طفلكِ كثير الحركة؟ لا تهرعي إلى الطبيب!
يزداد عدد الأهالي الذين يهرعون إلى أطباء النفس وهم يحملون هذا التشخيص: {طفلي كثير الحركة!}. لكن نادراً ما تشير نزوات الصغار ونوبات غضبهم إلى إصابتهم بمرض معين.
• عن غير قصد
وفق الخبراء، لا وجود لطفل {صعب المراس} لأن هذه الفرضية تنفي أهمية بناء شخصية الطفل وتنكر الدور الذي يلعبه الأهل في تربية أولادهم!لا يكون أي طفل {صعب المراس} بطبيعته، بل إنه قد يواجه مشكلة في مجال محدد مثل المدرسة أو العائلة أو الرفاق... لا معنى لعبارة {صعب المراس} في جدول الاضطرابات النفسية، لكنها تشير إلى واقع ملموس يتعايش معه الأهل. نظراً إلى توسع هذه الظاهرة، حاول علماء النفس حصر المشكلة وتحديد معالمها. منذ عام 2004، تدير العالمة النفسية إيزابيل روسكام فريقاً من الباحثين في جامعة بلجيكية وتشارك في برنامج من الدراسات، وقد طرحت تفاصيل النتائج والاستنتاجات التي توصلت إليها في كتاب تربوي.توضح روسكام: {يرتكز عملي على أسئلة الأهالي الذين كلموني جميعاً عن أولادهم المشاكسين. وفق الوصف الذي يقدمه الأهل، تدخل السلوكيات المتكررة في خانة الاضطرابات الخارجية، بمعنى أنها تستهدف الخارج دوماً ويصعب أن يتحملها المحيط الخارجي. إنها حالة معاكسة للاضطرابات الداخلية حيث يوجه الفرد انزعاجه ضد نفسه وينغلق على ذاته ويغرق في الاكتئاب... لا يكلمني الأهل مطلقاً عن هذه الاضطرابات الداخلية لأنهم سيعتبرون أولادهم ضحايا في هذه الحالة. لكن في ما يخص الاضطرابات الخارجية، هم يعتبرون أن الطفل هو الذي يفرض سيطرته على الوضع، فيتذمرون منه لأنه يضرب ويتحرك طوال الوقت. وكأن الطفل يستطيع ردع نفسه! أبدأ بتبديد هذه القناعة وأشرح لهم أنّ الطفل لا يستطيع منع نفسه من التحرك بشكل مفرط}. يتذكر أحد الآباء يوم بدأت ابنته البالغة من العمر سبع سنوات تركض في جميع الاتجاهات حول المائدة خلال اجتماع عائلي فتعثرت وأوقعت كل شيء في طريقها. يقول ذلك الأب: {شعرتُ بخجل كبير أمام أشقائي وشقيقاتي. فصرختُ بقوة. لم أعد أحتمل تلك الفتاة الشقية. لكني أخفتُها كثيراً لدرجة أنها بدأت تهز جسمها بطريقة عصبية وتهمهم وهي تسدّ أذنيها. بعد بضع جلسات من العلاج النفسي، شرحت لي أنها تشعر بخوف شديد من الموت. شعرتُ بذنب كبير}.وفق الخبراء، يشير السلوك {الصعب} إلى وجود مشكلة يحاول الطفل إسقاطها على الآخرين. يعكس فرط الحركة غالباً الخوف من الموت. يحاول الطفل، من خلال تصرفاته، أن يثبت أنه حي، ربما لأنه ولد بعد طفل مات قبله أو لأنه شهد على حالات حداد في العائلة.• تغيّر النظرة إلى السلوكفي البداية، كان والد الطفلة الآنف ذكرها يظن أن ابنته مصابة بفرط الحركة: {تصفحتُ شبكة الإنترنت ووجدتُ اختبارات يمكن أن تشخّص اضطرابات نقص الانتباه مع أو من دون فرط الحركة. ثم حملُت التشخيص الذي توصلتُ إليه إلى الطبيب النفسي المتخصص بالأطفال ولكنه صحح استنتاجي فوراً!لم تكن ابنتي تعاني نقص الانتباه وفرط الحركة. خضعنا لعلاج نفسي عائلي، فهدأت الأجواء في المنزل بشكل ملحوظ}. لكل مرحلة اضطراباتها بحسب قول علماء النفس والمحللين النفسيين الذين سئموا من مقابلة آباء يطلقون أحكاماً خاطئة على أولادهم. هم لا يكفون عن ملء الاستمارات على الإنترنت وحمل استنتاجاتهم الخاطئة إلى أطباء النفس. لكن نادراً ما تَصْدُق توقعاتهم: ربما يواجه الطفل صعوبة في القراءة أو قد يكون مصاباً بمرض أخطر مثل التوحد.