لحظة قرار بشأن مصر

نشر في 21-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 21-01-2015 | 00:01
على مدى العقود الثلاثة الماضية قدمت واشنطن لمصر أكثر من 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وهو برنامج يشكل اليوم 80 في المئة من ميزانية المشتريات العسكرية الإجمالية السنوية في البلاد، إذ تتلقى القاهرة 1.3 مليار دولار كل عام في إطار برنامج التمويل العسكري الخارجي.
 ديفيد شينكر رغم أن مصر تشكل طرفاً استراتيجياً مهماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة- بمنحها أولوية المرور في قناة السويس إلى السفن الحربية الأميركية وحقّ التحليق غير المقيد للطائرات القوات المسلحة الأميركية- فإن الحكومة الجديدة بقيادة القائد العسكري السابق عبدالفتاح السيسي تمارس نهجاً بالغا في التشدّد، ووفقاً لذلك فإن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مترددة في استئناف إرسال المساعدات العسكرية والاقتصادية بشكل كامل إلى مصر، وهي البلاد التي تحصل على المساعدات الأميركية منذ وقت طويل، وإذا لم تقدم واشنطن هذه المساعدات في غضون الأسابيع المقبلة، فسينتهي برنامج التمويل العسكري الخارجي المخصص لمصر، الذي كان ثابتاً منذ التوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، مما سيلحق الضرر بالعلاقة الثنائية بين القاهرة وواشنطن، التي هي هشة بالفعل.

الخلفية

على مدى العقود الثلاثة الماضية قدمت واشنطن لمصر أكثر من 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وهو برنامج يشكل اليوم 80 في المئة من ميزانية المشتريات العسكرية الإجمالية السنوية في البلاد، إذ تتلقى القاهرة 1.3 مليار دولار كل عام في إطار برنامج التمويل العسكري الخارجي الذي يسمح لها بشراء معدات عسكرية أميركية الصنع والحصول على المساعدة التقنية بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، إضافة إلى مبلغ 250 مليون دولار للدعم الاقتصادي السنوي.

ومع أنها ليست أموال "مخصصة" بحد ذاتها، إلا أن المساعدات الأميركية قد دعمت السلام ما بين إسرائيل ومصر منذ عام 1981، وتراجع التمويل بشكل كبير بالنسبة إلى مصر على مر السنين: ففي أوائل الثمانينيات، كانت المساعدات تعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ولكن هذه النسبة تصل اليوم إلى أقل من 1%.

على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت مصر تحارب التمرد المتنامي في سيناء، ويأتي هذا العصيان- الذي أسفر عن مقتل أكثر من 500 من عناصر الجيش والأمن حتى يومنا هذا- تحت زعامة جماعة "أنصار بيت المقدس" التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة الجماعات الإرهابية، والتي أعلنت مؤخراً ولاءها لـ"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام". والأسوأ من ذلك أن العنف أخذ يتكاثر داخل وادي النيل كما يتبين من أحدث سلسلة من الهجمات التي أودت بحياة ستة من ضباط الشرطة في القاهرة.

وعلى الرغم من هذا التهديد، أدى امتناع الكونغرس الأميركي عن إعطاء موافقته العام الماضي إلى تأخير كبير في عملية تسليم عشر طائرات هليكوبتر هجومية من طراز "أباتشي" لاستخدامها في مكافحة التمرد في مصر، وفي الوقت نفسه تواصل الإدارة الأميركية تأخير تسليم المشتريات السابقة من مجموعة دبابات (أم 1 أبرامز 1) "M1A1"، وطائرات "إف 16" المقاتلة، وصواريخ "هاربون".

شروط الكونغرس

في إطار تخوفه من الإطاحة بالحكومة المنتخبة السابقة في مصر شرع الكونغرس الأميركي إلى فرض شروط في الميزانية المالية لعام 2014 للحد من صرف الأموال، ومن أجل تسليم النصف الأول من التمويل المالي لعام 2014، تعيّن على الإدارة الأميركية التأكيد على أن مصر تحافظ على العلاقة الاستراتيجية وتوفي بالتزاماتها التي تنص عليها معاهدة السلام مع إسرائيل.

