فرنسا تتحدى روسيا

نشر في 24-05-2015
آخر تحديث 24-05-2015 | 00:01
 ناشيونال ريفيو شهدنا في الآونة الأخيرة حبكة دولية مثيرة للاهتمام في أوروبا: روسيا الرجل الشرير والأهم من ذلك البطل فرنسا.

في مطلع السنة الماضية اجتاحت روسيا منطقة القرم وضمتها إلى أراضيها وأنشأت حركة انفصالية في شرق أوكرانيا، ومنذ ذلك الحين تدعم أولئك الانفصاليين مالياً، وتمدهم بالسلاح، وتقدم لهم الدعم أحياناً في القتال.

عندما بدأت روسيا تنتهك "أعراف القرن الحادي والعشرين"، ردّ الغرب بعقوبات مضادة للاعتداءات تذكّر بثلاثينيات القرن الماضي، وبينما كان الاتحاد الأوروبي يعمل على تحديد عقوباته، حرصت فرنسا على أن تستثني حاملتي مروحيات ميسترال كانت فرنسا تبنيهما، وسبق أن دفعت روسيا نحو مليار دولار من ثمنهما.

حُددت المهلة الأخيرة لتسليم حاملتَي المروحيات إلى روسيا في شهر سبتمبر الماضي، ومع اقتراب هذه المهلة من انتهائها عانت فرنسا تأنيب الضمير وأعلنت أنها لن تسلم روسيا هاتين السفينتين، إلا بعد إعلان وقف إطلاق النار والتقدم نحو التسوية السياسية في شرق أوكرانيا، وهكذا حلت مهلة شهر سبتمبر وانقضت، ورغم مطالبة روسيا لم تحرك فرنسا ساكناً، فأعطت روسيا فرنسا مهلة جديدة لتسليم حاملتي المروحيات: الأول من ديسمبر، ومرة أخرى حلت المهلة وانقضت.

قد تتساءل: "ما أهمية حاملتَي المروحيات هاتين؟". تملك روسيا أساساً حاملتي طائرات حقيقيتين، وهي تعمل على بناء ثالثة، لكن الجواب يتضح في تقييم سربه موقع ويكيليكس عن أسطول روسيا في البلطيق ووضعته شركة استخبارات تُدعى Stratfor.

على غرار أوكرانيا يضم كل من دول البلطيق الثلاث، لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، عدداً كبيراً ممن ينتمون إلى الإثنية الروسية، ويعتقد حلف شمال الأطلسي والكثير من الخبراء المتخصصين في الشؤون الجيو-سياسية في الولايات المتحدة وأوروبا أن بوتين يخطط، بعد أن يحذو شرق أوكرانيا حذو القرم وشمال جورجيا وينضم إلى الإمبراطورية الروسية الجديدة، للالتفاف نحو دول البلطيق، وفي تلك الفترة عينها تقريباً عبَرَ الجواسيس الروس إلى إستونيا، وخطفوا مسؤولاً استخباراتياً إستونياً، وألقوه في السجن.

وتحظى تهديدات روسيا لدول البلطيق بدعم أسطولها في البلطيق المتمركز في كالينينغراد، المعقل الروسي على ساحل البلطيق الواقع بين ليتوانيا وبولندا، وتشكل كالينينغراد محور استثمار عسكري جديد، ويجب أن نثني على الفرنسيين لأنهم يتحملون ضربة مالية كبيرة بغية القيام بالأمر الصائب.

بعد لعبة الحرب هذه أعلنت روسيا أنها أنهت بناء مجموعة رادار هائلة للإنذار المبكر تغطي، وفق وكالة سبوتنيك للأنباء التابعة للدولة، "كل أوروبا تقريباً والمحيط الأطلسي، تتمتع بمدى يبلغ 6 آلاف كيلومتر، ويمكنها تتبع ما يصل إلى 500 هدف في وقت واحد"، وأفادت موسكو أيضاً أن هذه المجموعة باتت جاهزة "للقتال الشامل" بحلول شهر ديسمبر، وفي شهر يناير أعلن رئيس هئية الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، أن 2015 سيكون عام "تعزيز القدرات القتالية لوحدات [الجيش الروسي] وزيادة القوة القتالية بما يتوافق مع خطط التنمية العسكرية. ولا شك أن منطقة كالينينغراد ستحظى باهتمام خاص".

إليك النقطة الأهم: تشير تحليلات Stratfor التي سربها موقع ويكيليكس إلى أن حاملتي الميسترال، إن أنضمتا إلى أسطول البلطيق الروسي "فستخفضان وقت نشر [القوات الروسية] في أي مكان في دول البلطيق من خمسة أيام إلى 24 ساعة".

إذاً، لا بد من أن نثني على موقف الفرنسيين لأنهم يتلقون ضربة مالية قوية للقيام بما هو صائب، فسيُضطرون بالتأكيد إلى إعادة الأموال إلى موسكو، ووفق صحيفة لوفيغارو، إن لم تستطع فرنسا العثور على بلد آخر قد يشتري هاتين السفينتين، فستُغرقهما لأن فرنسا ترفض إنفاق المزيد من المال لتعدل هاتين السفينتين لتتلاءما مع بحريتها الخاصة.

من اللافت للنظر أن روسيا، التي فقدت حاملتي مروحيات، والتي تجد نفسها عالقة، وفق صحيفة "موسكو تايمز"، مع "مجموعة خاصة من المروحيات الحربية من طراز Ka-52" المصممة خصوصاً "لتلائم هاتين السفينتين"، ردت على موقف فرنسا المتشدد بالتهدئة، فقد أعلنت أنها لن تطالب "بأي غرامات أو جزاء" نتيجة التراجع عن تسليم سفينتي الميسترال، حتى إن بوتين ذهب إلى حد القول إنه "يفترض أن القيادة الفرنسية الحالية والفرنسيين عموماً أناس طيبون وأنهم سيعيدون مالنا".

فمن المحزن بالتأكيد أن نصل إلى يوم تتلقى فيه الولايات المتحدة دروس الشجاعة من فرنسا.

* جوش غيليرنتر

back to top