ما بعد أوباما

نشر في 05-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 05-12-2014 | 00:01
أبطأت الصفقة المؤقتة عناصر برنامج إيران النووي، غير أن طهران واصلت جهودها لتبديل ميزان القوى في الشرق الأوسط، وبغية وقف لعبة القوى الإقليمية الإيرانية، تستطيع أميركا إرغام الأمم المتحدة على فرض حصار على إيران قد يشمل اعتراض شحنات السلاح إلى العراق وسورية وغيرهما.
 جنيفر روبن ما من أمل أن يتوصل أوباما إلى حل أي من المشاكل الكثيرة التي تواجه العالم، وليس هناك افتراض بأن يطرح البيت الأبيض مبادرة جديدة، كما لا نشهد اهتماماً يُذكر بمسائل يُفترض أنها أولويات حالية، مثل الاستدارة نحو آسيا أو اتفاقات التجارة كالشراكة الاستثمارية التجارية عبر الأطلسي أو الشراكة عبر الهادئ، فلا أحد يولي، على ما يبدو، أهمية كبيرة للرئيس الأميركي أو يتوقع أن يقدِم على خطوة جديرة بالاهتمام خلال السنتين التاليتين.

بالإضافة إلى ذلك، لا نرى أي ترحيب بالعزلة الأميركية، إذ يكتب أوسلن: "يخفي هذا الغياب وراءه إحساساً واضحاً بالاستسلام من جانب كثيرين كانوا يعلقون قبل ذلك آمالاً كبيرة على أوباما، فيعكس الشعور العام السائد اليوم فكرة أنه حظي بفرصته، وأخفق، وسيحالفه الحظ إن أنهى ولايته من دون أي كارثة كبيرة".

من المؤسف أن هذا كان الشعور السائد منذ فترة في مجتمع السياسة الخارجية الأميركي وبين الحلفاء الدوليين على حد سواء، ففي شهر يونيو، كتب ديك وليز تشيني عن تجربتهما في الخارج، قائلين: "في رحلة إلى الشرق الأوسط هذا الربيع، سمعنا العبارات ذاتها في مختلف العواصم من الخليج العربي إلى إسرائيل: هل يمكنكما أن توضحا من فضلكما ماذا يفعل رئيسكما؟ لمَ ينسحب؟ لمَ يضحي بسهولة بمكاسب حققتموها في العراق بتعب وجهد؟ لمَ يتخلى عن أصدقائه؟ لمَ يعقد الصفقات مع الأعداء؟". في إحدى العواصم العربية، أخرج مسؤول بارز خارطة سورية والعراق، ورسم قوساً بإصبعه من محافظة الرقة في شمال سورية إلى محافظة الأنبار في غرب العراق، ثم قال: "سيسيطرون على هذه المنطقة، يبني تنظيم القاعدة ملاجئ آمنة ومعسكرات تدريب هناك، أفلا يأبه الأميركيون؟". لابد من تبديد غياب القيادة الأميركية، والذي ترتب عليه التزايد المتعمد في أعمال العنف في الشرق الأوسط، وتنامي العداء الروسي في أوروبا، واستعراض الصين عضلاتها في آسيا ببعض النظريات القديمة لليسار واليمين الانعزالي.

في الواقع، يعتقد حلفاؤنا أن الأمور السيئة تحدث عندما تنسحب الولايات المتحدة، وهم محقون. فلا تعود أي من المعضلات الحالية، سواء في إيران (تفاخرها الحالي بأنها جعلت الولايات المتحدة تركع) أو أوكرانيا أو آسيا، إلى حضور القوة الأميركية، ففي هذه الحالات الثلاث، اعتبر الأعداء أننا غير جادين، نفتقر إلى الالتزام، ونسعى جاهدين إلى تفادي الصراع حتى لو عنى ذلك المخاطرة بمصالحنا الحيوية الخاصة.

وتُعتبر المؤسسات المتعددة الأطراف عموماً غير مجدية (كما في الحرب الأهلية السورية) من دون القيادة الأميركية، فهي لا تأخذ المبادرة من تلقاء ذاتها، وإذا تُركت على هواها، تتخذ خطوات تعاكس مصالح الديمقراطيات الغربية.

