هل كان الاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وأربيل مكسباً لكردستان؟

نشر في 06-12-2014
آخر تحديث 06-12-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر يمكن اعتبار الاتفاق الأخير الذي أبرم بين إقليم كردستان وبغداد خطوة في اتجاه حلحلة المشاكل العالقة بين الطرفين في الملف النفطي، ولكن في الوقت ذاته، يجب عدم المبالغة في التفاؤل إلى الحد الذي يخرجنا من منطقية تقييم هذه الخطوة على الأقل من وجهة النظر الكردية.

ومن خلال تصريحات أعضاء الوفدين فإن الاتفاق ينص على ضرورة أن يقوم الإقليم يومياً بتصدير 250 ألف برميل نفط من حقوله المنتجة، ونقل 300 ألف برميل يومياً من نفط كركوك بواسطة الأنبوب الذي يمر عبر أراضيه إلى ميناء جيهان التركي، وتقوم شركة سومو التابعة لوزارة النفط في بغداد بالإشراف الكامل على مبيعات الكميتين. في المقابل فإن المركز ألزم نفسه بإطلاق نسبة من مخصصات البيشمركة اعتماداً على النسبة السكانية (كما صرح بذلك عادل عبدالمهدي وزير النفط العراقي).

وعلى هذا، فإن الاتفاق لا يمكن اعتباره كسباً سياسياً للإقليم بقدر ما يعتبر تنازلاً عن المكتسبات التي حققها طوال الأشهر السابقة في صراعه السياسي والقانوني، الذي رافق معركة تصدير النفط الكردستانية، سواء مع المركز أو مع الشركات العالمية، وذلك للأسباب التالية:

- خلال الأشهر الماضية من الأزمة كان مسؤولو الإقليم يؤكدون دائماً، ومن خلال تصريحاتهم رفضهم المطلق لإشراف بغداد على تصدير النفط المنتج من حقول الإقليم تحت أي ظرف، وأن دور بغداد لن يتعدى العلم رسمياً بالكميات المبيعة، ووجهتها وأسعارها، ليس هذا فحسب، بل إن توصيات برلمان كردستان للوفد المفاوض مؤخراً كانت تنص على هذه الرؤية.

- إن النقاط المتفق عليها فيما يخص طرفي النزاع تنقسم إلى قسمين، إذ إن هناك نقاطاً آنية التطبيق، وأخرى يمكن تسويفها والمماطلة فيها... ومن مساوئ القدر السياسي الكردي أن النقاط الموجبة التنفيذ آنياً مرتبطة بالإقليم، بينما تلك المتعلقة بالمركز قابلة للتسويف والمماطلة... وهو الأمر الوحيد الذي أكدت الأحداث أن المركز يبدع فيه.

فكمية النفط الواجبة البيع من قبل الإقليم لا يمكن المماطلة فيها، حتى وإن لم يوضع لها سقف زمني، بينما لا يمكن إلزام المركز بسقف زمني لتطبيع موضوع الميزانية، ولا مستحقات البيشمركة (حسب النسبة السكانية)، فضلاً عن التبريرات التي يمكن لحكومة المركز اللجوء إليها للتحايل على الاتفاق، خاصة في ظل الأزمة العالمية لأسعار النفط، والتي تنعكس سلباً على واردات العراق وميزانيته، إضافة إلى أنه لم يتم التطرق إلى سقوف زمنية يتم التحرك على ضوئها، ولم يخضع الاتفاق لأي إشراف دولي أو جهات دولية ضامنة لتطبيق بنودها.

- إن القبول الرسمي بإشراف بغداد على صادرات الإقليم النفطية يعطيها الحق في المطالبة بالإشراف على أية كميات مستقبلية ينتجها الإقليم، مما يمثل ثغرة دائمة لإثارة المشاكل بين الطرفين.

- مادمنا في الإقليم قبلنا في النهاية بإشراف بغداد على صادراتنا النفطية، فلماذا دخلنا في هذه المعركة السياسية أساساً؟ خاصة أننا لم نحصل منها على مكاسب تذكر، حيث إن صمود الشعب الكردي وتصديه لخطوة قطع رواتب موظفيه من قبل حكومة بغداد طوال الأشهر السابقة، رغم المعاناة الشديدة التي مر به والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي مني بها الإقليم جراء هذا التحدي، كانا يجب أن يستثمرا بشكل أفضل.

- لم يستثمر الإقليم هذه الأزمة بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه، والمقايضة السياسية في النهاية لم تكن بالمستوى المطلوب، فحتى مخصصات البيشمركة لم تحدد بشكل واضح، بل أحيلت إلى إفتاءات النسب السكانية التي هي مثار جدل مستمر في نقاشات الميزانية في السنين السابقة، إضافة إلى أنها أخضعت لنظام الأقساط.

- خلال الأشهر الماضية، قطع الإقليم شوطاً كبيراً في صراع مرير بين حقه الدستوري في تصدير النفط، وبين قانونية هذا التصدير دولياً، وقد وصل إلى ذروته في رفع المركز شكاوى قانونية ضده في محاكم أوروبية، ومع ذلك نجح الإقليم في تجاوز كل هذه العقبات، وأجهضت محاولات المركز في الحيلولة دونه، ولهذا فإن هذا الاتفاق يمثل تنازلاً (بإصرار وترصد) عن هذا النجاح من قبل الإقليم، لا يمكنه البناء عليه، بل يتحتم عليه المرور بنفس العراقيل هذه واجتيازها مجدداً في حال حدوث أي أزمة مستقبلية بين الطرفين.

- يمكن أن يعتبر البعض أن عدم خوض الاتفاق في تحديد كميات إنتاجية مستقبلاً يصب في مصلحة الإقليم، غير إن إنتاج الإقليم مستقبلاً لكميات إضافية وتصديرها، قد يحتاج إلى مد أنبوب جديد عبر أراضيه إلى تركيا، فالإقليم ألزم نفسه بتصدير 550 ألف برميل يومياً من نفطه ونفط حقول كركوك عبر أنبوب لا يستوعب أكثر من تلك الكمية، فضلاً عن أن مد أنبوب آخر عبر كردستان إلى تركيا يحتاج ما يقارب السنة كي يكون جاهزاً للتصدير من خلاله.

- إن ذكر مصطلح نفط الإقليم في الاتفاقية وفصله عن نفط كركوك، وقبول الإقليم بهذه الصيغة وتوقيعه عليه، يعتبر إقراراً رسمياً من قبل الإقليم بوجود خصوصية لنفط هذه المدينة بغض النظر عن انضمامها من عدمه إلى إقليم كردستان، ما يفتح باباً جديداً لأزمات مستقبلية مع المركز كان من الممكن تلافيها.

 * كردستان العراق

back to top