الكاتب والمفكر السيد ياسين: الاستراتيجية الثقافية الجديدة تعتمد التنمية القاعدية

نشر في 13-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 13-10-2014 | 00:02
No Image Caption
منذ قدم الكاتب والمفكر السيد ياسين ورقة تحمل مقترحات سياسة ثقافية جديدة، بناء على طلب وزارة الثقافة المصرية برئاسة د. جابر عصفور، يدور جدل حولها، لاسيما بعدما تقرر اعتمادها كرؤية ثقافية، على أن تستكمل ببرنامج ثقافي للسنوات الأربع المقبلة...
حول الورقة ورؤيتها لسياسة ثقافية جديدة كان الحوار التالي مع السيد ياسين.
أكدت في مقترحاتك أن السياسة الثقافية يجب أن تتفق مع أيديولوجية النظام الحاكم، هل ثمة أيديولوجية واضحة لمصر الآن؟

 

في علم السياسة ثمة أنظمة ثلاثة للحكم: الشمولي كما كان في الاتحاد السوفياتي سابقاً مستبد بالثقافة والمثقفين، السلطوي كما هي الحال في مصر بعد ثورة 1952، يعطي هامشاً نسبياً من الحرية للمجتمع المدني، الليبرالي يتيح الحرية السياسية وحرية السوق.

 أما التمييز بينها فهو علاقة الدولة بالمجتمع المدني، ويمكن القول إن مصر بعد ثورة 25 يناير تتجه نحو النظام الليبرالي، وقد أكدت خارطة الطريق التي  انتهجتها مصر بعد 30 يونيو، أننا نسير نحو الليبرالية السياسية التي تقوم على التعددية السياسية وحرية الرأي، بالتالي، يجب أن تعبر السياسة الثقافية الجديدة عن تلك الأيديولوجية، وقد اعتمدت الرؤية على قراءة نقدية دقيقة للمشهد السياسي والثقافي المصري بعد ثورة 25 يناير 2011.

طالبت بضرورة تقييم السياسة الثقافية الحالية كخطوة نحو وضع سياسة جديدة، فما هي معايير التقييم؟

تعتمد عملية التقييم على معايير كمية، مثلا عدد المسارح والأفلام المنتجة وعدد الكتب المطبوعة والمترجمة، ومعايير كيفية كتلك التي تقيس فاعلية ذلك الإنتاج الثقافي وتأثيره في المجتمع، ومدى تناسبه مع التفاوت الثقافي لقطاعات المجتمع المختلفة.

 الأهم هو هل انطلقت هذه السياسة الثقافية من رؤية ثقافية شاملة متكاملة؟ وهل قرأت طبيعة هذه الرؤية المتغيرات العالمية والمحلية والإقليمية؟.

اعتمدت رؤيتك سياسة التنمية الثقافية القاعدية، فماذا تعني بذلك؟

 

 اعتمدت على المؤشرات الكمية لوضع هذه الرؤية، فاكتشفت أن لدينا في مصر 26% يعانون الأمية و16 مليوناً يعيشون في العشوائيات و26 مليوناً تحت خط الفقر، فأدركت أننا ما لم نخترق تلك المليونيات، فلا أمل لنا في تحقيق رؤيتي الاستراتيجية نحو التنمية الثقافية الاجتماعية.

 في علم اجتماع التنمية  ثمة نموذجان: التنمية من أعلى والتنمية من أسفل، والتنمية الثقافية القاعدية هي الأساس، أي يجب ألا يكون التخطيط  من أعلى  بل أن ننزل إلى الشارع، أي إلى الناس، لنتعرف على مشاكلهم وتصوراتهم بشأن الحلول الممكنة ومطالبهم.

ماهي آلياتك للتواصل مع الشارع؟

جهاز الثقافة الجماهيرية بقصوره المنتشرة في ربوع مصر، ولكل قصر جمهوره، علينا إجراء مسح شامل في قصور الثقافة بحثاً عن نماذج من الشباب الموهوبين، وهو ما سميته بالمثقف الشعبي، وبعد تدريبه في وزارة الثقافة يعود إلى قصره ليؤدي مهمته، باعتبار أنه موجه ثقافي شعبي، وهو ما يعرف بالمثقف العضوي، بتعبير الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي .

