من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 2)

نشر في 27-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-10-2014 | 00:02
من دمشق إلى حائل على ظهور الإبل
في 16 ديسمبر 1913

انطلقت رحلة غيرترود بيل من دمشق، ميممة حائل بقافلة مكونة من 17 بعيراً محملة بالمؤن والخيام، وثلاثة جمّالين، وطباخ، ومرشد، وقد تلقت تحذيرات عن المخاطر المحتملة، وبالرغم من أخذها الحيطة والحذر في ترحالها، فإن المخاطر واكبت رحلتها: حين هاجم قافلتها بعض الفرسان وسلبوا أسلحتها وذخيرتها عنوة، وانتظرت أسبوعاً حتى أعاد أحد شيوخهم ما سُلب، ثم اعترض طريقها مسؤول عثماني لمنعها من السفر؛ وبعد 10 أيام من المفاوضات المضنية، تمكنت من إقناعه بالسماح لها بالسفر.

وعند مرورها بأراضي إحدى القبائل اعترض طريقها شيخ تلك القبيلة، ولم يسمح لها بالمرور، بحجة أنها "نصرانية"، واقترح سراً على رجال قافلتها قتلها وتقاسم حاجاتها، وفي حائل ظلت غيرترود بيل حبيسة في قصر برزان قرابة 11 يوماً، وقد سجلت معاناتها في يومياتها يوماً يوماً.

وكانت، مع كل تلك المصاعب، مفعمة بالحيوية والحماسة، وقد شدها جمال الطبيعة في صحراء النفود، وكثيراً ما اعتقدت أنها دخلت إلى كوكب آخر، وأنها تعيش أجواء "ألف ليلة وليلة" الحقيقية.

وتستعرض بيل في ما يلي يومياتها وإعداد الرحلة من 26 نوفمبر 1913 إلى 2 ديسمبر من العام نفسه.

الأربعاء 26 نوفمبر 1913

لم يتمكن فتوح (1) من اللحاق بالقطار القادم من حماة؛ لذا لن يصل الليلة إلى دمشق، فذهبت إلى البنك وفي طريقي عرّجت على سوق الحميدية الشعبي، ووجدته يخضع لعمليات الترميم، زارني محمد البسام (2) وتحدث معي عن الصحراء، وأبلغني أن أوضاعها مطمئنة.

سأشتري جمالاً جيدة للركوب من هنا وكل شيء على ما يرام، ويرى البسام أن الرحلة إلى نجد ووادي الدواسر ستكون ميسرة، لكنها ليست كذلك إلى عسير.

ما زال ابن رشيد قوياً وتتسم علاقاته مع ابن سعود بالسلام، أما ابن شعلان فيسيطر على الجوف، وتحدث البسام بفخر عن الطاسة الفضية التي أهداها إليه خليل، وذكر لي أنه أشترى أراضي في نصيبين، وذكر أنه تشاجر مع محمد النعمان الذي ما برح يثير الشقاق بينه وبين ابن شعلان، وسألني عن مستقبل تركيا، وذكر أن شعب البصرة يرغب في الحماية الانكليزية.

بعد تناول الغداء ذهبت لزيارة مير طاهر وهو بدوره شجعني على الرحلة الصحراوية، ومن المرجح أن ولْد علي في موقع قصي في الشرق لا على الطريق الذي سأسلكه، وأشار علي البسام بأن أذهب إلى فواز الفايز [شيخ بني صخر] عند مروري بديار بني صخر، وذكر مير طاهر أن سورية لم تشعر بالحرب ما عدا التقلص في تجارتها.

حدثني السيد برنتون عما تود الحكومة القيام به في لبنان من تشجير لأراضيه، ولكنها ستصطدم بكثير من العقبات لأن معظم الأراضي يملكها رجال الدين الكهنة، وكذلك يملكون قطعانا كبيرة من الماعز التي تتغذى على شجيرات خاصة، وأشار إلى أنه لا يوجد بيت قد بني في سورية دون التضحية بمعزة. ولحم الماعز غذاء رئيس للناس هنا.

الخميس 27 نوفمبر

 وصل فتوح اليوم، وذهبنا لنرى محمد البسام وزوجته، وزوجة البسام امرأة نجدية جميلة، جاءت إلى دمشق عبر الطائف ومكة [المكرمة] والمدينة [المنورة] قبل 8 سنوات، ومن الصعب فهم حديثها، الذي يتخلله كثير من الدعاء إلى الله، لديها صبيان، وقد سافر الأكبر إلى بيروت للسياحة، بعد تناول الغداء الذي أعده فتوح ذهبت لزيارة الآباء اليسوعيين وقابلت بورغين- رجل إنكليزي- وقال لي إنه سيكرس نفسه لحوران، وقال إنه ينتظر حتى تنمو لحيته، والتي لا أعتقد أنها ستنمو بسرعة، ومن ثم عدت إلى المنزل جائلة بين الأسواق الشعبية ووصلت إليه الساعة 5 مساء. وبعد ذلك لعبت البريدج.