وقد بعث تخفيضنا القدرة الدفاعية رسالة إلى القوى الأخرى مفادها أنها تستطيع منافستنا لتوسيع نفوذها في العالم، إننا ننفق مبالغ كبيرة لأننا نملك مصالح ومسؤوليات عالمية، وعندما نهمل القوة القاسية التي تدعم ديمقراطيتنا، نحد من قدرتنا على التأثير في الأحداث وتفادي المشاكل الكبيرة.

في الحقيقة، لا علاقة للاضطرابات في الشرق الأوسط بإسرائيل، باستثناء سعي إيران إلى تطوير أسلحة نووية بهدف تدمير الدولة اليهودية، لكن طموحات إيران في المنطقة وجهودها لتقويض الدول السنية كانت ستستمر بوجود إسرائيل أو من دونها. فضلاً عن ذلك، لا يأبه تنظيم "القاعدة" أو "داعش" أو غيرهما من المجموعات الإرهابية التي تعمل على زعزعة النظام الدولي بما إذا خرجت إسرائيل من الضفة الغربية أو لا. تريد هذه أن تؤسس الخلافة وأن تمحو كل الكفار، علماً أن كثيرين منهم من المسلمين.

كما كتب كليف ماي، أن حماس وداعش قد لا يشكلان "كياناً واحداً أو حتى حليفين علنيين"، إلا أنهما ملتزمان "بأسس الغزو والسيطرة، إذ يستهدف كلاهما غير المحاربين كوسيلة لتحقيق غاية، كما يعتنقان عقيدة تستند إلى التشدد والتعصب الدينيين، علماً أن ما يُدعى المجتمع الدولي يدعي أنه لا يرى أوجه الشبه هذه".

نتيجة لذلك، من الضروري أن ندرك بوضوح أن توطيد العلاقات مع إيران مستحيل، وعلى العكس يجب أن نسعى إلى تقويض النظام وتغييره في النهاية، وعلى الأمد القريب، علينا أن "نتنافس" بحدة أكبر مع إيرن، حسبما أشار تقرير الفريق الخاص الذي يرأسه مستشار أوباما السابق دينيس روس. وقد أشار ذلك التقرير إلى أنه صحيح أن عناصر برنامجها النووي تباطأت خلال الصفقة المؤقتة، غير أن طهران واصلت جهودها لتبديل ميزان القوى على الأرض في الشرق الأوسط، وبغية وقف لعبة القوى الإقليمية الإيرانية والتصدي لمفهوم التراجع الخطير هذا، تستطيع الولايات المتحدة أن ترغم الأمم المتحدة على فرض حصار على إيران قد يشمل اعتراض شحنات السلاح إلى العراق، وسورية (عبر العراق) وغيرهما.

كانت بحرية الولايات المتحدة مستعدة لفعل ذلك في مارس الماضي بالتصدي لسفينة تهرب السلاح الإيراني المصدر عبر البحر الأحمر، قبل أن تعمد البحرية الإسرائيلية إلى اعتقالها، وقد تناول القرار 1747 (2007) الملزم قانونياً والصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة موضوع إيران، مانعاً إياها من توزيع السلاح أو أي مواد متعلقة به، وبيعها، أو نقلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وبالتخفيف من مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من نفوذ إيران الإقليمي المتنامي، قد تؤدي هذه الخطوات إلى جبهة أكثر تماسكاً ضد إيران على طاولة المفاوضات، كما أنها قد تجعلهم أكثر ميلاً إلى قبول الصفقة النهائية، وبالتأكيد فإن الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى تدابير غير التفاوض، وقد تزيد هذه الخطوة قلق إيران بشأن كلفة الإخفاق الدبلوماسي.

وبينما يسعى الجمهوريون إلى صياغة سياسة خارجية بعد أوباما، فعليهم أن يتفادوا أخطاء أوباما الرئيسة، وعلى غرار حلفائنا الغربيين، يجب أن يتخطى الجمهوريون أوباما، إذ تقع على عاتقهم مهمة إعادة إرساء النفوذ الأميركي، استعادة القيادة وعدم اتباع الهيئات المتعددة الأطراف، ورفع الإنفاق الدفاعي مجدداً، وتجديد الالتزام باستئصال الإرهاب الإسلامي بكل أوجهه.

back to top