج الى استثمارات ضخمة والى موارد ووقتٍ كبير. فمهمّة تدمير تنظيم «داعش» وتفكيكه وتبديد الفكرة التي يرتكز عليها هدف بعيد الأمد. يجب أن نفهم، أننا كتحالفٍ نسعى إلى مهمة أكبر وأوسع نطاقاً من مجرّد عملٍ عسكري بسيط. لعلّ العمل العسكري الآني ينال في الوقت الراهن أكبر قدر من الاهتمام  الإعلامي، ولكن لدينا نقاط ينبغي أن تتضافر في الجهود لنصل الى انهزام «داعش» كلياً وهي: توفير الدعم العسكري لحلفائنا، وعرقلة تدفق المحاربين الأجانب، وتولي الحاجات الإنسانية في المنطقة، وفضح وجه «داعش» الإرهابي الفعلي. في ما يتعلَّق بالمساعدة الإنسانية ونداء الأمم المتحدة للعراق وسورية، قدَّمت إلمانيا الكثير من المساعدات وهي مشكورة على ذلك. ولكن ليس العراق وسورية وحدهما من يحتاجان إلى مساعدة في هذا المجال، بل كذلك الدول الحدودية مثل تركيا، والأردن ولبنان.

وفيما يتمّ التخلص من «داعش» في العراق تدريجاً، فإن المناطق التي تحرّرت من قبضته بحاجة إلى مساعدةٍ واهتمام. وعلينا هنا أيضاً مدّ يد العون بدعم القوى المسلحة العراقية بشتى الوسائل.

ما هو تقييمك للوضع العسكري الميداني؟

لا شك في أن عمليات قصف مواقع داعش أسهمت في تراجع الدولة الإسلامية وخفّفت من قدرتها على احتلال مناطق أخرى والتمدّد نحو بقعٍ أوسع. على الصعيد الاستراتيجي والعملي والتكتيكي، أعتقد أن الزخم اليوم انقلب ضد «داعش». فالتنظيم في حالة جمود على الصعيد العسكري، وبدأنا نلمس بأم العين تقدم القوات العراقية على الأرض على الصعد كافةً. أما الهدف الآخر من الحملة العسكرية فهو طبعاً تعزيز قدرات الحلفاء. نريد تزويد الأكراد والعراقيين بالقدرة العكسرية التي تمكنهم من إعادة السيطرة على كامل أراضيهم وبسط سيادتهم عليها.

ثمة تحدٍ آخر كبير يتمثَّل في كيفية مواجهة بروباغندا الدولة الإسلامية. لا شكّ في أن الإعلان عن قيام دولة الخلافة الإسلامية خطوة جريئة. كيف تعزمون على مواجهتها؟

ليس علينا أن نفضح ممارسات «داعش» البربرية فحسب، بل أيضاً الاحتفال بالقيم الرائعة التي تكتنزها البلدان التي تساعدنا على محاربة جاذبية «داعش». سألتنا عن رغبتنا في تدمير «داعش» سابقاً، وأقول لك إننا لا نستطيع تحقيق هذا الهدف إلا عندما ندمّر ما تمارسه هذه الجماعة الإرهابية من جاذبية في المجتمعات العربية. بالتالي، نسعى إلى مساعدة بلدان المنطقة في مجال الحد من جاذبية «داعش» بحيث لا ينضم إليها الشبان المغررون.

لعل الدولة الإسلامية أفضل منظمة إرهابية في الإدارة المالية عالمياً. لن تنجحوا في جهودكم ما دام «داعش» قادراً على أن يدفع لمحاربيه أفضل بكثير مما تدفعه الحكومة العراقية أو المجموعات العراقية المعارضة في سورية للمحاربين في صفوفها.

من الضروري للغاية العمل على تجفيف إمكانات «داعش» وموارده المالية وخنق قدرته على العمل الميداني. فهذا التنظيم بحاجة إلى صرف الأموال، سواء لدفع الرواتب أو شراء المعدات أو النفط أو بناء المنشآت. عندما تريد أن تتصرَّف كدولة يصبح واجباً عليك أن تدفع فواتيرك في مواعيدها كالدولة تماماً. ونستطيع أن نؤكد اليوم أن دفع الفواتير بات مهمة صعبة بالنسبة الى «داعش»، خصوصاً بعد شنّ غاراتٍ على مواقع إنتاج النفط، ما قلّص من مداخيل التنظيم من بيع هذه المادة التي كانت توفر له مدخولاً كبيراً.

