لمن يعود أبرز اكتشاف تكنولوجي حيوي في القرن؟

نشر في 23-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 23-04-2015 | 00:02
No Image Caption
في نوفمبر الماضي في وادي السليكون، حضرت العالمتان الحيويتان جنيفر دودنا وإمانويل شاربنتيه بثوبين مميزين لاستلام جائزة Breakthrough المميزة بقيمة 3 ملايين دولار التي يقدمها أثرياء الإنترنت أمثال مارك زوكربيرغ.
فازت هاتان العالمتان لأنهما طورتا CRISPR-Cas9 (كريسبر- كاس9)، {تكنولوجيا قوية وعامة} لتحرير الجينومات اعتُبرت أنها إنجاز كبير في عالم التكنولوجيا الحيوية.
مَن لم يتأنق في كل الأمسية كان فنغ زانغ، باحث في كامبردج في معهد Board التابع لجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ولكن في مطلع السنة الماضية، حصل زانغ على جائزته الخاصة. ففي أبريل، فاز ببراءة اختراع أميركية تمنحه هو ومركز أبحاثه سيطرة على كل الأوجه التجارية المهمة لاستخدام هذه التكنولوجيا.
ولكن كيف آلت جائزة كريسبر إلى عالمتين وبراءته إلى عالم مختلف؟ يمثل هذا السؤال اليوم محور مناظرة تدور حول مَن اخترع ماذا ومتى وتشمل ثلاث شركات ناشئة تتمتع بتمويل كبير، فضلاً عن نحو ست جامعات وآلاف الصفحات من الوثائق القانونية.
{تكنولوجي ريفيو} بحثت عن إجابة.
يوضح روجر نوفاك، مدير سابق في عالم الأدوية يتبوأ راهناً منصب المدير التنفيذي في CRISPR Therapeutics، شركة ناشئة في منطقة بازل بسويسرا أسستها شاربنتيه: {الملكية الفكرية في هذا المجال معقدة جداً، ببسيط العبارة. يدرك الجميع أن المطالب متضاربة}.

على المحك حقوق ابتكار قد يتضح أنه الأكثر أهمية في تقنيات الهندسة الوراثية منذ بداية التكنولوجيا الحيوية في سبعينيات القرن الماضي.

يسمح نظام كريسبر، المعروف بعملية «البحث والاستبدال» بالنسبة إلى الحمض النووي، للعلماء بعرض الجينات بسرعة وتغيير وظائفها باستبدال أحرف الحمض النووي. وخلال الأشهر الأخيرة، أظهر العلماء أن من الممكن استخدام كريسبر لتخليص الفئران من ضمور العضلات ولشفائها من مرض نادر في الكبد، ما جعل الخلايا البشرية محصنة ضد فيروس نقص المناعة البشري، وتعديل القردة جينياً. صحيح أن ما من دواء كريسبر في الوقت الراهن، ولكن إذا اتضح أن كريسبر بالأهمية التي يظنها العلماء، فقد يساوي التحكم في الأوجه التجارية لهذه التكنولوجيا الكامنة مليارات الدولارات.

حرب براءات الاختراع

يُعتبر التحكم في براءات الاختراع مهماً بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي جمعت معاً بسرعة أكثر من 80 مليون دولار لتحويل كريسبر إلى علاجات لأمراض بشعة. وتشمل هذه Editas Medicine و Intellia Therapeutics، وكلتاهما في كامبريدج بماساتشوستس. وقد تبدأ التجارب السريرية في أقل من ثلاث سنوات.

شارك زانغ في تأسيس Editas Medicine. وفي ديسمبر أعلنت هذه الشركة الناشئة أنها حصلت على إذن لاستخدام براءة اختراعه من معهد Board. لكن Editas Medicine لا تتمتع بالسيطرة الكاملة على كريسبر، لأن دودنا، عالمة أحياء بنوية في جامعة كاليفورنيا ببركلي، شاركت أيضاً في تأسيس Editas Medicin. ومنذ صدور براءة اختراع زانغ، انفصلت عن الشركة، وقد استحوذت على ملكيتها الفكرية (على شكل براءة اختراعها المعلقة) شركة Intellia المنافسة. وما زاد هذه المسألة تعقيداً بيع شاربنتيه حقوقها مع براءة الاختراع عينها إلى  CRISPR Therapeutics. وفي رسالة إلكترونية، ذكرت دودنا أنها قطعت كل علاقة لها بشركة Editas.

لا يقبل باحثون كثر بمناقشة حرب براءات الاختراع الدائرة هذه. لكن المختبرات الأكاديمية لا تنتظر هذه الادعاءات لتعمل على هذا الابتكار. فقد سارعت إلى تشكيل فرق هندسية كبيرة لتحسين تقنية تحرير الجينومات هذه وإتقانها.

