مريم فخر الدين ودّعتنا بعد تاريخ حافل

نشر في 04-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 04-11-2014 | 00:02
فقدت السينما المصرية برحيل الفنانة القديرة مريم فخر الدين إحدى أبرز نجمات زمن الفن الجميل التي قدمت أكثر من 250 عملاً في السينما والتلفزيون على مدار أكثر من 55 عاماً، وقفت فيها أمام الكاميرا بعدما بدأت مسيرتها الفنية وهي لم تكمل عامها السابع عشر.
قبل رحيلها، دخلت الفنانة مريم فخر الدين المستشفى يوم 6 أكتوبر الماضي إثر سقوطها في منزلها وإصابتها بجلطة في المخ، واكتشف الأطباء وجود تجمع دموي يحتاج إلى جراحة عاجلة.
وخضعت فخر الدين للعلاج على مدار أيام عدة، فوضعت تحت رعاية طبية فائقة ولكن الغيبوبة التي أصيبت بها جعلت الأطباء يتوقفون عن استكمال الجراحات الطبية التي كان يفترض أن تخضع لها، في حين حرص على زيارتها عدد من الفنانين من بينهم نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور والفنانة نادية لطفي.
وحصلت النقابة على موافقة قبل أيام من وفاتها بنقلها من مستشفى السلام إلى المعادي العسكري، باعتبار أن الأخيرة أفضل في التجهيزات الطبية، وهناك شهدت حالتها الطبية تحسناً بطيئاً خلال الأيام الماضية.
ولدت مريم فخر الدين في 8 يناير عام 1933. نشأت في أسرة مصرية- مجرية، فكان والدها رجلاً من أصول صعيدية ووالدتها كانت سيدة مجرية انتقلت للإقامة في القاهرة مع عائلتها في طفولتها حتى تزوجت.

عرفت مريم طريقها إلى السينما والشهرة عبر الصدفة، حينما تصدرت صورتها غلاف إحدى المجلات بعد فوزها بلقب ملكة جمال النادي في إحدى المسابقات آنذاك، عندما كانت رحلة البحث عن الفاتنات تبدأ من صفحات المجلات، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من المخرجين والمنتجين إلى التوجه إلى منزل أسرة مريم فخر الدين لترشيحها لأدوار سينمائية، من بينهم أنور وجدي. إلا أن والدها طرد الجميع بمجرد معرفته بسبب زيارتهم له.

عانت مريم من التشدد في تربيتها منذ كانت طفلة، خصوصاً من والدها، لدرجة أنه أدخلها القسم الداخلي في المدرسة الألمانية. إلا أنها لم تشعر بالتأقلم في البداية واعتبرت أن الهدف من دراستها هناك أن تتخلص أسرتها منها، لا سيما بعدما رُزقت والدتها بطفل جديد وهو شقيقها الأصغر يوسف الذي احترف التمثيل لاحقاً. لكن مع مرور الوقت وتمسك والدها بأن تدرس في المدرسة اضطرت إلى الانتظام بها حتى تخرجت فيها في النهاية، فيما كانت تمضي الإجازات السنوية مع عائلتها.

أدّت الصدفة دوراً مهماً في حياة فخر الدين بعدما حصلت على شهادة البكالوريا من المدرسة الألمانية، فقد كان والدها يرتبط بعلاقة صداقة مع المخرج أحمد بدرخان وكان دائم التردد على منزلهم حيث كان يتناقش مع والدها في أمور عدة لا علاقة لها بالفن. وفي إحدى المرات، عرض بدرخان عليه أن تقوم ابنته ببطولة فيلمه السينمائي الجديد {ليلة غرام}.

رفض الوالد في البداية اشتغال ابنته في التمثيل، لكن بدرخان طلب منه قراءة السيناريو أولاً قبل أن يوافق مشترطاً عدم ارتداء ابنته لباس البحر أو قيامها بمشاهد قبلات أمام الكاميرا. وهو ما وافق عليه بدرخان، خصوصاً أن الفيلم لم يتضمن أياً من هذه المشاهد، وظلّ يلح عليه لفترة طويلة حتى وافق على قراءة السيناريو ليحسم قراره.