الجمعة 28 نوفمبر

 مررت بالمسجد وأنا في طريقي إلى البنك، زارني اليوم في بيتي محمد النعمان وعبد الله الخلف، وذكر محمد النعمان أن هناك خلافا بين ابن شعلان وابن رشيد (سعود بن رشيد) والعلاقات بينهما سيئة، وأضاف قائلا إن عبدالعزيز بن سعود يسيطر على نجد وفي القريب العاجل سيستولي على حائل.

سأزور زوجة الوالي مدام عارف بيك، امرأة مثيرة للاهتمام للغاية، ابنة لمصري لكنها في الأصل من كافالا التركية. تقول إن الحكومة تلقي بظلال أجنحة شرورها على الأتراك، وإنه لا حديث عن الإصلاح في الأناضول، وشكت بمرارة من لجنة البلقان، وتمنت لو تم تعيين مفتش عام انكليزي للمناطق الأرمينية لبحث مظالمها، وأشارت إلى أن الحكومة تدرك مظالم الأكراد، وحصل الأرمن على الأراضي التي اشتروها، وعارف بيك هو عربي من ماردين؛ وكان واليا على البصرة وأحبت زوجته البصرة وناسها وبشكل خاص المرأة، وذكرت أن النساء هناك كأي امرأة مسلمة- في الكتب الأجنبية- لا يقمن بأي عمل على الإطلاق، ولا حتى تمسك الإبرة في خياطة ملابسها، ومعظمهن أميات لا يستطعن القراءة، ومدام عارف لديها مربية انكليزية هي الآنسة غرين.

وبعد تناول الغداء أخذنا نجول حول أسوار المدينة بصحبة السيدة برونتون واحتسينا فناجين القهوة في مقهى بالقرب من باب السلام، ثم أكملنا جولتنا حتى العصر عندما حان وقت تناول الشاي وجاءنا شكري بيك العسلي، وهو مدير باب عبدالوهاب، وتجاذبنا أطراف الحديث مع علي أفندي، وناقش شكري في شعورهما نحو الوحدة العربية ودور الشيوخ الكبار في هذا الصدد.

 وتطرقا إلى نواف بن نوري الشعلان بأنه متعلم جيدا وسياسي ماهر، وذكرا أيضا أن مباركاً [حاكم الكويت] قد دعا سعود بن رشيد وعبدالعزيز بن سعود لمؤتمر عربي يعقد في الأحساء أو الكويت لمعالجة القضايا العالقة بين العرب حسب القانون، وقال شكري إنه لا توجد حرية في ظل حزب الاتحاد والترقي، في هذه الأثناء جاءنا مير طاهر ولم أكشف له عن خططي وحاولت خداعه، وفي المساء تناولت العشاء مع عائلة مكينون.

السبت 29 نوفمبر

 ذهبت إلى محمد البسام، ومن حسن الحظ التقيت محمد المعراوي في منزله، وفي غضون ذلك قابل علي الساعي محمد النعمان في المقهى القريب من الفندق، وجلس معه في الشمس، وأقسم أنه كان يحبني أكثر من حبه لأطفاله، وقال: «وحياة النبي محمد والنبي عيسى» وهو يناشدني بأن آخذ محمد المعراوي معي في رحلتي. انضم إلينا وكيل عبدالرحمن وتحدثنا عن رحلتنا في الثلج- سنة الثلج. بعد الغداء خلدت إلى النوم (قيلولة) وكتبت على بطاقة موجهة إلى السيدة دفي بأنني قمت بشراء 12 بعيرا.

الأحد 30 نوفمبر 1913

 خرجنا في طقس ممطر مع عائلة برنتون إلى المسجد، وبقينا هناك حتى الظهر، وفي وقت العصر زارني محمد البسام وأمضينا وقتا طويلا ونحن نتجاذب أطراف الحديث ثم تحدثت إلى السيد براي.

الاثنين 1 ديسمبر 1913

قمت بالتسوق في الصباح وقمت بزيارة محمد باشا آدم الذي لم يكن وديا على الاطلاق، رجل مسن ذو أفكار رجعية يستهين بالحركة القومية العربية، وبعد تناول الغداء دار نقاش طويل بين الدكتور عبدالرحمن، وجورج أفندي، وعبدالوهاب عن التحرك القومي العربي: فقد دعا السيد طالب النقيب (3) من البصرة إلى اجتماع لشيوخ العرب وهم: الشيخ مبارك (حاكم الكويت)، والشيخ ابن شعلان [شيخ الرولة] والشيخ [ابن سعدون] شيخ المنتفق، والسلطان عبدالعزيز بن سعود [سلطان نجد]، و[الشيخ خزعل] شيخ المحمرة. وسيجتمعون في غضون شهرين في الكويت.

