حين نتغيَّر إرضاءً للشريك

نشر في 13-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 13-06-2015 | 00:01
No Image Caption
ثمة جانب مقلق في علاقة الحب. لا تقتصر صدمة الحب على المتعة والسعادة لأنها قد تتحول إلى مناسبة لطرح التساؤلات الوجودية. يحوّلنا الحب دوماً ويجعلنا نرى الحياة بطريقة مختلفة، لكن هل يجب أن نتغير بدافع الحب للطرف الآخر؟
يصرّ المحللون النفسيون على الهشاشة التي تصيبنا حين نقع في الحب ونقاط الضعف التي تظهر في بداية العلاقة. تضطرب {الأنا} فينا فجأةً بسبب الشخصية المدهشة وغير المتوقعة لدى الطرف الآخر. لذا قد نشعر بأننا خسرنا التوازن.

 في علاقة الحب، يصبح الشريك الغامض محور تفكيرنا. من الطبيعي أن يرتفع مستوى القلق في أي وضع مماثل: {هل هو متعلق بي؟ هل ستدوم العلاقة؟}... هكذا ندخل في المجهول وكأنّ كل لحظة تصبح غير متوقعة. لكن في بعض التجارب، قد يساعدنا الشريك على التغير نحو الأفضل. وإذا كنا نتمتع بالنضج الكافي، فلن نتغير في نهاية المطاف من أجل الشريك بل من أجلنا نحن.

تغيير السلوك

يرتفع عدد الرجال والنساء الذين لا يفهمون سبب فشل علاقاتهم. لكن سرعان ما يدركون، بفضل العلاج النفسي، أنهم ضحية مخططات وسلوكيات تدميرية متكررة.

بشكل عام، يسهل أن تتكرر العلاقات التي تحمل {مجازفات} كبرى منذ اللقاء الأول. إذا شعرنا بأننا نكرر المسار نفسه الذي تبعناه في علاقة الحب السابقة، يجب أن نهرب! في لاوعينا، نحن نخاف من التغيير ولهذا السبب تحديداً نشعر بالاطمئنان حين نقابل أشخاصاً مألوفين بالنسبة لنا. يحصل الأمر نفسه حين يذكّرنا هؤلاء الأشخاص بحب فاشل.

للخروج من دوامة التجارب الفاشلة في الحب، يجب أن نتقبّل في المقام الأول فكرة أننا ننجذب إلى تلك الخطة السلبية المتكررة. لكننا نميل أحياناً إلى التعلّق بظروف تسبب لنا الحزن والتعاسة. في هذه الحالة، قد نصرّ على أداء دور الضحية ونقنع نفسنا بأن الحب لا يناسبنا. مع ذلك، لا تفارقنا الرغبة في مقابلة الشخص المناسب يوماً... لتجاوز هذه الحالة، يجب استخلاص الدروس من التجارب الفاشلة وتخصيص الوقت اللازم لإعادة النظر بالوضع القائم.

يدعونا الحب {الحقيقي} إلى تغيير سلوكنا تجاه الآخر. يمكن أن نجرّب مقاربة مختلفة في علاقة الحب المقبلة. قبل وصف الذات والتعبير عن جميع رغباتنا أمام الشريك الجديد، يجب أن نعطيه المجال كي يتكلم أولاً ونراقب ما يحصل. إذا عبّرنا له عن توقعاتنا منذ البداية، سيعمل على تكوين الشخصية التي نتوقعها منه. هو سيبذل جهده كي يتماشى مع تطلعاتنا وستصبح أذواقه شبيهة بأذواقنا. لكن حين نتركه في الشك، فلن يجد خياراً آخر عدا أخذ المبادرة والتصرف على سجيّته. ننصح بتطبيق هذه الطريقة في المجالات التي تبدو لنا أساسية في العلاقة الثنائية. إذا عبّر عن نفسه بكل عفوية، يمكن التأكد من أنه صادق.

تجنب تغيير الآخر

في المرحلة اللاحقة، أي حين تترسّخ علاقة الحب ونشعر بأننا نسير على الطريق الصحيح وأننا وجدنا الشخص المناسب، نميل دوماً إلى التفكير بإمكان إحداث التغيرات لأن أياً من طرفَي العلاقة ليس كاملاً. تشمل شخصية الطرف الآخر بعض العيوب المقبولة نسبياً. لذا يبرز معياران جديدان في العلاقة: الرغبة في تغيير الذات لإرضاء الشريك بنسبة إضافية، والحاجة إلى تغييره كي يصبح أقرب إلى التوقعات التي ننتظرها منه.

