وجهة نظر: الهلع والاسترخاء في زمن النفط

نشر في 11-02-2015
آخر تحديث 11-02-2015 | 00:01
 د. عباس المجرن من الواضح أن حركة أسعار النفط في المرحلة الحاضرة والمقبلة مرهونة بمتغيرات وتقديرات وتوقعات متضاربة، كثيرة ومتشعبة، ومن الصعوبة بمكان تحديد مساراتها، خاصة أن العديد من التقديرات والتقارير يتم ترويجها بغرض خدمة أهداف اقتصادية وسياسية معينة.  

فقط في غضون الأيام الثلاثة الأخيرة تابعنا متغيرات وتقارير متناقضة. «أوبك» رفعت توقعاتها لحجم الطلب على نفوط المنظمة في العام الجاري، وخفضت من تقديراتها لمعدل نمو الإمدادات من خارج «أوبك»، مرجعة ذلك إلى تباطؤ إنتاج النفط الصخري بأسرع مما كان متوقعاً. في المقابل، رجح مصرف سيتي بنك حدوث مزيد من التراجع في أسعار النفط وصولاً إلى القاع بنهاية الربع الأول من هذا العام، وتوقع انخفاض سعر خام القياس الأميركي إلى نطاق العشرين دولاراً. كما خفض من تقديراته لمتوسط سعر برنت في 2015 إلى 54 دولاراً للبرميل من 63 دولاراً.

في ذات الوقت تفاءل المنتجون بتوجه بنك الصين المركزي نحو سياسة التيسير الكمي، لكنهم صدموا بتراجع حجم الواردات الصينية بنحو 20 في المئة والصادرات بنحو 3.3 في المئة، ثم انخفاض معدل التضخم في الصين إلى أقل مستوى له في خمسة أعوام.

لكن المرجح في خضم كل هذه المتغيرات المتضاربة هو أن أسعار النفط متجهة نحو التماسك في الأمد القصير، فاستمرار المستويات الراهنة لأسعار الخام يعزز من فرص النمو الاقتصادي العالمي، ويحفز الطلب على النفط. كما أن حالة التذبذب الراهنة في أسواق الطاقة تشكل فرصاً مغرية للمضاربين والمستثمرين في سوق النفط، وهذا يصب أيضاً في مصلحة الاتجاه الإيجابي للأسعار. كما أن من المؤكد أن كميات من النفط الهامشي التقليدي وليس النفط الصخري فحسب ستضطر تدريجياً إلى الخروج من دائرة العرض.

لكن عوامل أخرى مختلفة تحكم مسار الأسعار في الأمد البعيد، وهي عوامل قد يفوق تأثيرها النمو الطبيعي المتوقع في الطلب على النفط، بسبب تزايد أعداد السكان وتطور المجتمعات الحضرية، وفي مقدمة تلك العوامل التطور التقني المحتمل في صناعة استخراج النفط الصخري، والتطور في كفاءة استهلاك الوقود، والتطور في تقنيات البدائل، والتحول التدريجي في هيكل الاقتصاديات المتقدمة والناشئة من الإنتاج السلعي إلى الإنتاج الخدمي والمعرفي، أي هيكل ذو كثافة طاقوية منخفضة. وليس أقل أهمية من كل ذلك الزيادة المتوقعة في إمدادات الخام من العراق وإيران وليبيا ونيجيريا وفنزويلا وغيرها عندما تتحسن أحوالها.

هذه العوامل تستحق اهتماماً استثنائياً من جانب متخذ القرار في البلدان المصدرة للنفط، وفي مقدمتها الكويت المعتمدة اعتماداً مفرطاً على النفط، فلا يميل إلى الاسترخاء حين يتحسن سعر البرميل، ويصاب بالهلع حين ينخفض، وفي الحالتين يفقد قدرته على اتخاذ القرار الصحيح والفعال.              

* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت

back to top