تغير مفهوم فرط الحركة على مر السنين، فقد كان يركز في مرحلة سابقة على عدم استقرار الأولاد ثم على ضعف التركيز وزيادة مشاعر القلق. بعد ذلك، توسع تعريف هذه الحالة وبات يدخل في خانة مصاعب التعلّم. ثم تغير منطق تفكير الأهل في مرحلة معينة، فباتوا يعتبرون أن ابنهم لا يتكيف مع صفه وأن المعلمة لا تفهمه، ما يعني أنه موهوب جداً! ثم برزت ظاهرة {عسر القراءة}.لكن سرعان ما سقطت هذه الفرضيات كلها. يقابل أطباء النفس اليوم أولاداً يصابون بنوبات غضب ويتحدّون سلطة أهلهم. في هذه الحالة، يجب أن يفرض الأهل شروطهم الخاصة وإلا سيستغل الطفل الوضع لجذب اهتمام المحيطين به. إذا اتفق الأبوان على ضرورة أن ينجح ابنهما في المدرسة، من دون انتقاد الأساتذة، سيخضع الطفل لهذه السلطة.• يحق لكِ فرض سلطتكِيحتاج الأولاد المشاكسون إلى من يرسم لهم الحدود، ويجب أن يشعر الأهل بصوابية ما يفعلونهم. لكنها عملية معقدة نظراً إلى مكانة الطفل بنظرهم. في العصور الماضية، كان الولد يحتل مكانة طفل العائلة، ولم يكن أحد يسأله عن رأيه بالمدرسة التي سيقصدها أو بساعة العشاء أو بنوعية طعامه. كانت الهرمية واضحة. لكنه بات يحتل مكانة مركزية اليوم. لم يعد الأهل يشعرون بسلطتهم على أولادهم، فلا يستطيعون اتخاذ القرارات من دون أخذ رأيهم وتبرير قرارهم. لكنّ بعض المبادئ، مثل الاحترام، لا تحتاج إلى أي تفسير. تبرز أيضاً مشكلة البيئة التي ينمو فيها الطفل. يرتفع عدد الأطفال العنيفين والعدائيين لأنهم يعيشون في محيط شائب: من دون أب أو أم، أو وسط فقر مدقع، أو في جو عنيف. إنه وضع مؤسف لأن الحل في هذه الحالة لا يكون نفسياً. وسط بيئة {صعبة}، يصعب أن يكون الطفل {سهل المعشر}!أنواع الاضطراباتالتململ الحركي: يتحرك الطفل بلا توقف ويُتعِب أهله كثيراً.الاعتراض، عصيان الأوامر، الاستفزاز: إنهم أولاد أذكياء وهم يرفضون ما يُطلَب منهم أو يثيرون غضب أهلهم عبر فعل كل ما هو ممنوع.العدائية الجسدية: مقابل كل ما يحصل، يتحرك الطفل بطريقة عنيفة فيضرب أو يهاجم الآخرين تلقائياً.الانفعال: هؤلاء الأولاد هم أشبه بـ{كوارث متنقلة}! لا يفكرون بتصرفاتهم ويرمون الأغراض وقد يعرّضون نفسهم للخطر من خلال عبور الشارع من دون انتباه.التقلبات المزاجية: تكثر نوبات البكاء والغضب والصراخ ويصعب كبحها.حلول مقترحةيوصي الخبراء بتحديد الأولويات والبدء بمعالجة السلوكيات {غير المقبولة بالمرة}. تسمح الألعاب وفترات القراءة وتطوير اللغة، بين عمر السنتين والسابعة، بتحفيز الطفل تزامناً مع تسليته ومحاورته والتفاوض معه بشكل سلمي. لمحاربة الانفعال المفرط، يمكن طرح الأسئلة التي تتطلب أجوبة مفصلة وواضحة بدل الاكتفاء بنعم أو لا.يسهم بعض الألعاب التي تنشّط الذاكرة والتركيز وتحرك الجسم في تعزيز القدرة على ضبط النفس وتحسين القدرات الحركية. يمكن تمرين الانتباه السمعي والبصري أيضاً عبر ألعاب مناسبة ويمكن متابعة هذه الألعاب بعد عمر السابعة لأنها ستفيدهم طوال حياتهم.