وفي حين أن ميزانية السنة المالية 2015 التي أقرت في ديسمبر أضافت تنازلاً عاماً يخص الأمن القومي إلى التنازل المتعلق بمخصصات سيناء- ما لم يكن موجوداً في التشريع الخاص بالعام المالي 2014- إلا أن هذا التنازل كان أكثر تقييداً بطرق أخرى، فهو يفرض على وزير الخارجية، من بين أمور أخرى، التأكيد على أن الانتخابات البرلمانية كانت حرة ونزيهة، وأن مصر كانت تنفذ إصلاحات لحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وكانت توفر الإجراءات القانونية الواجبة للمعتقلين وتطلق سراح السجناء السياسيين الأميركيين. وفي الوقت الحاضر لم تحقق القاهرة أياً من هذه الشروط، ولم يتم بعد تخصيص الأموال التي تُقدم عادة إلى مصر للسنة المالية 2015.

الوضع الحالي

تقليدياً، كان يتم إيداع التمويل العسكري الأميركي لمصر في بداية العام في حساب بفائدة في "البنك الاحتياطي الفدرالي" في نيويورك، لكن، منذ عام 2011، تم تسليم الأموال بشكل متقطع على دفعات وبعد الحصول على موافقة الإدارة الأميركية، وفي إبريل 2014 صادقت الإدارة الأميركية على أن مصر قد أوفت بالتزاماتها تجاه واشنطن وإسرائيل، وأودعت الدفعة الأولى التي تبلغ 572 مليون دولار أميركي (نصف مبلغ 1.3 مليار دولار ناقص تكلفة "الأباتشي"). وتسحب مصر من هذه الحسابات باطراد إلى درجة أنه من المرجح أن يتم استنفاد كلّ من الحساب بالفائدة وحساب احتياطات الإدارة في "البنك الاحتياطي الفدرالي" في خلال الأسابيع المقبلة.

من المرجح أن يصدر أي تنازل من الإدارة الأميركية عن طريق رسالة موجهة من وزارة الخارجية إلى الكونغرس، وأن تتبعها جلسات إحاطة لكبار المشرّعين، وأبرزهم السيناتور باتريك ليهي (ديمقراطي من ولاية فيرمونت)، وهو عضو في "لجنة المخصصات" التي امتنعت عن الموافقة على تسليم طائرات "الأباتشي" في العام الماضي خوفاً من وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر.

وقبل أسبوع من العنف الإرهابي الذي شهدته باريس، أصدر الرئيس السيسي بياناً يدعو فيه إلى الإصلاح في الإسلام، ممّا أدّى إلى توليد بعض ردود الفعل الإيجابية النادرة في واشنطن، كما كان للزيارة التصالحية التي قام بها ليلة عيد الميلاد إلى الكنيسة القبطية تأثير مماثل، ولكن للأسف، فإن الغالبية العظمى من العناوين البارزة الأخيرة ليست مشجعة لهذا الحد، ففي مصر ثاني أكبر عدد من الصحافيين السجناء في العالم، وفقاً لمنظمة "صحافيون بلا حدود". وفي الوقت نفسه أعلنت القاهرة أنه لن يُسمح لأي منظمة غربية بمراقبة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في ربيع 2015.

يطرح سلوك القاهرة إشكالية بالسنبة الى الولايات المتحدة، وربما يأتي بنتائج عكسية بالنسبة إلى استقرار الدولة على المدى الطويل، كما أن الكثيرين في واشنطن قد يفضلون حجب التمويل العسكري كوسيلة ضغط من أجل إدخال تحسينات في مجال احترام حقوق الإنسان، إلا أن إيقاف المساعدات الأميركية بشكل كامل، خصوصا في خضم التمرد الذي تشهده سيناء، لن يحسّن من تصرف القاهرة ولن يعزز العلاقة المصرية الأميركية المشحونة بالفعل. وفي الواقع، تشير السابقات إلى أن حجب المساعدات سيؤدي إلى تعظيم أسوأ ميول الحكومة المصرية، وليس جعلها معتدلة، فعلى سبيل المثال بين أكتوبر 2013 وديسمبر 2014، عندما كان التمويل الأميركي رهناً بالتقدم الديمقراطي، أقرت القاهرة قانوناً جديداً شديد القسوة لمكافحة الاحتجاجات، وطبّقت قانوناً أكثر تقييداً للمنظمات غير الحكومية، وشهدت فوز عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 97% من التصويت الشعبي.

ولا بد من الإشارة إلى أنه عندما تم في ابريل 2014 أخيراً رفع تعليق عملية تسليم طائرات "الأباتشي" الذي استمر لمدى أشهر، كان التذمر في الكونغرس الأميركي شبه معدوم، وتم تسليم طائرات الهليكوبتر من دون ضجة أو احتجاج في ديسمبر.

back to top