عنوان الحقيقة
"الحكم عنوان الحقيقة" شعار يرفعه الكثيرون ويتبناه البعض، ويدافع عنه آخرون على الرغم من أنه يضفي سياجا من التنزيه والقدسية حول حكم بشري يخطئ ويصيب، إلا أنهم يستميتون في الدفاع عنه، ويضيفون إليها عبارة أكثر غرابة "لا تعليق على أحكام القضاء".كما ذكرت وبعيدا عن التنزيه الذي توفره العبارتان، والذي لا يتحقق إلا للمعصوم محمد- صلى الله عليه وسلم: "وما ينطق عن الهوى"، هل لنا أن نتساءل: هل تنقص العبارة كلمة ما كأن نقول مثلا لا تعليق (قضائي) على الأحكام؟ قد يكون هذا مقبولا ألا يعلق قاض على حكم قاض زميل أو ينتقده، ولكن كيف يحرم ويجرم تعليق المواطن تعليقا سياسيا واجتماعيا على حكم يصيبه أو يصيب مجتمعه بالضرر (أو النفع)، أليس غريبا وعجيبا أن يصر البعض على هذه المقولة؟كيف له أن يصمت على حكم يرى أنه يصيب مجتمعه بالانهيار والانقسام؟ إن هذا أشبه بالمريض الذي يُطلب منه ألا يشكو خطأ التشخيص وعدم نجاح الدواء؟ فهل نطلب منه ألا يتحدث ويخبر الطبيب أن علاجه لم ينجح؟ وأنه مازال مريضا؟ أم يقول للطبيب، كذباً، إن علاجك ناجح وفعّال؟ وكيف يمكن للمواطن ألا يعلق على براءة رئيس أفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية طوال 30 عاما؟ وهل المطلوب أن يصفق لهذا الحكم ويهلل ولا يعلق؟ وهل يقف صامتا أمام أحكام يرى أنها تقسم المجتمع وتزرع بذور الحرب الأهلية؟ وهل يفرح بها ويصفق لها؟"الحكم عنوان الحقيقة" لم توضح العبارة "التي يقدسونها" أي حكم؟ هل هو الحكم في بداية نظر القضية؟ أم بعد الاستئناف والنقض؟ وأي حقيقة تلك التي تتراوح بين الإدانة والأشغال الشاقة والبراءة؟ وهل يجوز أن تترنح الحقيقة في محراب العدل يمينا ويسارا؟ وكيف تتباين الحقيقة بين الإعدام والبراءة وكلاهما حكم؟ وكلاهما يجرم التعليق عليه؟ ولنفترض أن حكما صدر بالبراءة واعتبر حقيقة، وتم التعامل معه "شخصيا ومجتمعيا" على ذلك، ثم تمت الإدانة فيما بعد وصارت حقيقة، وتحولت الحقيقة الأولى إلى كذبة، ويطلب من الجميع تصديق الحقيقة الجديدة وتكذيب الحقيقة القديمة!! عذراً فالحقائق لا تتبدل ولا تُكذب.للقضاء احترامه ولرجاله مكانتهم الشخصية والاجتماعية، ولكن التعليق– سياسياً واجتماعياً– على أحكامه يجب أن يكون مقبولا، وليس مقبولا فقط بل مطلوبا أيضاً، فلا قدسية لأحد ولا تنزيه لأحد ولا عصمة لمخلوق.