منظور آخر: العمالة تئنّ وجعاً من الظلم!

نشر في 26-04-2015
آخر تحديث 26-04-2015 | 00:01
 أروى الوقيان يصحو راجو كل يوم في الموعد نفسه الخامسة فجراً، وينام في الثانية فجراً، مرّ 12 عاماً عليه ولم يشبع فيه نوماً، ورغم ذلك يتوجه إلى الوزارة التي يعمل بها مبتسما، ويقدم القهوة بابتسامة جميلة تزين محياه، ويتوافد الموظفون في الثامنة صباحا. ما زال مجهولا سبب وجود هذه العمالة مبكراً، يقدم القهوة لأكثر من أربعين موظفاً، هذا يتسامر معه، والأخرى تكلمه بحدة لأن القهوة بدون "وش" اليوم، وهو ما زال مبتسماً.

من المفارقات شكوى أحد الموظفين بأنه لم ينم سوى ست ساعات وسينفجر دماغه، ويصرخ على راجو قهوة بسرعة لا أطلع "حرتي فيك"، ما زال راجو مبتسما مقدما القهوة بسعادة جعلت الموظف يبتسم مرغما، يمتد عمله حتى الثانية ظهراً، يستريح ساعة ويبدل ملابسه ويتم إرساله إلى وجهة عمله الثانية في الجمعية التعاونية، على فكرة راتب راجو 60 ديناراً فقط، وتأخذ منه الشركة نظير عمله الإضافي في الجمعية دينارين يومياً، بمعنى أنه يعمل منذ الخامسة فجراً حتى الواحدة مساء بمعاش لا يذكر، ومطلوب منه دفع الضريبة للعمل الإضافي! معتمدا على "البخشيش" فقط لا غير، وهذا يعتمد على جود الزبائن وكرمهم، والتسعيرة تختلف، فالجمعية ذات الكثافة السكانية الأكبر تصل الضريبة إلى سبعة دنانير!

راجو المبتسم على الدوام أثارني حين نادى عليّ في الجمعية، قائلا أهلاً ماما! استدرجته كعادتي الصحافية ليحدثني عن طبيعة عمله، فقال إن أكثر ما يزعجه ساعات نومه تلك التي لا تزيد في أفضل الحالات على ثلاث ساعات، منذ 12 عاماً وهو لا ينام غيرها، وزار بنغلادش خلالها مرتين، لأنه لا يستطيع توفير تذكرة سفره، نعم هو من يقوم بدفع تذكرته، تتاجر به الشركة وتستفيد منه حتى تجفّ صحته، ويوما ما سيتمكن منه الغضب، خاتما حواره معي بأنه لولا ديونه لما جلس يوما واحداً زيادة في هذا البلد!

لم يتخل عن ابتسامة بعد ثوان، ماضيا في تعبئة الأكياس، زوّج إخوته الستة وما زال يعطي بدون مقابل لأهله، فهم يظنون أن الكويت منجم ذهب، وإذا أراد أن يخرج يوما في إجازة يخصم من معاشه، تخيل أن تعمل لسبعة أيام بالأسبوع وبمعدل نوم ثلاث ساعات لليوم الواحد، وبساعات عمل تصل إلى عشرين ساعة باليوم، ولا تملك حق الراحة والسعادة، لأنك مجبر أن تعمل حتى في الأعياد!

نقوم بالمشاركة في المؤتمرات التي تضمن حقوق الإنسان والعمل، في حين الاتجار بالبشر متفشّ بأبشع أنواعه وأشكاله في الكويت، على مرأى الحكومة، وأصحاب تلك الشركات من عائلات الكويت الكبيرة مع كل أسف، ولكن لم تتم محاسبتهم حتى اليوم؟

 أنا كمواطنة أجهل الأسباب، قبل أعوام قليلة حين كان معاش هذه العمالة 20 ديناراً خرجوا في مظاهرة وأضربوا عن العمل، حينها عرفنا قيمتهم، واليوم أقصى إنجاز قامت به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تلك المعنية بهذه العمالة هي رفع المبلغ إلى 60 ديناراً، أتمنى لو يتم تخفيض ساعات العمل ومخالفة كل شركة لا تمنحهم إجازة أو تأخذ منهم نقوداً في أعمالهم الإضافية، لتكتمل مفاهيم الإنسانية الحقة، يجب ألا ننسى هذه الفئة في بلد الإنسانية.

قفلة:

تلك العمالة على حافة بركان، وإن لم يتم احتواؤها فستنفجر، وجليب الشيوخ أكبر دليل على ذلك، حيث تتفشى فيها الدعارة بالإجبار من العمالة نفسها، وسوق مختص للبضائع المسروقة، فحين تسلب حياة شخص فتأكد أنه سيسلب حياة ضحية أخرى.

back to top