اجتماعات مجلس الوزراء... اطلاع وإحاطة بالعلم وغياب «الاقتصاد»!

نشر في 07-05-2015 | 00:04
آخر تحديث 07-05-2015 | 00:04
No Image Caption
● تعيينات القياديين في المقدمة... والقرارات الاقتصادية شبه معدومة
● ما كان مستنكراً خلال زمن الفوائض يصبح مذموماً مع مخاطر العجز المالي
بالاطلاع على البيانات الرسمية الأسبوعية لمجلس الوزراء نجد أن الاجتماعات الحكومية ركزت بشكل لافت على تعيينات غير مسبوقة للقياديين، إلى جانب التصديق على الاتفاقيات البروتوكولية أو إطلاق الأسماء على المدارس والمباني، وفي أفضل الأحوال الإحاطة بالعلم أو الاطلاع على موضوع معين.

المتابع لبيانات مجلس الوزراء الرسمية الأسبوعية، يلاحظ أن ملف الشؤون الاقتصادية، بتفرعاته المالية والاستثمارية والنفطية وغيرها، يعد من أكثر الملفات الغائبة عن الاهتمام في مداولات وقرارات الحكومة الأسبوعية.

فمنذ تراجع أسعار النفط محلياً دون 100 دولار في أغسطس من العام الماضي، عقد مجلس الوزراء 33 اجتماعاً، كانت حصة الملف الاقتصادي فيها ضئيلة، ولم تتعد متابعات أو إحاطة بالعلم لقرارات وزارية، أو إصدار لائحة تنفيذية لقانون صادر قبل 5 سنوات، أو استماع لعرض أو مناقشة لوزير أو رئيس هيئة من دون اتخاذ قرار، بل لمجرد الاطلاع... في حين أن 21 اجتماعاً لمجلس الوزراء لم تتطرق بتاتاً لأي قضية اقتصادية ولا حتى بالنقاش.

وإذا كان التعاطي الحكومي مع ملف الاقتصاد مستنكراً في الأحوال الطبيعية وزمن الفوائض المالية، فإنه مع تراجع الأسعار ومخاطر العجز المالي يعد أمراً مذموماً، وخصوصاً أن مجلس الوزراء - حسب الدستور - هو المهيمن على مصالح الدولة والمسؤول عن رسم السياسات العامة.

ووفق المنطق، لا يعقل أن تواجه الكويت أول مخاطر عجز مالي حقيقي منذ 15 عاماً بلا إجراءات جادة من أعلى جهة تنفيذية في الدولة، وخصوصاً أن هناك بعض القرارات الإصلاحية لم تعمم، كإعادة تسعير الديزل، أو كانت خطوة في طريق يحتاج إلى خطوات أكثر؛ مثل خفض الإنفاق العام في الميزانية الجديدة.

وبالاطلاع على البيانات الرسمية الأسبوعية لمجلس الوزراء، نجد أن الاجتماعات الحكومية ركزت بشكل لافت على تعيينات غير مسبوقة لمجالس إدارات الهيئات والمؤسسات العامة، فضلاً عن تعيينات الوكلاء في وزارات الدولة، إلى جانب التصديق على الاتفاقيات البروتوكولية، أو إطلاق الأسماء على المدارس والمباني، وفي أفضل الأحوال الإحاطة بالعلم أو الاطلاع على موضوع معين.

أما في أسوأ الأحوال فيمكن أن يكون اجتماع الحكومة بمجلس مفوضي هيئة أسواق المال قبل المداولة الأولى لقانون الهيئة هو أوضح النماذج السيئة لتعاطي مجلس الوزراء مع الملفات الاقتصادية المهمة، فبعد "الاستماع" للعرض الفني، قررت الحكومة التصويت بعكسه، مما تسبب في استقالة وزير التجارة السابق د. عبدالمحسن المدعج احتجاجاً على تعاطي الحكومة مع هذا الملف، وذلك قبل أن تستفيق لاحقاً في المداولة الثانية، وتخرج القانون بشكل أفضل بعد أن كادت الحسابات السياسية تخربه.

