بين الصمت وقول الحق
كثيرة هي الأحاديث التي تدعونا إلى قول الحق شارحة فضل التمسك به وثواب الالتزام بذلك، وكثيرة هي الأحاديث التي تدعونا إلى الالتزام بالصمت واتخاذه منهاجا ومبدأ في الحياة والبعد عن اللغو وعما لا ينفع الناس.ويستغل فقهاء الأنظمة ذلك في "تطويع" الحديث الديني وتوجيهه يمينا ويسارا وفقا لهوى الحاكم وأوامره رغم تكرارهم للعبارة الشهيرة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، ولكن هذا لغيرهم أما بالنسبة إليهم فالأمر حلال حلال.وعلى سبيل المثال ففي وقت الانتخابات الرئاسية تجدهم يشبهونها بالشهادة "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، ويدعون الشعب لضرورة الذهاب إلى صناديق الانتخابات أو الاستفتاء للإدلاء بصوتهم، وإذا ما جاء الحديث حول سياسة الحكم أو انتقاد الحاكم أو ما يعرف بالمعارضة أصبح النقد فجأة من لغو الحديث ومما لا ينفع الناس، ويجب الكف عنه، وصار التزام الصمت واجبا شرعيا وأمرا دينيا "وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم"، هكذا هي حال الفقهاء بين قول الحق والصمت. ومن الناحية السياسية وباعتبار الوضع المصري بعد 3 يوليو 2013 غنيا بالمواقف السياسية التي تستدعي التأمل الفكري وتستحق التوقف عندها سنذكر مثالا واحدا لتوضيح الفكرة.يتذكر الجميع المؤتمر الصحافي الذي عقد في ديسمبر 2013 وأعلن النظام فيه اكتشاف علاج جديد لمرضى فيروس "سي" و"الإيدز"، ورغم أن الإعلان جاء مخالفا لكل الأعراف والتقاليد العلمية والطبية ونال رفض جموع الأطباء وسخريتهم فإن وزارة الصحة ونقابة الأطباء (الجهتان المسؤولتان عن الرعاية الصحية ومراقبة الأطباء) التزمتا الصمت التام وكأن الأمر لا يعنيهما، وكان المفترض أن يبدأ استخدام العلاج بعد 6 أشهر وتم التأجيل مرة واثنتين ولم ولن يبدأ؛ لأنه لا يوجد علاج أصلا، والأمر لا يتعدى دغدغة مشاعر المواطنين وبيع الوهم والزيف لهم من أجل مكاسب سياسية، واليوم فقط بدأت نقابة الأطباء بالتحقيقات اللازمة بما في ذلك ادعاء مكتشف العلاج أنه طبيب!!فهل كان صمت الوزارة والنقابة طوال هذه المدة التزاما بالبعد عن اللغو أم أن قول الحق كانت تكلفته باهظة وثمنه غاليا لا تستطيع دفعه؟ وما القاعدة الشرعية أو الأخلاقية التي دفعتها لالتزامه طوال هذه المدة؟ اللهم أنر عقولنا واشرح صدورنا واجعل الحق طريقنا وإمامنا.