 أما إمام اليمن فليس له أهمية أو غاية، وأما ابن رشيد فقد أعلن أنه سيرسل من يمثله ولكنه أبدى فتوره، وقد ضاعفت الحكومة التركية دعمها له، كما أنها زودت شريف مكة [المكرمة] بالمدافع والهدايا، وذكر أن أحد أبنائه سيمثله في مؤتمر الكويت، وذكر أن مشهور بن فواز الفايز شيخ بني صخر من الوحدويين العرب الأشداء، وقال عبد الرحمن: «لأول مرة أصبحت الصحراء موحدة منذ زمن النبي محمد»، وأضاف أن جميع الأسر القيادية هي وحدوية هنا، أو على الأقل جميع الشباب مثل عائلة عطا بيك الكيلاني.

الثلاثاء 2 ديسمبر 1913

قمت بزيارة زوجة محمد البسام، التي قالت لي إنها لم تغادر المنزل منذ أن أتت إلى دمشق الشام سوى مرتين، حين زارت المسجد «الأموي» الكبير، وأشار محمد البسام إلى اجتماع الشيوخ المزمع عقده، بقوله لا طائل من ورائه، لأنهم لن يتفقوا، ثم تناولتُ الغداء في السوق الشعبي مع عائلتي برونتون وبراي والسيد برايس.

وذهبت لزيارة عائلة عطا بيك الكيلاني الودودة، ووقت المساء زارني السيد لويتفيد Loytved لتناول العشاء، وقال إن إنكلترا متمثلة بكل شيء هنا، فالمثال المصري موجود، وليست لدينا الخدمة العسكرية، وحرية التجارة، ويلعب كمبرباتش دورا كبيرا، ويشهد له ذلك بإصراره على فتح ناد وحدوي في بيروت، وشجع ديفي الاتجار بالأسلحة مع الدروز، ويرى أن وجود فرنسا يشكل خطرا علينا، وخاصة على نفوذنا في مصر.

الهوامش

(1)- فتوح من أهل حلب عربي مسيحي كان قد رافق بيل في إحدى رحلاتها السابقة، وكان طباخها الخاص. أصيب بحمى ولم يستطع مرافقتها في بداية رحلتها، وعندما كانت في دمشق أدخلته المستشفى، واتفقت معه عندما يشفى أن يقابلها في زيزيا بعد ثلاثة أسابيع، بالقرب من سكة الحديد، وفعلا التقاها ورافقها في رحلتها إلى حائل. [المترجم]

(2)- اشتهر الشيخ محمد بن عبدالله البسام – من أمراء العقيلات – بكرمه، وسعة اطلاعه، ومعرفته بتاريخ الجزيرة العربية وقبائلها، وذكر محمد السيف أن البسام «يُعد واحداً من أشهر وأكبر تجار العقيلات في أواخر القرن الـ 19 والعقود الأولى من القرن الذي تلاه، وقد اتخذ من دمشق موطناً ومستقراً ومركزاً لتجارته الواسعة، الممتدة من بغداد شرقاً إلى القاهرة غرباً، وإلى القصيم جنوبا».

وعدّه أوبنهايم- الدبلوماسي والباحث الألماني- المعاصر له بأنه من أكثر تجار العالم العربي في القرن التاسع عشر أهمية، وذكر أن مؤسساته التجارية قد توزعت بين مكة وجدة ودمشق وبغداد والقاهرة وطرابلس وبومباي (في الهند). ويُعزى الفضل للشيخ محمد بن عبدالله البسام في اكتشاف طريق دمشق- بغداد وتمهيده للسيارات.

وأشار خبر صحافي نشر في صحيفة «الأهرام» بتاريخ 14 أكتوبر 1925م إلى «توقف الشيخ النجدي المعروف محمد عبدالله البسام عن تأمين طرق السيارات بين دمشق وبغداد، لتوقف الاشتراكات التي تمنحها الشركات والمؤسسات التي تستخدم الطريق المهم لوكالته...». [المترجم]

(3)- السيد طالب باشا النقيب (1871 - 1929م) هو زعيم عراقي عروبي، كانت أسرته تتولى نقابة أشراف البصرة، درس القرآن والعلوم واللغة العربية على أيدي معلمين خصوصيين، ثم تعلّم اللغات: التركية والفارسية والإنكليزية وشيئا من اللغة الهندية.

