من ابتكر الـ bitcoin؟

نشر في 02-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 02-12-2014 | 00:01
مَن يأبه لساتوشي ناكاموتو؟ شخص آخر حوّل البيتكوين إلى ما هي عليه اليوم، وكان لها التأثير الأكبر في مصيره.
في شهر مارس 2014، واجه رجل متقاعد مذهول الصحافيين بصياحهم المرتفع، بينما راحوا يسألونه عن العملة الافتراضية خارج منزله في إحدى ضواحي مدينة تمبل في كاليفورنيا.
حددت مجلة Newsweek هوية دوريان ناكاموتو (64 سنة) بصفته الرجل الذي ابتكر البيتكوين. لكن هذا الخبر نُفي على غرار المحاولات السابقة لكشف هوية هذا المبتكر الذي يحمل الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو. في هذه الأثناء، كان الرجل المسؤول عن تمكين هذه العملة من الارتفاع إلى قيمة 7.7 مليار دولار، والذي يملك التأثير الأكبر في مستقبلها، يختبئ على مرأى من الجميع في الجهة الأخرى من البلد في أمهرست في ماساتشوستس.

غافن أندرسون، رجل لطيف في  الثامنة والأربعين من عمره اختير ليكون خلف ساتوشي ناكاموتو الحقيقي، بغض النظر عن هويته، في عام 2010. أصبح أندرسون المسؤول الرئيس عن صيانة وتطوير الشفرة العامة التي تحدد قواعد بيتكوين وتقدّم البرامج الإلكترونية الضرورية لاستخدامها. ولا شك في أن دعم ناكاموتو وعمل أندرسون المتواصل طوال سنوات على شفرة بيتكوين منحاه نفوذاً كبيراً في أوساط عالم بيتكوين ومكانة بارزة خارجه. نتيجة لذلك، لجأت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والمنظمون في واشنطن لمحاولة فهم هذه العملة. وكان أندرسون عام 2013 مَن ابتكر فكرة تأسيس منظمة بيتكوين التي لا تتوخى الربح والتي تُعتبر أقرب ما يشبه السلطة المركزية في عالم بيتكوين.

يقدّم بعض المتحمسين لبيتكوين توقعات قوية. يعتبرون، مثلاً، أنه مع العمليات المالية التي باتت قليلة الكلفة بفضل هذه العملة الافتراضية التي لا تخضع لقيود الدول، سيتخلَّص الأميركيون من قواعد الاحتياطي الفدرالي، فضلاً عن أن الدول الفقيرة ستزدهر. في المقابل، يشبه بعض المروجين الآخرين لهذه العملة الباعة المتجولين الذين يحاولون بلوغ هدف محدد، طارحين الأسباب التي يُفترض أن تدفعك إلى شراء هذه العملة بطريقة تجعلك تشعر أنهم يخفون أمراً ما. أما أندرسون، فيسعى على ما يبدو إلى تحقيق اكتفاء شخصي، مطلقاً على نفسه بمرح صفة {الشاب الذي يهتم بالمسائل الإلكترونية}.

رغم ذلك، امتلك أندرسون ولا يزال التأثير الأكبر في الشفرة التي تحدد عمل بيتكوين وبالتالي ما إذا كانت ستستمر. نتيجة لذلك، لن تؤدي الطريقة التي سيستعمل بها أندرسون نفوذه هذا إلى تحديد مصير بيتكوين فحسب، بل أيضاً مستقبل أي عملات افتراضية مستقبلية. صحيح أن الغموض يلف أصول بيتكوين، إلا أننا نعرف الكثير عن أندرسون وماضيه. كان يُعرف سابقاً باسم غافن بيل، وقد عمل في هندسة الكمبيوتر منذ تخصصه في علوم الكمبيوتر وتخرجه عام 1988 في جامعة برينستون وعمل كمصمم روسومات في وادي السليكون. عمل هناك طوال سبع سنوات ليتنقَّل بعد ذلك في عدد من الشركات الناشئة حيث عمل على بناء منتجات عدة، من برامج الرسم الثلاثي الأبعاد إلى اللعب على شبكة الإنترنت المخصصة للعمي والمبصرين على حد سواء. وفي عام 2010 صادف بيتكوين.

بلا قيمة

كانت بيتكوين آنذاك عملة لا قيمة لها ويصعب الحصول عليها واستخدامها. لكن أندرسون لاحظ جمالاً تقنياً في تصميم ناكاموتو، فضلاً عن عمله خارج سيطرة أي حكومة، ما لاءم ما دعاه سياساته {الأكثر تحرراً}. فبدل أن يبتكرها مصرف مركزي، ينتج هذه العملة أناس يديرون برامج إلكترونية تتنافس على حل أحجية رياضية. فتكون عملات البيتكوين الجديدة الجائزة. إلا أن طريقة {السك} هذه، التي تُستخدم أيضاً للتحقق من العمليات المالية، صُممت بطريقة تقلل تدريجاً من الجائزة إلى أن يصل المجموع الإجمالي إلى نحو 21 مليون بيتكوين.