تبيّن أن حملتنا العسكرية نجحت في تقليص مداخيل «داعش» في مجالات أخرى كذلك كالخطف مقابل فدية، والاتجار بالبشر، والمتاجرة بآثار سورية القديمة.  

ثمة تذمّر كبير في سورية من المعارضة السورية المعتدلة. يشعر هؤلاء أن العالم قد تخلّى عنهم وهم يريدون محاربة بشار الأسد أيضاً وليس الدولة الإسلامية وحدها.

إننا على تواصل دائم مع الائتلاف السوري المعارض، الذي يمثل عدداً كبيراً من السوريين المعتدلين. نأمل مع الوقت أن تصبح تلك الأصوات في قالب أكثر انسجاماً سياسياً. أشعر أن نوايا هؤلاء حسنة ولكنهم في طور تطوير قدراتهم السياسية والمسألة بحاجة إلى بعض الوقت. أما بالنسبة إلى دعم المحاربين المعتدلين ميدانياً، فينبغي أن نتذكَّر أننا لم نفعل ذلك إلا ابتداءً من شهر سبتمبر من العام الماضي. طبعاً كنا نوفِّر مساعدة إنسانية ومؤازرة غير قتالية من حينٍ إلى آخر. أتفهَّم تماماً رغبتهم الجامحة في تسريع وتيرة الأمور ولكننا في هذه الحالة نتحرّك بسرعة أساساً. أعلنت أربع دول استعدادها لاستقبال مراكز لتدريب عناصر المعارضة المعتدلة، ونأمل أن يتمَّ العمل على هذا الموضوع قريباً.

هل لديك أي فكرة عن المدة الزمنية التي ستستمر فيها عمليات التدريب هذه؟

ليست لدي أي أرقام محددة الآن، كما أنني عادة أتجنب إعطاء جداول زمنية محددة. نتوقَّع في العراق مثلاً أن ينتج التدريب العسكري وحدات مسلحة يمكنها الاشتباك ميدانياً بالمجموعات الإرهابية وتحقيق تقدم ملموس بالإضافة إلى الإنجازات التي يتم تحقيقها راهناً ميدانياً من الجيش العراقي.

ولكن على الصعيد السوري ما زلتم بعيدين من تحقيق هدف مماثل. لا شكّ في أنّ ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت، أليس كذلك؟

صحيح. فثمة فوارق بين الوضع في سورية والعراق. في العراق مثلاً، بينما لم تمرّ على كارثة الموصل إلا ستة أشهر إلا أننا حققنا تقدماً كبيراً في وقتٍ قصير نسبياً. وفي العراق حلفاء واضحون ولا نستطيع أن نقول ذلك بالنسبة إلى سورية. لدينا حكومة برئاسة حيدر العبادي وهي تحرز تقدماً ملموساً على الصعيدين السياسي والعسكري. ثمة حكومة متكاملة ووزير دفاع يحصل على دعم داخلي ودولي كبير ولديه خبرة تنفيذية كبيرة. كذلك القوات العراقية مجهزة وقوية.

أما العناصر السورية المعتدلة في الميدان فليست كياناً موحداً، بل هي مجموعات متعددة مشتتة، تربطها رغبة مشتركة بالتحرر وبالاستقلال في الإدارة والحكم وبإنشاء نظامٍ سياسي جديد يعكس إرادة الشعب السوري ولا يكون بشار الأسد موجوداً فيه. وينبغي أن تجتمع تلك العناصر المعارضة تحت مظلةٍ واحدة وإدارةٍ متجانسة. وهذا جزء من المهمة التي سنتولاها في السنوات المقبلة في سورية، بالإضافة إلى تدريب القوات المعتدلة وتجهيزها بالمعدات القتالية اللازمة.

متى ستسافر إلى إيران لتنسيق جهود الائتلاف الدولي ضدّ الدولة الإسلامية؟

الجواب بسيط: أبداً! لا ننسق مع إيران ولن ننسق جهود الائتلاف مع إيران.