لكن هل يحق لنا أن نطالب الآخر بتغيير نفسه؟ أو هل يمكن تغيير الشريك فعلاً؟ قد نظن عموماً أن الحب يكون كفيلاً بتصحيح عيوب الآخر. قد تظن المرأة التي تلاحظ نزعة العنف لدى الشريك منذ اللقاء الأول أنّ حبها سينجح في تغييره وقد تبرر له تصرفاته وتنسبها إلى طفولة صعبة وتقنع نفسها بأن علاقتهما ستشفيه!

لا شك في أن الاقتناع بقدرة الحب على تغيير الطرف الآخر يحمل آمالاً واعدة. لكنّ هذه التوقعات {الوردية} تتأثر عموماً بالقصص الخيالية في الروايات والسينما والتلفزيون. صحيح أن الأمل عامل ضروري، لكن لا يجب أن يخفي بعض الوقائع الواضحة. تشير إحصاءات الطلاق إلى صعوبة عيش حياة زوجية مُرضِية. نادراً ما تنجح مشاعر الحب في تغيير الشريك بطريقة دائمة. بل يحصل العكس في أغلب الأحيان: مع مرور الوقت، تؤثر شخصية الشريك على مسار الحب بين الطرفين.

الحب يحرك شيئاً فينا

عندما لا تندرج العلاقة في إطار الاضطرابات العصبية العميقة، من خلال محاولة نسيان الذات والانصهار مع الآخر، وعندما تتخذ شكل تبادل آمن بين الطرفين، ينشأ معنى وجودي مشترك. الحب يحرّك شيئاً فينا! هو يهدئ محاولاتنا الشاقة لتحديد هويتنا. هكذا ينشأ عالم جديد من شأنه أن يعطي الحياة منحىً مختلفاً. سنشعر بالدهشة حين نجد الراحة مع شخص غريب بالنسبة إلينا. كيف يمكن أن يترسخ هذا التناغم رغم نقاط الاختلاف؟ يجب الاستفادة من هذا الوضع تزامناً مع إدراك الاختلافات القائمة بين الطرفين على مستوى المواقف والقناعات. رغم الاختلاف، يمكن التقدم نحو الآخر وإنجاح العلاقة.

ترك الطرف الآخر على طبيعته

محاولة تغيير أي شخص رغماً عنه تعكس نوعاً من التلاعب، كذلك تنمّ عن قلة احترام تجاه الشريك. وحين يغيب الاحترام في العلاقة، لا يمكن التحدث عن الحب الصادق. يترافق الحب الحقيقي دوماً مع الاحترام. ويعني الاحترام السماح للشريك باختيار سلوكياته والتصرف بكل حرية وتقبّله على طبيعته.

لكن لا يعني ذلك تقبّل كل شيء من الشريك. إذا لم نحتمل تصرفاً معيناً، فيجب أن نرسم الحدود بنفسنا. ثمة فرق كبير بين رسم الحدود والرغبة في تغيير الآخر.

في الحالة الأولى، نحن نعبّر بكل وضوح عن حدود تحمّلنا للتصرفات. فنطلب من الشريك أن يتخذ قراراته بعد معرفة مختلف التفاصيل والأسباب. يجب أن يأخذ بنفسه مبادرة التغيير، ما يعزز دوافعه للتحرك. لكن في الحالة الثانية، نحن نحمل توقعاً خفياً ينعكس بفرض الضغوط على الآخر. بما أننا نتخذ القرارات بدلاً منه، تتراجع رغبته في التغيير وقد تصبح شبه معدومة. في هذه الحالة، هو يجازف بالتصدي لتلاعبنا به من خلال التعلّق بسلوكيات تزعجنا.

باختصار، مثلما نرفض التغير من أجل الآخر، يجب ألا يتغير الآخر من أجلنا. يعني الحب احترام الاختلاف بين الطرفين. في المقابل، تُعتبر الرغبة في التغير من أجل الذات وتحسين معنى الوجود تحدياً حقيقياً من نوع آخر!

back to top