عرف عنه إنفاقه المال بسخاء على الفقراء، عيّن عام 1901 متصرفا [محافظا] للواء الإحساء، واستقال من المتصرفية بعد سنتين، ثم عاد إلى الأستانة [إسطنبول]، انتخب عام 1908 عضوا في مجلس «المبعوثان» العثماني [البرلمان] وأعيد انتخابه عام 1912 وعام 1914. وفي عام 1909 أسس الحزب الحر، وبعد فوزه بستة مقاعد في مجلس المبعوثان عام 1914، طالب بحقوق العرب في الحكم، والمساهمة في الوظائف العامة.

وعند دخول القوات البريطانية إلى البصرة عام 1914، اعتقل النقيب ونفي إلى بومباي، نظرا لمعارضته الاحتلال الإنكليزي، وأمضى في منفاه خمس سنوات، عاد بعدها إلى البصرة، وأصبح أول وزير للداخلية في تاريخ العراق في أول حكومة عراقية انتقالية برئاسة عبدالرحمن النقيب (1920 -1921)، وكان مرشحا قويا لتولي عرش العراق؛ إلا أن بريطانيا أدركت أنه ليس رجلها المناسب، بل يشكل خطرا عليها، لأنه قوي الشخصية وعروبي الانتماء؛ فقامت بإنهاء دوره السياسي بنفيه مرة أخرى خارج العراق لإبعاده عن منافسة الملك فيصل، ولم يرجع إلى العراق إلا عام 1925 (بعد أن أمضى 4 سنوات في المنفى)، وتوفي في مستشفى بألمانيا عام 1929م، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير. [المترجم]

ملخص رحلة غيرترود بيل

16 ديسمبر 1913 غادرت دمشق إلى بادية الشام باتجاه الشرق.

20 ديسمبر 1913 وصلت جبل سَيْس، وأقامت هناك للتزود بالماء والعلف للرواحل، ورحلت باتجاه الجنوب.

24 ديسمبر 1913 وصلت إلى منطقة قصر برقع، بعد محاولات سلب من بعض البدو، وقامت بنسخ آثار قديمة في القصر.

28 ديسمبر 1913 خيّمت في ديار قبيلة الرولة بالقرب من جبل الدروز.

31 ديسمبر 1913 وصلت إلى قصر الأزرق بالقرب من مصادر المياه.

2-7 يناير 1914 أقامت بالقرب من قصر الحرّانة ودرست آثاره هو وقصر عمرة.

7 يناير 1914 التقت خادمها فتوح في منطقة زيزيا، ومنعها المسؤولون الأتراك من السفر، فأقامت لمدة 10 أيام هناك.

17 يناير 1914 تم السماح لها بالمغادرة وذهبت إلى قصر الطوبة ودرست آثاره.

19-25 يناير 1914 اجتازت وادي باير، بحثا عن مصادر المياه المجهولة، مرورا بديار القبائل البدوية.

25 يناير 1914 وصلت إلى مضارب قبيلة الحويطات ومكثت في مضارب القبيلة مدة 9 أيام تتنقل بين عدة عائلات وأفخاذ منها، والتقطت مجموعة من الصور لرجال ونساء من القبيلة.

2 فبراير 1914 غادرت بصحبة رجل (رفيق درب) لضمان حمايتها من القبائل التي تمر في ديارها، وهي في طريقها إلى صحراء النفود الكبير.

9 فبراير 1914 واجهت تهديد بالغزو.

10 فبراير 1914 دخلت صحراء النفود الكبير.

19 فبراير 1914 عبرت الطرف الجنوب الشرقي لصحراء النفود – وتعد أول أوروبية سلكت هذا الطريق- ورسمت خرائط لموارد المياه في السهول الجرداء.

22 فبراير 1914 شاهدت أول قرية مأهولة منذ شهر.

25 فبراير 1914 وصلت إلى حائل تحت حكم ابن رشيد، وظلت تحت الإقامة الجبرية لمدة 12 يوما، وخلال إقامتها تعرفت على بعض نساء آل رشيد.

7 مارس 1914 سمح لها بمغادرة حائل، واتجهت شمال شرق عن طريق الحيانية إلى النجف فبغداد.

17 مارس 1914 وصلت إلى ديار قبائل رعاة الأغنام غرب الفرات.

23 مارس 1914 وصلت إلى النجف، وبعد 5 أيام، وعبر كربلاء وصلت إلى بغداد.

12 أبريل 1914 غادرت بغداد إلى بابل، حيث التقت علماء آثار ألمان.

23 أبريل 1914 في طريقها إلى دمشق عبر الرمادي وقابلت الشيخ فهد بيك الهذال شيخ عنزة.

1 مايو 1914 وصلت إلى دمشق بعد رحلة مرهقة على ظهور الإبل دامت أربعة أشهر ونصف الشهر.

من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 1)

back to top