أراد أندرسون أن يبدأ الناس باستخدام البيتكوين، فأطلق عام 2010 موقعاً على شبكة الإنترنت دعاه Bitcoin Faucet. وكان الموقع يقدّم خمس قطع بيتكوين مجاناً لكل زائر (كانت قيمة كل قطعة بيتكوين آنذاك سنتاً، إلا أنها تصل اليوم إلى 600 دولار، علماً أن أندرسون قلَّل قيمة هذه الجوائز المجانية مع ارتفاع قيمة البيتكوين ليقف الموقع نهائياً عام 2012). بدأ أندرسون أيضاً يرسل التعديلات والتحسينات في الشفرة إلى ناكاموتو. فأُعجب المؤسس بهذا العمل، وسرعان ما جعل عنوان البريد الإلكتروني الخاص بداعمه هذا الوحيد على صفحة هذا المشروع على الإنترنت. وكشف أندرسون رسمياً عن دوره خلال إعلان على منتدى بيتكوين في شهر ديسمبر عام 2010. ومنذ ذلك الحين يعمل بدوام كامل على تطوير هذه العملة. وقد دفعت له منظمة بيتكوين 209648 وحدة بيتكوين عام 2013.

أدى بروزه إلى تنامي الادعاءات عن أنه هو ناكاموتو، وأنه تخلَّص من الاسم المستعار بعد انتشار هذه العملة الواسع. لكنه أنكر بشدة ادعاءات مماثلة. ذكر في شهر أبريل بعد إدلائه بخطاب: {لست ساتوشي ناكاموتو. لم ألتقه مطلقاً، إلا أنني أجريت كثيراً من المحادثات معه عبر البريد الإلكتروني. أعتقد أن لا أحد يعرف من يكون». وإذا كانت هذه كذبة، فلا شك في أن اندرسون رجل مخادع محترف. فمن خلال مئات الإعلانات على المنتدى، الرسائل الإلكترونية، وسطور الشفرة، تميز أسلوبه عن أسلوب ناكاموتو. لا نعرف كم يملك أندرسون من البيتكوين، لكنه ذكر أن عائدات البيتكوين التي كدسها خلال الأيام الأولى من هذه العملة تكفيه ليتقاعد برخاء.

تغيير الشفرة

عندما استلم أندرسون مهام إدارة هذه العملة من ساتوشي ناكاموتو عام 2010، حدَّد طريقة عمل المشروع، مستنداً إلى خبرته في إدارة الفرق لبناء منتجات إلكترونية. وهكذا تشكَّل فريق من خمسة مطورين أساسيين، أندرسون أبرزهم. وقد حظوا هم وحدهم بالقدرة على تغيير الشفرة وتطبيق الاقتراحات من متطوعين آخرين. ومع تنامي قيمة البيتكوين على مر السنين، سعى أندرسون والمطورون الأساسيون الآخرون إلى تحسين البرنامج الذي حقق ذلك كله. فأصلحوا الخروقات الأمنية، حدوا من احتمال انهيار البرنامج، وبسطوا واجهة التفاعل لتسهيل استخدامه.

لم تكن هذه بالتأكيد مهمة سهلة لأن ما خلّفه تاكاموتو لا يشكّل برنامجاً تأمل أن تبني عليه منتجاً ما، فكم بالأحرى إذا كان اقتصاداً، وفق مايك هيرن، مهندس برامج إلكترونية عمل سابقاً في غوغل وأسهم في تطوير شفرة هذا المشروع. يضيف هيرن: {أصدر بيتكوين ليبرهن أن فكرته ستلاقي النجاح. لم يكتبه ليكون منتجاً مستداماً طويل الأمد}. أما المجهود الأكبر لتحويله إلى منتج مماثل، فقام به أندرسون وفلاديمير فان دير لان، مطور شفرات في أمستردام استلم مهام صيانة بيتكوين من أندرسون في شهر أبريل، وفق هيرن (لم يرد فان در لان على طلبنا إجراء مقابلة معه). ومع تصحيح الأخطاء وتنظيم الشفرة وإضافة خصائص جديدة، اختفى معظم ما كتبه ناكاموتو. فلم يتبقَ سوى ثلث شفرة ناكاموتو الأساسية. يوضح أندرسون: {كان مطور شفرات بارعاً، إلا أن الشفرة لم تكن متقنة}.

صحيح أن عدد مَن يعملون على البيتكوين لا يزال صغيراً، إلا أن البرنامج الإلكتروني وراء هذه العملية الافتراضية لم يكن مهماً إلى هذا الحد، فمع ارتفاع قيمتها إلى نحو 8 مليارات دولار، اتسعت الشريحة التي تستعملها من المتحمسين للحرية في المراحل الأولى لتشمل المستثمرين في وول ستريت ووادي السليكون. كذلك تحدث المشرعون والمنظمون الأميركيون إيجاباً عن البيتكوين وبذل الجهود لتنظيمها وضبطها.

