خيال مؤلف... تحقق

نشر في 06-06-2015
آخر تحديث 06-06-2015 | 00:01
 يوسف سليمان شعيب إن الأفلام والقصص التي وصفت حالة الإنسان الأول، وكيف كانت طريقة حياته وتعامله مع ما حوله من أشياء، ليس لها أي استناد علمي موثوق به أو يعتمد عليه، بل هي مجرد روايات وخرافات وخيال مؤلف، وبعضها من الرسومات التي وجدت في بعض الكهوف أو الأماكن المدمرة والمهجورة من آلاف السنين.

ولكن الصورة التي كنا نشاهدها في تلك القصص والأفلام، أصبحنا نراها اليوم وتحققت في مجتمعاتنا المتحضرة والمتطورة والمتعلمة مقارنة بذلك المجتمع الذي صورته القصص والأفلام لحياة الإنسان الأول.

كانت الأفلام والقصص تصور الإنسان الأول وتظهره بالجلافة والعبوس، والتوحش والتهجم، وكأنما هو حيوان مفترس يعيش مع أقرانه الحيوانات في الغابة، مطبقاً مع تلك الوحوش المفترسة شريعة الغاب والبقاء للأقوى.

وهذه الصورة، وإن كانت خيال كاتب، إلا أنها بدأت تتحقق وتظهر في مجتمعاتنا المتحضرة، مجتمعاتنا التي تتسابق إلى الموضة وآخر الصيحات، من خلال أفعال وتصرفات متنوعة، منها المادي ومنها المعنوي، ومنها ما يمارس على فرد ومنها ما يمارس على مجتمع بطريقة أو بأخرى.

كانت الأفلام تصور الإنسان الأول على أنه عنيف وشديد وسريع الغضب، لا يترك للعقل فرصة للتفكير في عواقب الأمور، وهذا للأسف ينطبق تماماً على واقعنا، فلقد أصبحنا نسمع ونرى تلك "الهوشات" والضرب، وقد يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى القتل، وأسباب ذلك تافهة لا ترتقي لأن تكون سبباً في هدر دم إنسان.

كم مرة سمعنا عراكاً وضرباً في مجمع تجاري بين شباب، والسبب "خزعة بالعين"، كم مرة سمعنا ألفاظاً لكلمات بذيئة وشتماً وسباً بين شباب أو بنات، والسبب "نغزة أو نكتة" ألقيت على أحدهم، وكم، وكم، وكم... والنتيجة ضياع مستقبل شباب البلد.

إن ثقافة ومنطق القوة في التعامل تدمر ولا تبني، فإن كنت تريد فرض احترام الناس لك فذلك لا يكون بالقوة والجبروت، ولكن وفق القانون الذي يطبق على الفقير، ويطبق على الجاهل، ويطبق على صاحب الحق، أما السارق النصّاب الناهب الهارب من العدالة، فلا يطبق في حقه القانون، لأنه هو من ينفذ شريعة الغاب والبقاء للأقوى.

نعم، مادام له "ظهر يحميه" وعلاقات تدافع عنه، وحبال المشنقة الملفوفة على رقاب أصحاب النفوذ كلها بيده، فلابد له من الصعود فوق القانون والعدالة.

ومن لطف الله في مخلوقاته، أنه وفي وسط الغابة إذا تكالب قطيع على سبعٍ مفترسٍ كان بإمكان ذلك القطيع التخلص منه ومن شره المحدق، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث عندنا، فمن يفكر في تحريك موضوع أو حالة أو قضية رأي عام، تتكالب عليه الأصوات والتصريحات وربما القذف والسب والمساس بالشرف والأمانة، وهذا حاصل في أكثر من مكان.

ونقول في الختام: إن كانت شريعة الغاب والبقاء للأقوى هي النموذج المطلوب للتعايش بين أفراد المجتمع، فلا خير في قوانين أصدرت، ولا تشريعات فرضت، وتبقى الحال على ما هي عليه، والبقاء للأقوى...

وما أنا لكم إلا ناصح أمين.

back to top