«ستي العرجا» على خشبة مسرح مترو المدينة...

نشر في 14-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-06-2015 | 00:01
• حوار بين حاضر لا أفق له وقصص موروثة

التهميش، والأرض الضائعة، والحرية المفقودة، الانتظار الذي طال سنوات وسنوات للعودة إلى الوطن المسلوب والأرض المغتصبة، وما من أمل، ويبدو أن الانتظار سيطول أجيالا طويلة... هذه أبرز محاور مسرحية {ستي العرجا} التي قدمتها {فرقة زقاق} على خشبة مسرح مترو المدينة وشارك فيها شباب فلسطينيون تابعوا ورش عمل نظمتها {زقاق} في مخيمات اللاجئين واختتمتها بالمسرحية التي تحث الشباب على البحث عن الموروث في تاريخهم، وعدم الاستسلام للواقع.
{ستي العرجا}، تراجيديا معاصرة تصوّر الفرد المحكوم بحقيقة قاسية فارضة عليه مجموعة من الشروط، وبأفعاله وخياراته تجاه الحقائق، وترتسم لديه علامة استفهام باستمرار: هل يخضع لها أم يثور عليها حتى لو قادته  ثورته هذه إلى التطرف؟} هكذا يصف  المخرج هاشم عدنان المسرحية  المستمدة من واقع حياة اللاجئين سواء الفلسطينيين أو حتى السوريين وأفعالهم تجاه الحقائق التي يعيشونها، وكيفية تعاملهم مع المورورث والقصة التي تتكرر منذ 67 سنة، أي منذ النكبة وتهجير الفلسطينيين  لغاية اليوم وما من نهاية لها.   يضيف في تصريح خاص لـ {الجريدة} قبيل بدء العرض: {نحن لا نتوجه في المسرحية إلى الفلسطينيين  فحسب ولا نعكس الواقع الفلسطيني وحده، بل واقع الشعوب في هذه المنطقة المتفجرة، لا سيما في لبنان الذي يعيش مأساة مستمرة  منذ اندلاع الحرب فيه في سبعينيات القرن الماضي  ولم تنتهِ فصولها بعد، إنما تظهر في كل مرة بشكل جديد ومختلف، وتحصد مزيداً من الضحايا}.

يتابع: {صحيح أننا نتطرق إلى قضايا مصيرية، إلا أننا تجنبنا تقديمها باسلوب مأساوي، واعتمدنا القالب الكوميدي والنقدي، من خلال مشاهد مترابطة دراماتورجياً، تبتكر علاقة متعة وتسلية مع الجمهور}. حول تعامله مع شباب ليسوا ممثلين محترفين وقدرتهم على إيصال رسالة المسرحية إلى الجمهور، يقول إن معظم هؤلاء خضعوا لدورات تدريبية على التمثيل، ويعملون في مجال التنشيط الثقافي داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها، من بينهم لبنانيون، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل مخيّم طابعه الخاص وبيئته الخاصة، ثم تفاعلهم مع النص كان ممتعاً. 

يوضح أن {زقاق} كفرقة مسرحية، تنتقل إلى الأمكنة التي جرحتها الحروب وتواجه تحديات جسيمة، وتساعد ساكنيها على التعبير عما رأوه وعانوه، كل ذلك لاختبار وتطوير أشكال مسرحية تتناسب والحاجات المستجدة.

يشير عدنان إلى أن {الفرقة تتعامل مع أطفال ذوي إعاقات ونساء تعرضن لعنف منزلي، وآخرين كسرهم مجتمع لا يرحم، أو قهرتهم حرب غاشمة، مع السجناء في سجن رومية... ومعظم الفئات التي تعاني التهميش من المجتمع، فنحاول مساعدتها لتعزيز حضورها وتفاعلها مع محيطها وجعلها جزءاً  في مسألة اتخاذ القرارات}. 

يعتبر هاشم عدنان أنّ أحد أهداف المشروع، بالنسبة الى {زقاق}، العمل مع شباب ذوي اهتمامات بالمسرح،  وتحفيزهم ليس لتنفيذ عرض فحسب، بل تأسيس نواة فرقة مسرحية للشباب تعمل باستمرار، مؤكداً أن أهم ما في المشروع تشجيع الشباب على اعتبار المسرح ساحة وجود وتعبير وموقف وابتكار حوار بينهم وبين والجمهور.

 

قضايا حساسة

 

 تدور المسرحية في زمن ليس ببعيد ويصلح أن يكون في كل زمان ومكان، لغتها الأرض والحرية والمواطنة والكيان والهوية والانتماء، وذلك من خلال حكاية ثمانية ابناء للجدة العرجاء، ورثوا لعنة الحكاية التي لا تنتهي... 