عيوب أمنية

لكن خطر العيوب الأمنية يشكّل مصدر قلق بالنسبة إلى أندرسون. يضحك حين يتذكَّر أن شخصاً ما أبلغ عام 2010 ناكاموتو عن فيروس أتاح لمستخدمه إنفاق ما يملكه أي شخص من البيتكوين. يخبر أندرسون: {بدّل ساتوشي الشفرة وطلب من الجميع تشغيل الشفرة الجديدة، قائلاً إنه لن يخبرنا بالسبب}.صحيح أن معظم الفيروسات التي تصيب هذا البرنامج اليوم يبقى محدوداً، إلا أن خطر ظهور مشاكل مماثلة ما زال قائماً. يضيف أندرسون: {لهذا السبب أقول إن بيتكوين تجربة ويجب ألا تستثمر فيها مدخراتك كافة}. من المؤسف أن الدفاع الأفضل ضد العيوب الأمنية (جعلَ أناس يراجعون شفرات أناس آخرين) لا ينطبق على بيتكوين لأن المتطوعين الذين لا يتقاضون أجراً يفضلون كتابة شفراتهم الخاصة بدل أن يخصصوا الوقت الطويل والجهد المضني لمراجعة شفرات غيرهم. بالإضافة إلى ذلك، تقوم قيمة هذه العملة على المضاربة بالكامل. لذلك من الممكن لأي إشارة إلى أن النظام ليس حصيناً أن تسبب انهياراً كبيراً في السعر.

في هذه الأثناء، يجب أن يواجه أندرسون أيضاً مشكلة خطيرة في تصميم ناكاموتو. لا تستطيع شبكة بيتكوين معالجة أكثر من سبع عمليات مالية في الثانية. ولا شك في أن هذا عدد ضئيل بالنسبة إلى تكنولوجيا طموحاتها عالمية (تُجرى اليوم عملية مالية فقط في الثانية). في المقابل، تعالج شبكة {فيزا} نحو 489 عملية في الثانية حول العالم وتستطيع أن تستوعب ما يصل إلى 47 ألفاً في الثانية.

يتحدث أندرسون عن المشكلة قائلاً: {أشعر بالقلق حيال هذه المسألة. يدور في مجتمع بيتكوين اليوم جدال كبير حول كيفية معالجتها}. يبقى الحل الأفضل في رأيه زيادة حجم {كتل} العمليات المالية التي يؤكدها منقبو بيتكوين كل 10 دقائق. لكنَّ كثيرين يعارضون هذا الحل المقترح. حتى إن بعض رافضيه يعتبرون أن هذا الأمر سيجعل بيتكوين أكثر مركزية. لكن أندرسون يدعم موقفه بالرجوع إلى نوايا المؤسس الأصلي، فيقول: {عندما تطلع على كتابات ساتوشي، تلاحظ أنه أراد أن تكون هذه شبكة عمليات مالية يومية متاحة للجميع}.

بغض النظر عن هذا الجدال كله، ستُحل هذه المشكلة في النهاية بالطريقة التي يراها أندرسون ملائمة على الأرجح. لكنه يعد أنه والمطورين الأساسيين سيصغون دوماً إلى آراء الآخرين قبل أن يدخلوا أي تعديل على شفرة بيتكوين. يوضح: {تقوم هذه العملية على الإجماع}. ويشير إلى أن أي منشقين يستطيعون استعمال هذه الشفرة، بما أنها متاحة للجميع، لإعداد نسخة منها وفق التصميم الذي يفضلونه. رغم ذلك، لا يملك المطورون والمستخدمون الآخرون دافعاً حقيقياً لتهديد الوضع القائم ودور أندرسون فيه. فقيمة أي عملة في النهاية تعتمد على الأفكار والآراء السائدة. وفي حالة بيتكوين، لا يقوم هذا الإيمان على شفرة ناكاموتو فحسب، بل على مَن يهتمون بها أيضاً.

يقدّم أندرسون تفسيراً بديلاً لمَ لن نشهد تبدلات كبيرة في طريقة عمل بيتكوين. فبعد حل مسألة العمليات المالية، سيصبح الاعتناء بهذه الشفرة من مهمة مسؤول الصيانة لا بناة الشفرات، وفق أندرسون. لذلك يتوقَّع أن يمضي وقتاً أقل في الحفاظ على هذه العملة، وفترات أطول في مكتب منزله في أمهرست حيث سيتأمل في نظريات اقتصاد العملات الافتراضية ويطالع عدداً متنامياً من المنشورات عن بيتكوين. يختم: {أنظر إلى المستقبل بتفاؤل. آمل أن تصبح بيتكوين بعد 10 سنوات أمراً عادياً مملاً}.

back to top