أعجب والد مريم بالسيناريو، خصوصاً دور ابنته: فتاة فقيرة تعمل ممرضة لمساعدة الفقراء. وهو الدور الذي طالبها والدها أن تقدم أدواراً مشابهة له في السينما بعدما وجد تهافتاً على ابنته من المنتجين لتقديم أعمال سينمائية أخرى، لا سيما بعدما أشاد بدرخان بقدراتها التمثيلية رغم حداثة عمرها، إذ لم تكن قد أتمت عامها السابع عشر.

حاول والد مريم الحد من عمل ابنته في السينما فكان يبالغ في أجرها باعتباره مسؤولاً عنها وراح يوقّع العقود نيابة عنها. وخلال أحد لقاءاته مع المخرج عزالدين ذو الفقار، حاول إقناعه بأن يبقي على أجر ابنته 500 جنيه في ثلاثة أفلام، لكن والدها أصرّ على أن تحصل على ضعف المبلغ في الفيلم الثاني وثلاثة أضعاف في الفيلم الثالث.

في تلك الفترة، لم يكن المخرج الشهير مرتبطاً وهو ما دفعه إلى التقدم لخطبتها رغم أن الفارق العمري بينهما يتجاوز 23 عاماً، وعندما سألها والدها لم ترد الفتاة الصغيرة سواء بالسلب أو الإيجاب وتركت القرار لوالدها الذي وافق على الزيجة التي تمت في غضون أسابيع قليلة.

وفي حوارات لاحقة أجرتها فخر الدين، أكّدت أن ذو الفقار اختار الزواج منها احتكاراً لجهودها الفنية وتوفيراً للنفقات، خصوصاً أجرها {المبالغ فيه} الذي طلبه والدها. وفعلاً في أيام قليلة، أصبحت الممثلة الشابة زوجة المخرج الكبير الذي وجد في الزواج خير وسيلة لتحقيق نجاحه السينمائي معها.

الطريف أن مريم حرمت في أولى زيجاتها من ارتداء الثوب الأبيض كغيرها من بنات جنسها، إذ إن رغبة العروس لم تقابل بترحيب من العريس الذي وجد من العيب أن يجلس إلى جوار فتاة صغيرة في الفرح وقد سبق له الزواج، الأمر الذي دفع أسرتها إلى الموافقة على عقد القران في حضور العروسين فقط، لتنتقل الممثلة إلى الإقامه معه في منزله. ثم سافر العروسان إلى لبنان لتمضية شهر العسل.

كان الزواج بالنسبة إلى الفنانة الراحلة بمثابة الباب الذهبي للدخول في عالم التمثيل، خصوصاً أن موهبتها الفطرية وجمالها جعلا المنتجين يسندون إليها أدواراً مهمة في الأعمال السينمائية التي شهدت زيادة كبيرة في الخمسينيات والستينيات، فكانت أدوار الفتاة البريئة الطيبة من نصيبها باستمرار، خصوصاً مع براعتها في تقديم هذه النوعية من الأدوار في عشرات الأعمال، فكانت في كل مرة تقدّم شخصيتها بطريقة مختلفة.

إيمان

أنجبت مريم فخر الدين من زوجها ابنتهما الوحيدة إيمان واستمرت زواجهما ثماني سنوات تقريباً حتى انفصلا مطلع عام 1960 بسبب ما وصفته النجمة لاحقاً بمعاملته القاسية لها. حتى إنه كان يضربها. كذلك اعترفت في تصريحاتها أنه كان يسطو على أجرها دوماً، فيمنحها فقط مصروفاً فيما يأخذ هو كل ما كانت تتقاضاه من أجر عن أدوارها، الأمر الذي جعلها تشعر بالغضب بعد فترة، خصوصاً في ظل معاملته القاسية لها. وعندما طلبت منه الطلاق رفض، وأبقاها في عصمته.

لجأت مريم إلى حيلة لإجبار زوجها على تطليقها، فاستغلت سفره وجهَّزت شقة في العقار نفسه حيث تقيم، وذلك من أموال نجحت في اقتناصها من منتجين آخرين من دون علمه. ونقلت إقامتها بشكل مفاجئ، الأمر الذي أثار حفيظة زوجها. وعندما حاول الدخول إلى شقتها رفضت فتح الباب له، ما سبب له إحراجاً أمام سكان العقار، خصوصاً مع ارتفاع صوته، ليقرر بعد ذلك تطليقها.