 

نتائج العمليات العسكرية الأميركية

من الذي يشكّل خطراً أكبر على مصالح الولايات المتحدة: بشار الأسد أم الدولة الاسلامية؟

يشكّل الأسد خطراً للمنطقة. فما فعله حتى الآن بسورية كان حافزاً قوياً لزيادة نفوذ مجموعات إرهابية على غرار «النصرة» و»داعش». لذا، في حين يشكِّل الأخير تهديداً لمصالح الولايات المتحدة، فإنّ الحلّ السياسي في دمشق ورحيل الأسد وجماعته من الحكم سيشكّلان تطورين كبيرين للمنطقة. ولا شكّ في أنّ ذلك سيسهم في بناء سورية أكثر استقراراً. وإذا ما حققنا أهدافنا في ما يتعلق بالنتيجة السياسية المتوخاة، فستكون هناك حكومة تمثل إرادة الشعب السوري، وسيسهم الأمر بإرساء استقرارٍ أكبر في المنطقة.

ولا شك في أن حل الوضع السياسي في سورية سينعكس إيجاباً على التخلّص من المسببات الأساسية لنمو مجموعات إرهابية مثل «داعش» وتنامي قدرتها على جذب الناس إليها.

يبدو أن نظام الأسد بات أكثر استقراراً بعد بداية العمليات العسكرية ضد الدولة الإسلامية. هل يمكن أن يكون الثمن السياسي الذي ستدفعونه لهزم الدولة الإسلامية هو تعزيز قوة النظام السوري؟

لا أوافق أبداً على طريقة صياغتك للسؤال، فقد شهد الأسد صعوبات كبيرة في مجالات مختلفة. ليست الأمور على خير ما يرام بالنسبة إليه في الجنوب، وهو تحت وطأة عددٍ هائل من العقوبات الدولية. ومع أن لديه بعض الدعم على الصعيد الدولي، إلا أنه ليس أكثر استقراراً ممّا مضى.

إذا ما ألقينا نظرة إلى المستقبل هل يمكن سنرى سورية والعراق كما هما بالشكل الراهن؟

أعتقد أننا سنشهد عودة في الاستقرار إلى عراقٍ موحَّد جغرافياً. ثمة مؤشرات على ذلك تتجلّى بأداء رئيس الحكومة حيدر العبادي وحكومته وهي إيجابية للغاية. على صعيد المنطقة، ثمة كثير من البوادر الحسنة التي تلوح في الأفق. فقد استقبل السعوديون رئيس الحكومة العراقي، ودعوا إلى إعادة فتح سفارتهم في بغداد. كذلك كانت للعبادي زيارة موفقة مع ملك الأردن. زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغداد وأربيل. ولعبادي علاقاتٍ طيبة مع الكويتيين. وقد أبرمت الحكومة الجديدة اتفاقاً نفطياً مع كردستان. وذلك إنجاز مهم. يعمل البعض على المشروع هذا منذ أكثر من عقد، وتمكّن العبادي من القيام بهذا الإنجاز منذ وصوله إلى الحكم في سبتمبر.

أما سورية فمن الصعب التنبؤ بما سيحصل لها في المستقبل حالياً. لا نستطيع التكهّن عما إذا كنا سنرى سورية علمانية فدرالية أو سورية أخرى، إذ ليست الأمور واضحة للحكم على هذا الأمر.  

الحرب البرية

بعد 1300 غارة جوية، يبدو أن الدولة الإسلامية تكيّفت مع الحملة العسكرية ضدّها وبات اليوم من الصعب العثور على أهدافٍ جديدة لها، ألا تعتقد أنه قد حان الوقت للقيام بعملٍ عسكري على الأرض؟

ستحصل العملية العسكرية البرية حين يحين الوقت للقيام بذلك. يهدف التدريب العكسري وتجهيز قوات الأمن العراقية إلى تعزيز قدرات الأخيرة على المواجهة البرية متى تأذن الساعة لذلك. وليست العملية العسكرية الجوية إلا مؤازرة لهذه القوات التي استنفرت على الأرض. وقد استطاع كلّ من القوات العراقية والبشمركة رفع الحصار عن مدينة بايجي، وطرد «داعش» من سدّ الموصل، وآمرلي، وعدد آخر من المواقع الاستراتيجية المهمة.

ولا شك في أنّ العملية العسكرية ستكون طويلة وسيستمر دعمنا الجوي لهذه القوات والوحدات العراقية بحيث تتمكَّن من مواجهة الإرهابيين بنفسها على الأرض فتبسط سيطرتها على أراضيها بنفسها طاردةً منها هذه العناصر المجرمة.

back to top