لا نتائج مأمولة من عملية سلام يقودها أردوغان

نشر في 27-12-2014
آخر تحديث 27-12-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر أعادت الحكومة التركية اتهاماتها للغرب وأميركا باستغلالهما تطورات الأزمة السورية لتشكيل كيان كردي (آخر) هناك يهدد المصالح التركية، وأضاف المسؤولون الترك أن التخوف التركي ليس من وجود هذا الكيان بحد ذاته، بقدر ما هو تخوف من استغلاله لضرب الأمن القومي التركي.

وكما تشير هذه التصريحات إلى عدم ثقة تركيا بالغرب وأجنداته، فهي تشير من زاوية أخرى إلى عدم جدية تركيا في التوصل إلى نتائج ملموسة في عملية السلام التي بدأت منذ سنوات مع حزب العمال الكردستاني التركي، وتكشف معها حقيقة الموقف التركي حيال الكيانات الكردية الأخرى خارج حدودها بغض النظر عن نوعيته، فكلمة "آخر" توضح أن الانفتاح التركي حتى مع إقليم كردستان العراق ينبع من مبدأ الأمر الواقع الذي لابد من التعامل معه وإن على مضض.

إن المماطلة التركية في التوصل إلى عملية سلام شامل تشير إلى عدم جدية حكومة أردوغان تجاهها، لاسيما أن الطرف الكردي قد نفذ ما عليه من استحقاقات، في حين لايزال الطرف التركي يماطل في الاستحقاقات التي عليه، وما توجُّه تركيا الأخير إلى إبقاء المفاوضات بعيدة عن الإعلام إلا محاولة للتهرب من أية ضغوط محتملة وإبقاء عملية السلام في حالة مد وجزر بين دهاليز سجن أميرالي وكواليس المؤسسات الحكومية في أنقرة دون أن تثمر نتائج ملموسة.

وكما تعودنا من شعوب المنطقة وحكوماتها... فإن أردوغان، وحكومته أيضاً، يحاولان إلقاء نتائج توجهاتهما السلبية سياسياً على شماعة الآخرين باتهام الغرب وأميركا باستغلال الملف الكردي- السوري لضرب المصالح التركية في المنطقة، رغم أن الأطراف السياسية الكردية السورية لا تخرج عن فئتين، الأولى تعتبر امتداداً لحزب العمال الكردستاني التركي ممثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يترأسه السيد صالح مسلم، والفئة الأخرى تعتبر أحزاباً مستنسخة من الأحزاب الفاعلة في حكومة إقليم كردستان العراق، ولها علاقات متميزة معها. ولو توجهت تركيا نحو سلام حقيقي شامل مع حزب العمال الكردستاني لضمنت جاراً كردياً جديداً لها خارج حدودها يمكنه العمل مع كل أحزابها على أساس المصالح المشتركة، تماماً كما هو الحال مع حكومة إقليم كردستان العراق، بدلاً من البقاء في هاجس إمكانية استغلال الغرب لهذا الملف ضد مصالحها.

لا يمكن تصور أن تركيا غافلة عن إمكانية التحرك الإيجابي السالف الذكر، وهي مدركة أن مفاتيح القرار لا تزال في يدها بما يخص هذا الملف، غير أن المفاهيم السياسية التي يؤمن بها أردوغان والطموح العثماني في مخيلته يمنعانه من الانفتاح على الآخر إلا بقدر ما يمنحه هذا الآخر قدرة الاستحواذ على السلطة بشكل أكبر كما حدث سابقاً في تحالفه مع غولان، الذي وصل بواسطته إلى منصب رئاسة الوزراء وأقصى من خلاله القادة العسكريين الذين كانوا يشكلون مصدر أرق له ولحزبه، وبعد أن استتب الأمر له، انقلب عليه وأودع جل مناصريه ومؤيديه السجون والمعتقلات.

وبنفس الوتيرة لعب أردوغان على ملف السلام مع حزب العمال الكردستاني بالقدر الذي ساعده على تمرير أجنداته الشخصية، فالبدء بعملية السلام مع الكرد مكنه من إنهاء حالة الحرب التي كانت تعم المنطقة الكردية جنوب تركيا، وأنهى العمليات العسكرية التي كان يقوم بها مسلحو حزب العمال الكردستاني، مما أنعش الاقتصاد التركي وأكسبه شعبية واسعة في الشارع التركي استطاع من خلالها الفوز في انتخابات متعاقبة في جو أمني مستقر، أوصلته إلى رئاسة الوزراء ثم إلى رئاسة الجمهورية.

لا يختلف اثنان على أن شخصية أردوغان الحالم بإعادة أمجاد الدولة العثمانية والتحول إلى زعيم تاريخي لتركيا ثم الوصول إلى الرمزية القيادية فيها لا يمكنها تقبُّل شخصية سياسية أخرى مرادفة له تنافسه هذا التوجه بين قطاعات واسعة في الشارع التركي؛ فشخصية عبدالله أوجلان وطموحه لا يختلفان كثيراً عن خصمه السياسي أردوغان، وإن كانت بقوالب سياسية يسارية تقترب من الفكر الماركسي، لهذا فإن وجود نموذجين كهذين في عملية سلام مشتركة يصعِّب كثيراً التفكير في احتمالية إنجاحها على المدى المنظور، لذلك فكل الدلائل والحيثيات تشير إلى أن الحكومة التركية ستماطل وتسوّف إلى أن تفقد عملية السلام مبرراتها، وكل مكسب حقيقي للطرف الكردي فيها، دون التوصل إلى نهاية مُرضية لها.

 * كردستان العراق – دهوك

back to top