الكتاب ينتهي والقصة تبدأ... American Sniper يبحث عن الإنسان في البطل
في فيلم American Sniper، يحدّق كريس كايل (برادلي كوبر) عبر بندقية متطورة وهو يضع إصبعه على الزناد ويستعد لإطلاق النار على صبي صغير. كان عضواً في فرقة العمليات الخاصة في البحرية الأميركية خلال جولته الأولى لتنفيذ مهمته في العراق وقد كُلّف بحماية حياة جنود البحرية الذين يحرسهم، وكان الصبي يركض بأقصى سرعته تجاه موكب خاص بهم وهو يمسك بيديه قنبلة يدوية ضخمة وروسية الصنع.
نظرة إلى الفيلم من روبرت إيتو في {نيويورك تايمز}.
نظرة إلى الفيلم من روبرت إيتو في {نيويورك تايمز}.
نظراً إلى طبيعة مهمّة القناص، سيتمكن أي مشاهد يتكل على حدسه المنطقي من توقع نهاية هذه القصة. (إذا لم تكن واثقاً من النهاية بعد، فمن الأفضل أن تتوقف عن القراءة في هذه اللحظة). يطلق كايل النار على صدر الصبي مباشرةً، وحين تمسك امرأة بالقنبلة اليدوية وتحاول إنهاء المهمة، يسارع إلى إطلاق النار عليها أيضاً. فيموت الاثنان.إنه مشهد حاسم بالنسبة إلى فيلم American Sniper، لكنك لن تجد أي إشارة إلى مقتل الصبي في كتاب {القناص الأميركي} (American Sniper)، أي السيرة الذاتية التي يرتكز عليها الفيلم. بعد أن يقدم كايل الإثباتات إلى وزارة الدفاع والقيادة الحربية الخاصة في سلاح البحرية الأميركية كي تخضع للمراجعة، يُحذف ذلك الجزء من القصة. قال جايسون هال، كاتب سيناريو الفيلم: {أعيدت صياغة بعض التفاصيل من الكتاب. شملت الأمور التي أعيدت صياغتها طريقة تطور هذا الجزء من القصة}.
لم تكن هذه نقطة الاختلاف الوحيدة بين النسخة السينمائية التي تولى كلينت إيستوود إخراجها من كتاب {القناص الأميركي} والتي حطّمت الأرقام القياسية على شباك التذاكر والكتاب الذي حقق أفضل المبيعات في عام 2012. سبق وأصبح جزء كبير من حياة كايل معروفاً في أوساط القوات المسلحة: إنه أبرع قناص في التاريخ العسكري الأميركي وقد أطلق عليه زملاؤه في فرقة العمليات الخاصة في البحرية الأميركية لقب {الأسطورة}، وهو أطلق النار في إحدى المرات من مسافة مذهلة بلغت 1920 متراً (أكثر من ميل بقليل).لكن سيقابل كل من يشاهد كريس كايل في الفيلم شخصية أكثر تعقيداً بكثير من تلك التي يجدها القراء في الكتاب: يحصل ذلك بشكل أساسي بسبب ما حدث خلال الأشهر والسنوات التي تفصل بين بدايات الكتاب وأول يوم من تصوير الفيلم.مذكراتبدأ كايل العمل على صياغة مذكراته في عام 2010، أي بعد سنة فقط على أداء واجبه خلال أربع جولات في العراق. في الكتاب، هو يشير إلى العدو بكلمة {همجيين} ويصف {الشر المريع} الذي واجهه في العراق.قال هال: {ما تشاهدونه مجرّد لمحة عن رجل في لحظة معينة من الزمن. خاض الحرب أو تدرّب على خوضها طوال عقد من الزمن. في بعض الأماكن، يبدو كريهاً بكل وضوح، لكن هذا هو الجانب الذي ابتكرناه بنفسنا. هذا ما يجب أن يكون عليه هؤلاء الأشخاص}.كان هال يعمل أصلاً على كتابة سيناريو عن حياة كايل في تلك الفترة وقد بدأ يتعرّف إلى هذا العضو السابق في فرقة العمليات الخاصة في البحرية الأميركية من خلال إجراء زيارات واتصالات، ومن خلال مشاهدته وهو يتفاعل مع زوجته وأولاده. رغم صراعه مع شياطينه الخاصة، كان كايل يساعد المحاربين الآخرين الذين عادوا من الحرب. أوضح هال: {شعرتُ بتغيره خلال تلك السنوات. كان يمكن ملاحظة الأمر في صوته. فقد بدأ يضحك بسهولة أكبر، لا سيما خلال تلك الأشهر الأخيرة، حين كنت أكتب السيناريو}. في 1 فبراير 2013، سلّم هال أول مسودة من السيناريو الذي أعدّه. في اليوم التالي، قُتل كايل على يد جندي سابق في البحرية كان يحاول مساعدته. تمكّن كوبر الذي تولى إنتاج الفيلم وبدأ يستعد لأداء دور البطولة فيه من الدردشة لخمس دقائق مع كايل قبل أن يُقتل. قال كوبر في مقابلة هاتفية من مانهاتن: {كانت المحادثة سريعة. مزحنا قليلاً. فتحدث عن اصطحابي إلى الجهة الخلفية من شاحنته وتلقيني درساً قاسياً}.