سطوة  الفكر المتطرف إعلان عن هزيمة المثقفين وانسحابهم، أليس كذلك؟

لم ينسحب المثقفون التقليديون  قبل 25 يناير، بل كانوا موجودين وكان لهم دور، وإن كان محدوداً،  تحت وطأة حصار النظام الساعي إلى إقصائهم، فقد كان  ثمة مثقفون معارضون للنظام يمارسون دورهم في النقد الاجتماعي، حتى ظهر  نوع جديد وهو الناشط السياسي، مع بروز حركتي «كفاية» و{6 أبريل»، وهنا انسحب المثقف التقليدي المعزول ومحدود التأثير عن الشارع، ليفسح في المجال أمام الناشط السياسي القادر على الحشد الجماهيري وتعبئة الشارع، لتصدر المشهد الثوري بعد ثورة 25 يناير.

ما المشكلة التي تواجه المثقفين التقليديين؟

عجزهم عن التجدد المعرفي  وعدم مسايرتهم التطورات السياسية والثقافية العالمية. لم يتابع الليبراليون والاشتراكيون الجدل في مجال الأيديولوجيات السياسية، وهذا أحد مثالب النخبة التقليدية.

والنشطاء؟

لا يملك هؤلاء رؤية ولم يتابعوا التطورات العالمية، وإن كانت لديهم القدرة على الحركة في الشارع والحشد.

أجريت تحليلاً نقدياً لمدونات الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي فكيف تقيّمها؟

للأسف اتسمت هذه المدونات بفقر شديد في الفكر السياسي، فضلا عن البذاءة في النقد السياسي والافتقار إلى رؤية مستقبلية، لأنهم لم يتعرفوا على المتغيرات العالمية. من يريد استشراف المستقبل عليه فهم تحولات النظام العالمي والإقليمي والمصري، والتزوّد بثقافة تسمح له بتكوين رؤية مستقبلية، تكمن المشكلة في أنهم جيل بلا ثقافة وبلا رؤية .

أليسوا ضحايا عصور التجريف الثقافي والتجهيل؟

لا، لدي تفسير آخر، أعتقد أنهم أبناء عصر الإنترنت الذي أوهمهم بقدرتهم على معرفة أي شيء بنقرة واحدة على زر الكمبيوتر، بما لدى الإنترنت من حجم معلومات، من دون أن يدركوا  حقيقة مهمة وقانوناً عاماً، أن المعلومات لا تنتج معرفة، وأن المعرفة تتكون بالعقل التحليلي النقدي من خلال القراءة التقليدية أي الكتب، وأعتقد أن هذا أسوأ خطر على هذا الجيل.

ما معايير عضوية المجلس الأعلى للثقافة ولماذا تكون مدى الحياة؟

عضوية الأكاديمية الفرنسية مدى الحياة بمثابة تقدير للمنجز الفكري للشخص المنتخب، أما عندنا فلا توجد معايير، برأيي من الأفضل أن تكون ثمة معايير موضوعية للانضمام إلى عضوية المجلس كتقدير للشخص نفسه، وأقترح مثلا أن يكون 75 % من الأعضاء مدى الحياة، وأن تكون الأولوية لمن نالوا جائزة الدولة التقديرية أو جائزة النيل والربع الباقي يتغير.

تجديد الخطاب الديني أحد أهم أهداف السياسة الجديدة المقترحة، على أي نحو تراه؟

لدينا خبرة سابقة في ذلك، أعتبر الإبداعات التي أنتجها المثقفون الليبراليون في مجال الخطاب الإسلامي من أروع ما يمكن، مثل «عبقريات» العقاد و{الفتنة الكبرى» لطه حسين و»حياة محمد» لمحمد حسين هيكل، بمعنى تخليص التاريخ الإسلامي من الأساطير غير المؤسسة وتقديم تاريخ واقعي بإيجابياته وسلبياته.

لماذا تجاهلت الورقة دور الإعلام في السياسة الثقافية المقترحة؟

 ركزت الورقة على دور التعليم، وناقشت بوضوح ازدواجية التعليم بين تعليم ديني وتعليم مدني وخطورة ذلك. الإعلام مهم ولا بد من أن ينطلق من رؤى ثقافية نتيجة التعليم العصري، لكن الإعلام المصري الآن مريض، لأنه تنازل عن دوره الأساسي التنويري لحساب مناقشات سياسية عقيمة سواء في الصحافة أو في التلفزيون.

ماذا تعني بمقولة «التوافق الثقافي لا يقل عن التوافق السياسي»؟

الاتفاق على طبيعة الدولة، هل هي مدنية أم دينية؟ لاسيما في ظل الصراع من أجل إقامة دولة دينية .

back to top