يعود نظام تحرير الجينات الجديد والمميز هذا إلى البكتيريا، التي تستخدمه كطريقة لتحديد ومن ثم صوغ حمض الفيروسات الغازية النووي. دام هذا العمل نحو عقد. ومن ثم في يونيو 2012، نشر فريق صغير بقيادة دودنا وشاربنتيه تقريراً مهماً يُظهر كيفية تحويل الآلية الطبيعية إلى أداة تحرير {قابلة للبرمجة} تسمح للباحثين بقطع أي شريط حمض نووي، في أنبوب الاختبار على الأقل.

كانت الخطوة التالية واضحة. كان على العلماء أن يروا ما إذا كان سحر التحرير قد ينجح عند العمل على جينومات خلايا بشرية. في يناير 2013، كان مختبرا جورج تشيرش من هارفارد وزانغ من Broad أول مَن نشر تقارير تُظهر أن الجواب نعم. ونُشرت دودنا نتائجها الخاصة بعد بضعة أسابيع.

أدرك الجميع بحلول تلك الفترة أن كريسبر قد يتحول إلى طريقة بالغة المرونة لإعادة كتابة الحمض النووي، وربما معالجة أمراض جينية نادرة. لذلك بدأت مجموعات مستثمرة بسرعة في تجنيد كبار العلماء وراء كريسبر، تجميع براءات الاختراع، وتأسيس الشركات الناشئة. فدعمت شاربنتيه شركة CRISPR Therapeutics في أوروبا. أما دودنا، فكانت قد أسست شركة صغيرة Caribou Biosciences. ولكن في عام 2013، انضمت إلى زانغ وتشيرش كمؤسسة لشركة Editas. مع 43 مليون دولار من صناديق الاستثمار الرائدة Third Rock Ventures، Polaris Partners، و Flagship Ventures، بدت Editas الفريق الأكثر نجاحاً بين شركات تحرير الجينات الناشئة.

وفي شهر أبريل من هذه السنة، فاز زانغ ومعهد بورد بأول براءات الاختراعات الشاملة التي تغطي استخدام كريسبر في حقيقيات النوى أو أي جنس آخر تحتوي خلاياه نواة. وعنى ذلك أنهم فازوا بحقوق استعمال ريسبر في الفئران والبشر وكل كائن غير البكتيريا.

شكلت براءة الاختراع هذه صدمة للبعض. فقد دفع Board مبلغاً إضافياً لإعادة النظر فيها بسرعة، في أقل من ستة أشهر، وقليلون أدركوا ما كان سيحدث لاحقاً. فقد ترافقت براءة الاختراع مع أكثر من ألف صفحة من الوثائق. يوضح زانغ أن توقعات دودنا في طلبها الأول للحصول على براءة اختراع عن أن اكتشافها قد ينطبق على البشر شكل {مجرد  تخمين}، في حين كان هو أول مَن برهن ذلك في عمل تدخل منفصل و}مفاجئ}.

تطبيق على خلايا بشرية

أثارت وثائق براءة الاختراع الكثير من الريبة والقلق. تُظهر المنشورات الطبية أن عدداً من العلماء نجحوا في تطبيق كريسبر على خلايا بشرية. فسهولة إعادة إنتاجه في كائنات مختلفة تشكل علامة هذا الابتكار المميزة. ووفق شروط براءة الاختراع، يعني ذلك أنه بدا جلياً أن كريسبر سينجح في الخلايا البشرية، وأن ابتكار زانغ لا يستحق براءة اختراعه.

علاوة على ذلك، ثمة مصداقية علمية على المحك. فكيف يُظهر أنه كان {أول مَن ابتكر} استخدام كريسبر في الخلايا البشرية، قدّم زانغ صوراً من ملاحظات مخبرية يدعي أنها تكشف أنه وضع هذا النظام وبدأ بتطبيقه بحلول مطلع 2012، حتى قبل أن تنشر دودنا وشاربنتيه نتائجهما أو تتقدما بطلب براءة اختراع. لكن هذا الجدول الزمني يعني أنه توصل إلى نظام تحرير كريسبر-كاس بمفرده. وفي مقابلة معه، أكد زانغ أنه قام بهذه الاكتشافات وحده.

لكن كثيرين لم يقتنعوا بكلامه. تذكر شاربنتيه، وهي اليوم بروفسورة في مركز هلموتز لأبحاث الأخماج وكلية الطب في هانوفر بألمانيا: {كل ما يمكنني قوله إننا توصلنا إلى ذلك في مختبري مع جنيفر دودنا}.

من المتوقع أن يقدم محامو دودنا وشاربنتيه إجراءات قضائية في الولايات المتحدة: دعوى قضائية يحصل فيها الفائز على كل شيء ويستولي فيها مخترع واحد على براءة اختراع الآخر. لكن هوية الفائز تعتمد على العالم الذي يستطيع أن يقدم ملاحظات مخبرية، رسائل إلكترونية، ووثائق تعود إلى التاريخ الأقدم. تذكر شاربنتيه: {لي ملء الثقة بأن المستقبل سيوضح هذه المسألة. وأود أن أفكر أن نهاية هذه القصة ستكون سعيدة}.

back to top