خارج السرب: وداعاً عباس المناور
قبل أيام قليلة، وفي فجر يوم جمعة، ومع بداية شروق الشمس وراء الأفق الألماني، غربت شمس أخرى وراء أفق التاريخ الكويتي، ترجل فارس المجلس عن صهوة جواده ثم مضى مودعاً، نزل عن سرج التاريخ مسلماً عنان الأمانة إلى الأجيال القادمة، رحل باراً بقسمه حتى الرمق الأخير، غربت شمس العم عباس المناور بهدوء كحال النفوس المطمئنة، رحلت بكل هدوء سبق عواصف أحزان فراقه.
بعد رحيله فقد الوطن ابنه البار المخلص، وفقد الدستور "مدة يمينه" التي سطرت مواد الدستور، وفقد المليون كويتي أخاهم الذي لم تلده أمهاتهم، فرحم الوطن يكفي، وهو نسب لم ينكره فارسنا أبدا، وفقد المبدأ والضمير رفيقهما الذي لم يخذلهما يوماً طوال الدرب من الاستقلال إلى اليوم، وفقدت الذاكرة الوطنية النوخذة الذي كان يبحر بها عبر "محمل" الأحداث التاريخية والسياسية يحرك دفة الذكريات دوماً نحو وجهة الوطن ويرفع الشراع ليحتضن نسائم الحقائق، فنصل وإياه إلى شواطئ الماضي البعيد رغم أنف تلاطم أمواج التحريف والتشويه المتلاطمة العالية. وفقد محراب المسجد جبينه الذي لم ينحنِ يوماً إلا لله، وفقد كفيه اللتين كانتا ترفعان بالدعاء لمن يحب ويكره، وفقد محراب السياسة قلبه النابض بحب الوطن، ولسانه الشجاع الذي كان يرفع به عالياً كلمات الوطنية نحو هامات المستقبل. فقدنا العم عباس جسداً ولم نفقده روحاً، فروح مواقفه كانت وما زالت هنا تحوم حول حمى كويت الماضي والحاضر والمستقبل، يرفعها جناحا تاريخ إخلاصه ووطنيته، فيحلقان بها نحو علياء سماء المجد. لم يجمع مفهوم الوحدة الوطنية عنواناً كما جمعه العم عباس المناور، رثاه البدوي والحضري، وحزن عليه السني والشيعي، واجتمعت حول رحيله رثاءً كل الكلمات المبعثرة لشتى حروف أطياف الوطن، لتتفق على كلمة سواء بعين دمعها يبكي رحيله. رحم الله العم عباس المناور، وغفر له وأسكنه الجنان في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وعظم الله أجر أهله ومحبيه، وأحسن عزاءهم، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".