لا شك في أن قرارات كإعادة تسعير الديزل أو خفض إنفاق الميزانية تعد قرارات جيدة على صعيد معالجة الوضع المالي للدولة، لكنها في المقابل لا تعدو عن كونها قرارات أولية تحتاج إلى العديد من القرارات اللاحقة التي توازي حجم الأزمة لدولة يتراجع سعر موردها الأساسي أكثر من 45 في المئة في 8 أشهر.

فالديزل يجب أن تتبعه إعادة لتسعير الكهرباء والماء وفقاً لأغراض تجارية كانت أم سكنية، إلى جانب إعادة النظر في أسعار الحيازات وأملاك الدولة، فضلاً عن وضع سقف للإنفاق العام لا يمكن تجاوزه، حتى ولو تطلب الأمر إصدار ميزانية واحدة لـ3 إلى 5 سنوات قادمة بأسس تحفظية.

التعاطي مع ملف تهديدات أسعار النفط على إيرادات الكويت أعمق بكثير من المتابعة اليومية لسعر برميل النفط الكويتي، بل باتخاذ إجراءات من شأنها تنويع فرص الاستثمار واستقطاب الأموال، والعمل على تسريع المشاريع، والأهم من ذلك ربطها بأهداف الاقتصاد في تنويع مصادر الدخل ومعالجة سوق العمل، فضلاً عن إعادة تبويب الميزانية لمصلحة الإنفاق الاستثماري على حساب نظيره الاستهلاكي.

معالجة الملفات الاقتصادية والمالية تتطلب قرارات حقيقية أكثر من تلك الهشة التي يقترحها مجلس الوزراء، كإيقاف الترقية، أو عدم التوسع في الهياكل الإدارية والتنظيمية، أو الهدر في اللجان والمهمات الخارجية، فضبط الإنفاق يتطلب اتخاذ قرارات جريئة في إعادة معالجة أوجه الدعم وتوجيهها إلى المستحقين لا المستثمرين، والعمل على ترشيد استهلاك السلع المكلفة كالكهرباء والبنزين، فضلاً عن اتخاذ قرارات عاجلة كضبط النفقات غير الضرورية، وترشيد الصرف، والعمل على وضع سقف للميزانية لا يمكن أن ترتفع فوقه، وأخرى متوسطة المدى تتعلق بالإسراع في تنويع سوق العمل وتنويع الاقتصاد، وإطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية، لا خطة تنمية فشلت الحكومة في إدارتها، فوضعت أخرى محدودة الطموحات.

والأهم أن تكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنوياً، بدل بيع الوهم على مدى 11 عاماً في الحديث عن التحول إلى مركز تجاري ومالي، بلا أي نتيجة حقيقية على الأرض.

فتقلبات أسعار النفط لدولة لا تعرف غيره مصدراً في إنفاقها الباهظ، تستوجب البدء بإجراءات فعلية على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة، لا مجرد توجيهات يعلم من يتابع الإجراءات الحكومية أنها تنتهي مع انتهاء اجتماع مجلس الوزراء، لذلك كان من المفترض أن يتم اتخاذ قرارات حقيقية لها أثر ملموس في الميزانية والإيرادات العامة.

ما تحتاج إليه الكويت هو أن يولي مجلس الوزراء الاقتصاد وتحدياته اهتماماً أكبر بكثير من الوضع الحالي، فلا يعقل أن يكون خطاب انخفاض أسعار النفط في 2015 هو ذاته خطاب الانخفاض في نهاية التسعينيات، فالشكوى من الاعتماد على النفط ومخاطره وضعف فرص الاستثمار واختلال سوق العمل، باتت مملة، فضلاً عن خطورة أن نكون في مهب ريح أسواق نفط قدرتنا على التحكم فيها محدودة، وإن توهمنا العكس.

back to top