أسطورة الجندي المسحور

نشر في 23-05-2015
آخر تحديث 23-05-2015 | 00:01
 د. أفراح ملا علي في سنة 711م فُتِحت بلاد الأندلس وفي سنة 1492 سقطت، ممثلة في إمارة غرناطة التي تأسست على يد بني الأحمر، بحرب تدعى «لاس نافاس دي تولوسا»، والتي تعني «وادي نافاس في مدينة تولوسا»، والمسماة عند العرب بمعركة العقاب، وسميت بذلك نظراً لقربها من حصن العقاب الأموي، ولم يتبقَّ من الأثر الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية إلا غرناطة التي صمدت داخل حصونها المنيعة تحت يد بني الأحمر ذوي الأصول القحطانية، وبالتحديد من قبيلة الخزرج.

من المستحيل أن يمر نحو 800 سنة من دون تأثير صريح من اللغة العربية على الإسبانية، ولم يقتصر هذا على اللغة فحسب، بل على الحياة العملية، ثقافة وأدباً وتاريخاً، وصولاً إلى الفلكلور وعلوم الميثولوجيا من أساطير وحكايات شعبية.

فعلى سبيل المثال من الناحية اللغوية هناك ما يقارب 4000 كلمة إسبانية ذات أصل عربي مثل: aceituna (الزيتون) وتنطق أثيتونا، وalacran (العقرب) وتنطق الأكران، وjaqueca (شقيقة) وتنطق خاكيكا، وazucar (السكر) وتنطق اثوكار، وojala (إن شاء الله) وتنطق أوخالا... وهناك أيضاً بعض المناطق الإسبانية ذات أسماء من أصول عربية مثل: Guadalajara (وادي الحجارة) وتنطق غوادا لاخارا، Jaen (جيان) وتنطق خايين، و Medina Azahara(مدينة الزهراء) وتنطق ميدينا اثارا.

أما التأثير الشعبي فتتضح ملامحه، عند سرد أسطورة الجندي المسحور في قصر الحمراء بغرناطة، إذ تروي الأسطورة أن رجلاً يدعى دون فيثينتي، وكان طالب علم في مدينة سالمنكا، كان يسافر كل صيف إلى مدن إسبانيا مع الغيتار الخاص به، محصلاً بعض المال من خلال العزف والغناء، وعند وصوله إلى غرناطة في ليلة سان خوان السحرية، لمح جندياً حاملاً رمحاً ودرعاً، فسأله الطالب: من تكون؟ فيرد المجند بأنه جندي مسحور منذ 300 عام على يد فقيه مسلم، لكي يقوم بحراسة كنز محمد الثاني عشر الملقب بأبي عبدالله، إلى الأبد، وأنه لا يخرج إلا مرة واحدة كل 100 عام.

سأله دون فيثينتي عن كيفية مساعدته، فوعده الجندي بأن يعطيه نصف الكنز إذا ساعده في فك السحر، غير أن الأمر يحتاج إلى قسيس صائم وشابة مسيحية. لم يكن من الصعب البحث عن الشابة المسيحية في غرناطة، ولكن الصعوبة كانت تكمن في إقناع قسيس «بَطين» عاشق للطعام أن يصوم في تلك الليلة، وبعد وعود كثيرة للقسيس بالثراء تمت الصفقة، وعند دخولهم إلى قصر الحمراء وصولاً إلى مخبأ سري في برج الحمراء، فُتِح الباب السحري وفُتِن الجميع بالكنز، فضلاً عن المأكولات مما لذ وطاب، ولدى البدء في قراءة طلسم فك السحر وضع القسيس يده في سلة الطعام وأكل قطعة من الدجاج الموجود، وبلمح البصر وجد دون فيثينتي والشابة والقسيس أنفسهم خارج برج الحمراء، وأغلق الباب السحري، ففقد الجندي الفرصة لفك السحر وانتهت أحلام الثراء، غير أن دون فيثينتي وجد في جيبه بعض النقود! وهذا ما جعله يعيش برفاهية ويتزوج الشابة.

تقول الموشحة الشهيرة:

جــادك الغيــث إِذا الغيـث همـى

يــا زمــان الــوصل بــالأَندلسِ

لـــم يكــن وصْلُــك إِلاّ حُلُمًــا

فــي الكــرى أَو خُلسـة المخـتَلِسِ

ودمتم بوصل غرناطي.

back to top