كذلك وزّعت فخر الدين أثاث شقتها على العاملين في {استوديو مصر}، وهو الأثاث الذي تزوجت به لتحصل بعدها على ورقة طلاقها من دون رجعة، وتنقطع علاقاتها بالمخرج حتى وفاته، باستثناء زيارات قليلة لرؤية ابنتهما الوحيدة نادية.

قدمت مريم خلال زواجها من محمود ذو الفقار أهم أفلامها السينمائية، وهو {رد قلبي} مع المنتجة {آسيا}، حيث جسدت شخصية الأميرة إنجي التي تقع في حب علي ابن الجنايني (شكري سرحان).

الفيلم الذي عبّر عن نجاح ثورة 1952 بعدها بسنوات قليلة، تحمست له مريم وشاركت فيه بعدما وافقت على تخفيض أجرها إلى الثلث. ألف جنيه فقط، وهو الأجر الذي انفقته على شراء ملابس الأميرة إنجي وأضافت عليه مبلغ 500 جنيه من أموالها دفعتها لها لاحقاً المنتجة عندما علمت بأنها اشترت ملابس كثيرة جديدة.

لم تكن السينما المصرية قد عرفت مجال مصممي الأزياء آنذاك، فاعتمدت مريم فخر الدين على نفسها في شراء الفساتين التي عبّرت عن الثراء الفاحش لأسرتها قبل الثورة، فيما شكلت شخصية إنجي الفتاة الرومانسية نقطة تحول في مسيرتها الفنية.

تزوجت مريم فخر الدين للمرة الثانية من الدكتور محمد الطويل وأنجبت منه ابنها أحمد. لكن العلاقة لم تدم أكثر من أربع سنوات، لتتزوج بعدها بثلاث سنوات من الفنان اللبناني فهد بلان، وهو الزواج الذي لم يدم سوى أشهر، فقد تمّ بسرعة خلال تواجدها في بيروت عام 1968 لأجل تصوير بعض الأعمال الفنية. وكان شريف الفضالي آخر أزواجها وانفصلت عنه قبل أكثر من ثلاثة عقود.

الفنانة الراحلة كانت تؤكد دوماً أن أيا من أزواجها لم يحبها، وأن هذا الأمر هو السبب في انفصالها عنهم وعدم نجاحها في حياتها الزوجية، مؤكدة على أن السبب في تعدد زيجاتها كونها ارتبطت بمن اعتقدت أنها أحبتهم فيما لم يبادلوها الحب.

{الأيدي الناعمة}

أحد أعمال فخر الدين المميزة فيلم {الأيدي الناعمة} الذي شاركت فيه مع الفنان أحمد مظهر، وتطرق إلى قضية عمالة الأثرياء بعد ثورة 1952 والقضاء على الإقطاع. قدمت دوراً مميزاً تقاضت عنه أجراً ضعيفاً ضمن مجموعة الأفلام عن الثورة في تلك الفترة.

جسدت مريم شخصية الزوجة الطيبة التي تتعرض للظلم من زوجها، وذلك في أكثر من عمل أبرزها: {لا أنام} مع فاتن حمامة، و}أبو أحمد} مع فريد شوقي...  وهي حصدت عن دورها في {لا أنام} جائزة خاصة من وزارة الثقافة في مصر.

وجاءت إطلالات مريم السينمائية لاحقاً محصورة في دور الفتاة الطيبة الرقيقة التي تقع في حب الدنجوان أو تتعرض للخديعة. لكنها لم تقدم أدوار الفتاة الشريرة في أعمال لافتة، وساعدتها على ذلك ملامحها الهادئة وإعجاب المخرجين بأدائها الأدوار الملائكية والتي شكّلت علامة في سينما الأبيض والأسود.

كذلك خاضت مريم فخر الدين تجربة الإنتاج خلال تلك الفترة من خلال ثلاثة أعمال أبرزها {رنة خلخال}، فيما لم تكرر التجربة لاحقاً بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين التصوير وبين الإنتاج، إضافة إلى عدم إتقانها الحسابات المالية.

