جورج بوش الابن كان محقاً

نشر في 10-06-2015
آخر تحديث 10-06-2015 | 00:01
للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، يفوق عدد الأميركيين الذين يملكون نظرة مؤاتية عن جورج بوش الابن مَن ينظرون إليه سلباً، فقد كان عدد الأميركيين الذين ينظرون إليه نظرة إيجابية نحو الثلث حين ترك منصبه عام 2009، إلا أن شعبيته ارتفعت اليوم.
 ويكلي ستاندرد نجح وليام باتلر ييتس في وصف عصر أوباما:

انهار كل شيء، أخفق الوسط في الصمود،

انتشرت الفوضى في كل أنحاء العالم،

ارتفع المد الدموي وطغى،

فأغرق احتفال البراءة.

يمضي ييتس مشيراً: "نملك بالتأكيد بعض التوضيحات"، وتشكل استطلاعات الرأي العام بديل "التوضيحات" في الديمقراطية المعاصرة، وقد حصلنا أخيراً على استطلاع رأي جديد مثير للاهتمام، استطلاع نستيطع اعتباره توضيحاً مهماً.

ماذا يكشف المسح الأخير الذي أجرته شبكة "سي إن إن"؟ للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، يفوق عدد الأميركيين الذين يملكون نظرة مؤاتية عن جورج بوش الابن مَن ينظرون إليه سلباً، فقد كان عدد الأميركيين الذين ينظرون إليه نظرة إيجابية نحو الثلث حين ترك منصبه عام 2009، إلا أن شعبية بوش ارتفعت إلى 46% و51% بين مؤيد ومعارض قبل نحو سنة، لتصل اليوم إلى 52 و43.

لا شك أن 52% من الأميركيين قد يكونون مخطئين، فقد كانوا كذلك حين أعادوا انتخاب الرئيس جورج أوباما عام 2012، ولكن في هذه الحالة نعتقد أنهم يعبرون عن أمر مهم، فهم يعلنون أن جورج بوش الابن كان محقاً من حيث المبدأ.

كان بوش محقاً في تعاطيه بجدية مع الخطر الجهادي بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (مع أنه ربما وقع ضحية التلطيف أحياناً في وصفه هذا الخطر)، فقد أصاب بإصراره على تشريعات تسمح بالقيام بعمليات مراقبة وجهود أخرى بغية عرقلة عمل الإرهابيين وإلحاق الهزيمة بهم.

كان بوش محقاً أيضاً في اعتباره تركيبة الإرهاب، والجهاد الإسلامي، وأسلحة الدمار الشامل خطرة جداً، فقد أصاب باعتقاده أن العراق، وإيران، وكوريا الشمالية تمثل خطراً، ومن المحزن أنه لم يستطع اتخاذ خطوات إضافية للتصدي لإيران وكوريا الشمالية، لكن إدارته انتهت مع التغلب على العراق ونشر الهدوء النسبي في هذا البلد، فضلاً عن تقوية العناصر الموالية للغرب والمناهضة للجهاد في إيران وسورية، ولكن من المؤسف أن الإدارة التي تلته أخفقت في دعم هذه القوى في إيران عام 2009 وفي سورية عام 2011.

لكن بوش كان محقاً باعتباره ألا بديل للقيادة الأميركية في عالم خطر، وأن "القيادة من الخلف" لا تشكل بديلاً للقيادة، كذلك كان محقاً في اعتقاده أن الخطوات الاستباقية تكون أحياناً ضرورية للتعاطي مع مخاطر القرن الحادي والعشرين، وألا بديل أحياناً، سواء أعجبنا ذلك أم لا، لإنزال الجنود الأميركيين على الأرض، وأصاب أيضاً في اعتباره أن إنقاذ الشرق الأوسط القديم مستحيل، وأن أجندة الحرية التي تهدف إلى تعزيز تغيير الأنظمة البناء خطوة محقة وضرورية.

لا شك أن بوش اقترف الأخطاء، فما كان فريق ولايته الأولى، الذي ضمن رامسفيلد، وباول، ورايس، فاعلاً دوماً، كذلك تباطأ في الرد على النكسات في العراق، مع أنه يستحق الكثير من الثناء لزيادة عدد الجنود عام 2007، هذه الزيادة التي ساهمت بفاعلية في الفوز بالحرب، بالإضافة إلى ذلك، أخفق في التعاطي بحزم مع إيران، حتى بعد أن شعر الملالي بالخوف وأضعفهم التدخل في العراق. وفي ولايته الثانية (باستثناء زيادة عدد الجنود)، تراجع إلى حد كبير في مختلف أنحاء المنطقة، تاركاً الإسرائيليين يواجهون بمفردهم المحطة النووية الإيرانية-الكورية الشمالية في سورية، وقد شكلت هذه الخطوة تخلياً عن المسؤولية الأميركية، ومثالاً مؤسفاً لخلفه.

لم يخطئ بوش باتباعه أجندة طموحة في مجال السياسة الخارجية، بل بإخفاقه في تثقيف البلد حيال جدوى هذه الأجندة وضرورتها، ومن ثم قراره التراجع عنها أكثر من اللازمة على الأرجح. فكان يلزم تطبيق عقيدة بوش وأجندة الحرية بقوة أكبر، إذاً تكمن مشكلة بوش في أنه لم يكن "بوش" بما فيه الكفاية.

ربما لم يكن بوش على قدر المهمة التي رسمها لنفسه ولبلده، لكنّ أيا من الرؤساء لم يقترف الأخطاء في القرن الأخير؟ فقد خدع فرانكلين روزفلت نفسه بشأن ستالين. كذلك تبنت الصين الشيوعية وغزت كوريا الشمالية الجنوب خلال عهد ترومان، وانسحب ريغان من لبنان بطريقة شجعت النظام الإيراني والمجاهدين الآخرين على تبني فكرة أن الإرهاب فاعل.

لكن كل هؤلاء الرؤساء كانوا محقين من حيث المبدأ، شأنهم في ذلك شأن بوش، الذي يشبه إلى حد كبير ترومان، الذي فهم جيداً الصورة الكبيرة ووضع أسس سياسة خارجية أميركية ناجحة للعقود التالية، إلا أن ترومان، الذي كانت شعبيته أكثر انخفاضاً من بوش عندما ترك منصبه، حظي بخلف مسؤول وكفء، إلا أن بوش لم يحالفه الحظ في هذا المجال.

عاد حزب ترومان إلى السلطة بعد ثماني سنوات، فقد هُزم نائب الرئيس أيزنهاور، كما سيحدث مع خلف أوباما على الأرجح، وعندما عاد حزب ترومان إلى السلطة، انتقلت الشعلة إلى جيل جديد مع جون كينيدي، لكن ترومان هو مَن أشعل هذه الشعلة.

في تأبين ييتس، كتب و. هـ. أودن:

سر، أيها الشاعر، سر مستيقماً

إلى قعر الليل

بصوتك منطلق أبداً

الذي ما زال يُقنعنا بالفرح.

فمن الصوت الذي سيكون المنطلق الذي سيُقنعنا عام 2016 بالخروج من أعماق سياسة أوباما الخارجية والارتقاء إلى مستوى هذه المهمة التاريخية؟

* وليام كريستول

back to top