الدعم الجوي الأميركي لتكريت: القرار الصائب

نشر في 03-04-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-04-2015 | 00:01
 جيمس جيفري تخوض أميركا حرباً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وتُظهر مثابرة الجماعة في تكريت مدى صعوبة القضاء على هذه الآفة في المنطقة، وما دام التنظيم موجوداً، فإن عمليات السلب التي يقوم بها في ثلاثة بلدان، والعدّ مستمر، سوف تثير المزيد من الاضطرابات.

في 25 مارس اتخذت الولايات المتحدة قراراً صائباً ببدء شنّ غارات جوية وغيرها من عمليات الدعم القتالية في تكريت وحولها، بما فيها الاستطلاع والتنسيق الاستشاري على مستوى الألوية، ولم يكن ذلك قراراً سهلاً لأنّ الميليشيات المدعومة من إيران و"فيلق القدس" الايراني هما جهتان بارزتان في معركة تكريت، نظراً إلى الوضع المأساوي الذي تعانيه مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط- والناجم جزئياً عن أفعال واشنطن نفسها- لم يعد بإمكان أميركا اتخاذ قرارات سهلة في المنطقة، وفي هذه المرحلة إن أي خطوة أميركية يتم اتخاذها لا تشمل عمليات انتشار كبرى على الأرض هي أكثر ترجيحاً لتحسين الاستقرار من التردد في اتخاذ قرار أو اتخاذ تدابير غير عسكرية.

ويستند هذا التقييم إلى أربعة أسباب: أولاً، تخوض أميركا حرباً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، وتُظهر مثابرة الجماعة في تكريت مدى صعوبة القضاء على هذه الآفة في المنطقة، وما دام التنظيم موجوداً، فإن عمليات السلب التي يقوم بها في ثلاثة بلدان، والعدّ مستمر، سوف تثير المزيد من الاضطرابات بما فيها: تهديدات على الدول الصديقة؛ واستغلال إيران لدورها كمدافعة عن الشيعة ضد "داعش" وتنظيم "القاعدة" لإحلال سيطرتها على جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط؛ وأخيراً، إحداث دوامة باتجاه صراع سني-شيعي في مختلف أنحاء المنطقة، ولا يمكن احتواء تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما أن الوقت ليس في مصلحة واشنطن؛ على الولايات المتحدة أن تباشر باتخاذ الخطوات اللازمة. فتكريت هي المكان الذي تجري فيه المعركة، ولطالما كان "التقدّم باتجاه صوت المدافع" استراتيجية عسكرية سليمة.

ثانياً، إن مكانة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على المحك، فواشنطن تدين له لإعادته ثقة الأكراد والسنة العرب بحكومة بغداد وإن بشكل محدود بعد عهد نوري المالكي الكارثي الذي استمر على مدى السنوات القليلة الماضية. وبغض النظر عن الدور الصارخ الذي لعبه قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني أو الطبيعة "الإيرانية الصنع" للهجوم الحالي، فإذا فشلت حملة تكريت، فسوف يُلام العبادي على ذلك، وسيكون المالكي وغيره من السياسيين الشيعة الأكثر انصياعاً للنفوذ الإيراني على أهبة الاستعداد لتولي منصبه، ولكن، إذا نجح الهجوم الحالي، فسوف يحصد بعض الفضل على الأقل، لا سيما إذا تلقى مساعدةً من قوة النيران الأميركية.

ثالثاً، العراق دولة مهمة جداً أكثر من أن تسمح لنفسها بالتفكك أو السقوط في وجه السيطرة الإيرانية الفعالة، نظراً إلى موقعها الجغرافي ودورها المجيد في التاريخ العربي ووضعها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة واحتياطياتها النفطية الاستثنائية (143 مليار برميل، أي ما يعادل نصف حجم احتياطيات المملكة العربية السعودية، إلى جانب ما يقدر بنحو 45 مليار برميل في "إقليم كردستان")، ناهيك عن الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة حتى الآن لمنح البلاد فرصة لتحقيق الاستقرار، وقد أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما بهذه الأهمية عبر نشر أفراد من الجيش الأميركي هناك في الصيف الماضي.

ومع ذلك، لكي تنجح واشنطن اليوم، عليها الإقرار بأنّ الثقل السياسي الاستراتيجي الذي يتحلى به العراق يكمن في أيدي الشيعة الذين يشكلون 60 في المئة من سكان البلاد، فهم الأغلبية في الحكومة ويسيطرون على بغداد ومعظم حقول النفط، وبالطبع يشكّل الأكراد حلفاء مهمّين أيضاً، ولكن مساهمتهم محدودةً في استتباب الأمن في العراق ككل، نظراً لنزاعاتهم الحدودية مع العرب في الجنوب وآمالهم التي غالباً ما يعلنون عنها والمتمثلة بنيل استقلالهم في نهاية المطاف. وبالمثل، تؤدي الأقلية العربية السنية دوراً أصغر من حجمها ولا ترمي بجُل ثقلها، ويعود ذلك جزئياً إلى الإرث الذي خلّفه صدام حسين والهيمنة العربية السنية المتصورة على بلاد لا يُشكل فيها السنة سوى أقلية واضحة، وبجزء آخر إلى المقاومة العربية السنية لنظام ديمقراطي يحد من مكانتهم.