اعتزلت فخر الدين السينما مع نهاية السبعينيات تقريباً، خلال فترة شهدت مجموعة مختلفة من الأعمال بوجوه صاعدة، فيما تركزت أدوارها لاحقاً على الظهور الشرفي ضمن مجموعة مشاهد في أفلام عدة مثل {النوم في العسل}، و{يا تحب يا تقب}.

أما آخر ظهور لها في السينما فكان من خلال {كذلك في الزمالك}، حيث قدّمت دوراً شرفياً، فيما جاء اعتزالها مصحوباً بعدم وجود أدوار سينمائية تعرض عليها خلال السنوات الأخيرة رغم عدم معارضتها العودة إلى السينما.

أما إطلالاتها التلفزيونية فلم تكن كثيرة مقارنة بمشوارها السينمائي، لعل أبرزها دورها المميز في مسلسل {أوبرا عايدة} مع يحيى الفخراني، كذلك مسلسل {المرسى والبحار}. وفي الإذاعة، شاركت في مسلسلات درامية عدة كان آخرها عام 2010، وهي كانت تحرص على التواجد سنوياً بعمل إذاعي.

مريم... الشقيقة الكبرى

ساندت مريم فخر الدين شقيقها الأصغر الفنان الراحل يوسف فخر الدين في بداية مشواره السينمائي، خصوصاً أنه بدأ بعدها بسنوات عدة، وكانت هي حققت نجاحات كبيرة.

تصريحات مريم عن شقيقها كانت لافتة، إذ كانت تؤكد دائماً أنه لم يحب الفن على الإطلاق، وأنه امتهن التمثيل للتسلية فقط، وأن وفاة زوجته الأولى كانت السبب في زهده حتى وفاته في أثينا قبل أكثر من 20 عاماً.

مريم... الشقيقة الكبرى

ساندت مريم فخر الدين شقيقها الأصغر الفنان الراحل يوسف فخر الدين في بداية مشواره السينمائي، خصوصاً أنه بدأ بعدها بسنوات عدة، وكانت هي حققت نجاحات كبيرة.

تصريحات مريم عن شقيقها كانت لافتة، إذ كانت تؤكد دائماً أنه لم يحب الفن على الإطلاق، وأنه امتهن التمثيل للتسلية فقط، وأن وفاة زوجته الأولى كانت السبب في زهده حتى وفاته في أثينا قبل أكثر من 20 عاماً.

 تصريحات نارية

عرفت مريم فخر الدين بتصريحاتها المثيرة للجدل خلال إطلالتها في البرامج التلفزيونية المختلفة، لعل أبرزها رأيها في فاتن حمامة، فعلى الرغم من صلة النسب التي جمعت بينهما لزواج كل منهما من آل ذو الفقار، إضافة إلى مشاركتهما في أعمال فنية معاً، فإنها كانت ترفض وصفها بسيدة الشاشة العربية، منتقدة هذا الوصف الذي يقلل من قيمة فنانات جيلها ويعتبرهن جواري لها. وقد تسببت هذه التصريحات في غضب فاتن حمامة.

كذلك أثارت فخر الدين حالة من السجال بينها وبين أسرة الفنانة القديرة صباح عندما اتهمت الأخيرة بالزنا خلال برنامج تلفزيوني، فهددتها أسرة صباح بملاحقتها قضائياً. والراحلة كانت اتهمت نبيلة عبيد أيضاً، التي شاركتها أكثر من عمل إذاعي، بأنها كانت على علاقة بوزير الداخلية المصري الأسبق اللواء حبيب العادلي، المحبوس على ذمة قضايا فساد.

ولم يسلم المخرج يوسف شاهين من تصريحاتها، فهي أعتبرته أسوأ مخرج سينمائي، فيما انتقدت تمثيل منة شلبي. وتسبب حديثها عن الذكريات المرضية لعبد الحليم حافظ باستياء جمهور العندليب الأسمر، خصوصاً مع ذكرها مساوئ حالته الصحية.

كذلك طاولت تصريحاتها وانتقاداتها زميلتها هند رستم وأداءها. وهاجمت الجيل الجديد في السينما، مؤكدة أنه يفتقد إلى الكاريزما مع غياب المضمون الجيد عن الأعمال، خصوصاً مع الابتعاد عن الرومانسية والتركيز على أعمال البلطجة.

back to top