«طيب فلنكن متطرفين»
التطرف اصطلاحاً هو الخروج عن المفاهيم والأعراف والتقاليد والسلوكيات العامة، فهناك من كانت مفاهيمه مبعثرة وتقاليده هادمة لكنه سار باتجاه فكر إصلاحي جديد على مجتمعه استطاع من خلاله أن يقوم بطفرة نوعية في إقليمه، وأيضاً هناك من هو عكس ذلك تماماً فاستغل قيم دينه من السماح والمحبة والإخاء ليتطرف من أجل قيم الدم وقطع الرؤوس والرقاب، ونشر تطرفه العقيم ليوهم الناس أنه طريق جنات الخلد، وفي الحالتين السابقتين طريقان لا يتوازيان؛ الأول للازدهار والآخر للدمار.تحدث أوباما في خطابه الذي أعلن فيه الحرب على "داعش" بفخر عن بلاده التي دافعت، على حد قوله، وما زالت تدافع عن قيم ومبادئ كالحرية والعدالة الاجتماعية وحق التعبير حول العالم أجمع، ودفعت ثمن ذلك معونات اقتصادية أو دم أبنائها.وسواء نختلف أو نتفق مع أوباما فيحق له أن يفخر ببلاده، فهي أعظم دولة في العالم حالياً، وهي من يقود العالم اليوم من أوروبا إلى آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، ونحن نتمنى أن نصل إلى ما وصلت إليه، وكل أمة تتمنى أن تكون عظيمة، وهذا أمر طبيعي، وما قاله أوباما بحق بلاده في خطاب إعلان الاستراتيجية لضرب "داعش" وعشية الذكرى ١٣ لأحداث ١١ سبتمبر يقودنا لوضع مقارنة غير متوازنة بين فخر أوباما أو "تطرفه" لقيم بلاده، وبين تطرف "داعش" بدينه الذي من المفترض أن يكون الإسلام! فتطرف الأميركيين كمجتمع تطرفٌ أيديولوجي يدفعهم إلى رفع سلاح فتاك كسلاح العلم، فالشركات الأميركية أصبحت اليوم لا تظاهى وحجم التقدم التكنولوجي لن تجد له مثيلاً في أي مكان آخر حول العالم، وهم هنا منحازون أو "متطرفون" من أجل رفعة شأنهم كأمة حول العالم، ويتسارعون للدفاع عن مصالحهم أينما وجدت وبأي وسيلة كانت، فعلى الرغم من تعددهم واختلاف أعراقهم فإنهم مجتمع يحتذى به حول العالم، وإجماع الحزبين هناك على ضرورة ضرب "داعش" للقضاء على الإرهاب خير دليل على تطرفهم من أجل القيم التي رسخت بهم، في حين تطرف "داعش" أو الدولة الإسلامية المزعومة الذي يطرح أسئلة كثيرة: منها هل يعقل أنهم بشر؟! وهل يعقل أن هؤلاء يعتقدون أن خير المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قدوتهم؟! وأنا أشاهد أعمالهم البربرية وأنظر إلى طريقة قتلهم البشعة للناس أتذكر ما قيل عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي فبكى، وعندما سُئل عن سبب بكائه قال نفسٌ فلتت مني إلى النار. "داعش" جميعنا نعلم أنه كان موجوداً بيننا وقريباً منا منذ سنوات طويلة، لكنه لم يجد فرصة كهذه للظهور، فقتل الأبرياء لاختلافهم معي بأي أنواع الاختلاف سواء الديني أو المذهبي أو حتى الفكري أعتقد أنها المرحلة الأخيرة التي يصلها الإسلاميون الذين لا يؤمنون بالرأي والرأي الآخر، وهم كثر بيننا اليوم، فتطرف من هذا النوع دائما نهايته "داعش".الإسلام هو دين السلام والرحمة والمغفرة، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال لكفار قريش بعد فتح مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء، فالأمم المتحدة تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لتدعو للسلام، والإسلام نزل على البشر قبل أكثر من١٤٣٠ سنة بقيم الرحمة والسلام، ونحن نبدأ حديثنا بالسلام ونودع بعضنا بالسلام فما المانع أن "نتطرف" وننحاز إلى قيم الإسلام؟ وما المانع أن نرتكز على قيم حضارية كالاعتراف بالرأي الآخر والتعددية؟ فهي لا تتنافى مع الإسلام لكنها تتنافى مع الأسف مع بعض الإسلاميين أو المتأسلمين، بمعنى أدق الذين أعلم علم اليقين أنهم حتماً سيكونون "داعش" من نوع آخر في المستقبل القريب.الزبدة:أنا أعتقد أن الخطر الأكبر من "داعش" اليوم هم المتشددون الذين لم يصلوا بعد إلى مرحلة تشدد "داعش" ولكنهم بالطريق إلى ذلك، فهؤلاء قنبلة أخرى موقوتة بيننا ستنفجر حتماً بفعل بعض دعاة الفسق، وبعض الأنظمة العربية التي سمحت لهؤلاء بصعود المنابر وصياغة المناهج للطلبة، وترسيخ ثقافة الرأي الوحيد في أذهانهم، فمتى ما تخلصنا من هذا الجانب المظلم من التطرف فإنني على يقين أننا سنكون على موعد مع الجانب المشرق من التطرف المنشود الذي سيجعل بلداننا من أكثر بلدان العالم تطوراً وحضارة.