وباختصار، حيثما يتّجه الشيعة، يتّجه العراق بأكمله، أو على الأقل جزء البلاد الذي يحتوي على معظم الأراضي وحقول النفط الرئيسة، وينجذب الكثير من الشيعة إلى إيران نظراً إلى انتمائهم الديني المشابه ودعم طهران للميليشيات والجماعات السياسية المحلية. غير أنّ هذه الروابط الوثيقة ليست منقوشةً في الصخر، فالشيعة العراقيون هم في الغالب عرب وليسوا فرساً، ومعظمهم يتبعون الحوزة العلمية للإسلام الشيعي في النجف، وليس المذهب الشيعي الإيراني النابع من مدينة قم.

ولمواجهة النفوذ الإيراني على نحوٍ فعال، على واشنطن أن تراعي الاحتياجات الأمنية للشيعة العراقيين بشكلٍ أكثر صراحةً، لأنّ الأمن لا يزال يشكل محط قلقهم الأكبر، وقد أحرزت القوات الأميركية تقدماً معهم بين العامين 2003 و2011 عبر تزويدهم بالمساعدة الأمنية المباشرة؛ واليوم، في الوقتٍ الذي يواجه فيه الشيعة تهديداً مباشراً من تنظيم (داعش)، على الولايات المتحدة أن تفعل ذلك مجدداً وأن تُظهر ما تقوم به للعيان. وعلى الرغم من أنّ تكريت منطقةٌ عربية سنية، فإنها تتحلى بقيمة رمزية للشيعة تتجاوز قيمة محافظتي الموصل والأنبار، فالمدينة قريبة من عدة مزارات ومناطق عربية شيعية، وكانت موقعاً قام فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" بذبح أكثر من ألف شخصٍ معظمهم طلاب شيعة في سلاح الجو في الصيف الماضي. وبعد سقوط الموصل والالتزام بإرسال الدفعة الأولى من المستشارين الأميركيين في يونيو الماضي، انتظرت إدارة أوباما نحو الشهرين لتبدأ غاراتها الجوية، في الوقت الذي تحرّك فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" باتجاه بغداد وغيرها من المناطق الشيعية، وكان لدى واشنطن أسباب يمكن تفهمها لهذا التأخير، من بينها الحاجة إلى الضغط على السياسيين العراقيين من أجل إيجاد بديل للمالكي، ولكن، بسبب يأس الحكومة والسكان الشيعة وزعيمهم الديني آية الله علي السيستاني، فقد ضمّوا جميعاً جهودهم عموماً إلى الميليشيات التي تدعمها إيران والتي هي في غاية الاستعداد لمساعدتهم وإيران نفسها رحبت بهذا الدعم، فيتعيّن على واشنطن ألا تكرّر هذا الخطأ مجدداً.

رابعاً، من شأن المشاركة الأميركية الناجحة حالياً- بعد أن فشل "الحل الإيراني" بشكل واضح في نزع قبضة الجهاديين على تكريت- أن تبرهن نقطةً مهمة وهي: لا يمكن التخلّص من تنظيم "الدولة الإسلامية" من دون مساعدة أميركية، بغض النظر عمّا يفعله الإيرانيون. ومع هذه المشاركة سوف يأتي دعمٌ للأكراد والعرب السنّة العراقيين أكبر بكثير مما تستعد إيران وأصدقاؤها لتقديمه.

وبطبيعة الحال إن الجانب السلبي الأساسي لمثل هذا التدخل، هو أنه سيتم النظر إلى الولايات المتحدة على أنّها تنسّق- بطريقة أو بأخرى- مع إيران وحلفائها أو تتحالف معهم، غير أنّه كلّما زادت واشنطن من إنكار ذلك وتجنّبت التواصل المباشر مع "فيلق القدس" والميليشيات الشيعية، أصبح هذا التصور صحيحاً إلى حدٍّ ما. وفي عالمٍ مثالي، يصبح لدى القوات الأميركية جيشٌ عراقي متمكن يمكنها أن تدخل معه في شراكة، غير أنّ ذلك ليس متوفراً في الوقت الحالي.

إنّ هذا التصور قد تسببت به الإدارة الأميركية لنفسها إلى حدٍّ ما، فقد نسّقت الولايات المتحدة بِصمتٍ مع إيران عدة مرات في السنوات الخمس عشرة الماضية حول أفغانستان، وفي بعض الحالات في العراق، وبشكل متكرر بين عناصر تابعة للبحرية في الخليج العربي، وقد فهم الجميع ذلك على أنّه ضرورة تكتيكية لا أهمية كبيرة لها، غير أنّ الطريقة التي خاضت بها إدارة أوباما المفاوضات النووية- بما في ذلك تلميحاتها المتكررة بشأن إمكانية قيام شراكة مع طهران بعد إبرام الاتفاقية في الوقت الذي لا تنفكّ إيران تُعيث فساداً في جميع أنحاء المنطقة- هي ما يُقلق حلفاء الولايات المتحدة من الرياض إلى تل أبيب إلى أنقرة.

وللتخفيف من حدة هذه المخاوف، على واشنطن أن تغيّر مسار الحوار بعيداً عن التساؤل حول ما إذا كانت القوات الأميركية ستتجنب شنّ غارات على مناطق تشارك فيها قوات الميليشيات الشيعية أو الإيرانية في القتال، وعلى الإدارة الأميركية أن تركّز بدلاً من ذلك على توضيح أنّه مهما فعلت أميركا على المستوى التكتيكي للتصدي للتهديد الحالي الأكبر، فستبقى إيران منافساً استراتيجياً لا بد من احتوائه.

back to top