أضاف كوبر: {كان الكتاب مادة مرجعية مثيرة للاهتمام. لكنه ما كان ليصبح الأداة الأولية التي يمكن أن أستعملها لاستكشاف حقيقة هذا الرجل لأنني كنت أستطيع مقابلته شخصياً كي أتشاور معه مباشرةً}.بعد مصرع كايل، وقعت مهمّة استكشاف الشخصية بما يتجاوز ما هو مذكور في الكتاب على عاتق أرملة كايل، تايا، التي وفرت لصانعي الفيلم والممثلين الأفلام المنزلية والرسائل الخطية ورسائل إلكترونية تمتد على عشر سنوات. قالت السيدة كايل عبر الهاتف من منزلها في ميدلوثيان، تكساس: «أنا وجايسون كنا نمضي ساعات على الهاتف. كان يستطيع التواصل معي في أي وقت من النهار أو الليل، وحين كنت أحتاج إلى البكاء أو إطلاق العنان لنفسي أو التناقش بموضوع معين. كان هذا الأمر نعمة حقيقية لأنه كان يحصل بذلك على معلومات تفوق بنسبة كبيرة تلك التي يمكن أن يحتاج إليها أي فيلم بحسب رأينا».بعد تلك المحادثات، تغير السيناريو {بشدة} كما يقول هال: {كانت المسودة التي كتبتُها تحت وصاية كريس وإشرافه أشبه بفيلم حربي}. بدأ تركيز الفيلم يتجه نحو العلاقة بين كريس وتايا والصراعات التي عاشها كريس ليعتاد مجدداً على الحياة المدنية: {تمكنتُ من التعرف إلى الجانب الآخر من شخصية كريس كايل، وهو الجانب غير الوارد في الكتاب. إنه كريس الذي عاش قبل الحرب والذي وقعت هذه المرأة في غرامه}.تغيراتطرأت تغيرات أخرى أيضاً. في الكتاب، كان مصطفى، وهو قناص عراقي ورامٍ سابق شارك في الألعاب الأولمبية، عابراً في القصة. أوضح هال: {تناقشتُ في الموضوع مع كريس فقال إنه شعر بأن هذا الشاب ربما أطلق النار على صديقه ولم يشأ أن يخلّد ذكراه في الكتاب}. في الفيلم، تأخذ الشخصية حيزاً أكبر باعتباره مطارد كايل وعدوه اللدود، وهو أشبه بشبح غامض يقابله البطل في نهاية المطاف في مواجهةٍ على طريقة الغرب المتوحش.يرصد الفيلم أيضاً شقيق كايل العزيز جيف، وهو جندي في البحرية ويتذمر بكل مرارة من الحرب أمام كايل. يبدو المشهد صادماً (يسود جو حماسي حين يتواجه القناص الأسطوري مع شقيقه الأصغر الذي تعب من الحرب) وغير حقيقي بأي شكل. قالت السيدة كايل: {في الحياة الواقعية، لم يعش جيف تلك اللحظة}. لكن عاشها ملايين المحاربين القدامى، لذا يبقى المشهد حقيقياً من هذه الناحية. أضافت كايل: {يتفهم جيف الحاجة إلى إضافة ذلك المشهد في الفيلم. لكن سيصعب عليه أن يتقمَّص ذلك الدور}.يتخذ الفيلم طابعاً يتجاوز المذكور في الكتاب الصادر في عام 2012، ويتناقش السياسيون والنقاد وغيرهم حول معنى الفيلم ونواياه، مع أنه اكتسب ترشيحات لجوائز الأوسكار عن فئة أفضل سيناريو وأفضل أداء رئيس وفئات أخرى.قال كوبر: {يسهل انتقاد الفيلم ثم الاستخفاف به واعتباره مجرد حملة دعائية. إنه أمر جنوني فعلاً لأننا سنهمل بذلك الجنود. بالنسبة إلي، كان كريس إنسانياً إلى أقصى درجة. لم أضطر مطلقاً إلى الانتقال من الأسطورة إلى الإنسان. كنت أدرس شخصية إنسان وأحاول أن أعيش دوره}.