بين مخيم اليرموك ومخيمات لبنان لا فرق، التهجير واحد، والصور واحدة والمشاهد تتكرر وتتكرر كل يوم، كل ساعة، من دون أن يقوى الزمن على تبديلها او تغيير مسيرها، هكذا تجد الأجيال المتعاقبة نفسها تسير على خطى السابقين، في كل شيء، حتى في العيش على أرض  تحار كيف تحدد  علاقتها بها، وهل هي أرض بديلة أم ستظل غريبة عنها. من هنا باتت الأرض بالنسبة إلى اللاجئين فكرة، لأنهم لا يملكون أرضاً في الواقع، لكن الفكرة، بحسب الجدة، لا تموت إن حقّاً امتلكوها، والصور المرتسمة في عيونهم هي لقوارب ممتلئة حتى الموت وحشود الأطفال المتنكرين بملابس عسكرية. 

تحرّض الجدة العرجاء أبناءها على التمسك بالحرية حتى لو مارسوها في الأزقة الضيقة، إلا أن هذه الحريّة بالذات انقلبت عليهم لأنّهم نسوا أنها الهدف الأسمى، فعندما تنتهي أحلام الأفراد، ينتصر الواقع ويعودون إلى حيث انطلقوا، إلى أصغر مساحات الفعل وأجملها، إلى أيّ زاروب ألِفوا السّير فيه. يعتقدون أنّهم محظوظون، فهم لا يزالون على قيد الحياة. يعتقدون أنّهم مهزومون، فالحلم صار خرافة وصدقت نبوءة العرّافة. يكتشفون حلماً جديداً ويستعدّون لصناعة خاتمة لائقة لقصّتهم التي لم تنته. قصّتهم التي عليهم إعادة إخبارها دائماً من البداية.

 

المكان والعودة

 

تنطلق {فرقة زقاق} في عملها من إجراء حوار مباشر مع شباب يعانون التهميش سواء في المخيمات الفلسطينية أو السورية او حتى لدى فئات لبنانية، تختبر فيه مدى قدرتهم على التعبير عن آلامهم وأمالهم، من ثم تناقش  معهم نصوصاً معينة لشعراء وكتاب، وتضع الأفكار في قالب مسرحي يكون فيه هؤلاء اللاعبين الأساسيين على المسرح باعتبار أنهم الأصدق في تجسيد احوالهم. 

هذا الأمر بدا جلياً في مسرحيتي {ستي العرجا} هذا العام و{اختر لي بر} العام الماضي، مع الإشارة إلى أن واقع الحياة يختلف من مخيم إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، لا سيما بين لبنان وسورية، من هنا قول الممثلين على المسرح مثلا أنا فلسطيني لبناني، أو أنا فلسطيني سوري، كدلالة على أهمية المكان في سلوكيات الأفراد. ليس هذا فحسب بل تحفز طريقة الحوار بين {زقاق} والشباب الفلسطينيين على البحث عن تاريخم وهويتهم الحقيقية وليس الاستسلام لواقع فرض عليهم من دون أن يكون لديهم أي خيار في تغييره.  كل ذلك بهدف بناء علاقة مع الصورة الموروثة حول مفاهيم القضية الفلسطينية وفكرة فلسطين المكان والعودة.

لم تكتفِ {فرقة زقاق} بالعمل مع  الشباب الفلسطيني إنما قصدت المدارس في المخيمات وحاورت الأطفال وذهبت إلى كل مكان حيث لا يصل المسرح، وعملت على كسر الحواجز بينه وبين الناس، فهو بالنتيجة مرآة للواقع ويستمد استمراريته من التفاعل مع القضايا الشائكة التي تواجه الناس ويعبّر عنها بطريقته وأسلوبه. 

طاقم العمل

 

 {ستّي العرجا}، عرض مسرحيّ نتيجة لورشة عمل تضمنت 15 جلسة تدريب، مع ثمانية مشاركين/ات من مخيّمات اللّجوء الفلسطينيّة في لبنان وخارجها. الورشة من تنظيم وإدارة {فرقة زقاق} بدعم من برنامج {صلات: روابط من خلال الفنون} ٢٠١٤، لمؤسسة عبد المحسن القطّان والمموّل من صندوق الأمير كلاوس.

إدارة الورشة ودراماتورجيا العرض: لميا أبي عازار وهاشم عدنان، تنسيق الورشة، إدارة الإنتاج: محمد حمدان.

إخراج: هاشم عدنان، إدارة التمثيل: لميا أبي عازار، سينوغرافيا: غسان حلواني.

تمثيل: حسام عبد القادر، ركان خليل، سلمى رشدان، كريستوفر إبراهيم، محمود رشدان، هشام أسعد، وسام شهاب، يمنى مروان.

موسيقى: حسام عبد القادر وكريستوفر إبراهيم

 

back to top