شعراء ملتقى الثلاثاء أحيوا «يوم الشعر» في جمعية الخريجين

أيها الشعر... نحن لولاك يتامى!

نشر في 20-03-2015
آخر تحديث 20-03-2015 | 00:02
ليس للشعر في يومه إلا أن يحضر، بأصوات شعرية ما زالت تتشبث بنداء حمزاتوف: «أيها الشعر، نحن لولاك يتامى!»، والذي افتتحت به الأمسية الشعرية في ملتقى الثلاثاء الثقافي، مساء أمس الأول في جمعية الخريجين، قبل كل قصيدة وبعدها!
ثلاثة عشر شاعراً كانوا يجيبون عن سؤال عنترة الذي أطلَّ مرتين: «هل غادر الشعراء من متردم؟»، ليطلقوا شوارد جفونهم مع المتنبي في عنوان الأمسية «ويسهر الخلق...»، والتي أحياها كل من الشعراء: دخيل الخليفة، سعد الأحمد، عبدالله الفلاح، بثينة العيسى، محمد المغربي، سعد الياسري، فهد الرديني، المغيرة الهويدي، محمد السالم، عائشة العبدالله، أحمد جميل، حمد الزمامي، ومخلص ونوس.

و«صاعداً إلى أسفل البئر»؛ ألقى الشاعر دخيل الخليفة من ديوانه الأخير قصيدتين: «شجرة تنبت ذاكرة» و«مقعد ثان للفراغ»، ومن الشجرة كان عش يفرد أجنحة، وثمة فأس يترصد ذاكرتها:

لو كنتِ تدركين المسافة بين عشك والأرض/ لو تصفحتِ القلب دون أن تهيلي التراب/ على عينيه المفتوحتين/ لأدركت أن هذه الشجرة تنبت في الذاكرة/ ولأشعلتِ حضنك/ لكل قمر يخلع قميص الليل الأسود/ ولأدركتِ أن مفردةً خائنة/ أسقطت الشجرة/ وبقي نشيجها يسيل على فأس الحطاب!

عتمة المعطف

أما الشاعر سعد الأحمد، فألقى قصيدتي «موت رجل أحمق» و«ظل يسترق السمع»، مسائلاً الموت الذي «لا يخطئ الأسماء» في الأولى:

وأنتَ كعادتكَ أيها الموت/ تلبي الدعوة/ وتخطئ العنوان/ زرتَ الكثيرين/ فمتى تستريحُ/ كي يزوركَ أحدهم؟

أما نصه الثاني «ظل يسترق السمع»، فكان ضاجاً بالغياب: حاول المصلوب على طول قامته/ المنسيُ في عتمةِ معطفه/ الشاحبُ من ذبولِ الكلماتِ في فمهِ/ أن يلخص القولَ/ بصرخةِ آه/ فلم يسمعهُ سوى ظله!

نصوص «الفلاح»

وبمجموعة مليئة بالغياب، ضاجة بالصور الإنسانية الممزقة، ومفعمة بضحكة في الذاكرة؛ أطلَّ الشاعر عبدالله الفلاح بنصوصه القصيرة، ومنها نصه المتقهقر بطفل بائس غاب في «خبر كان»:

 كان يفتش عن وطن وخبز وكتاب ومدرسة

كان يفتش عن وطن وخبز وكتاب

 كان يفتش عن وطن وخبز

 كان يفتش عن وطن

كان يفتش

كان.

ومن ذاكرة تجدد العهود، نصه الآخر: التي تعصمني من منفاي/ تركض دوماً بضحكتها/ لتمسح عني لون الغربة/ تقتسم معي سعادة البكاء/ وخمرة الأمل/ وحدها خلقت من ضلع معتدل.

صمت المكتفي

بعد إصدار مجموعة من الروايات التي لم يغب الشعر عنها، بدت بثينة العيسى متجردة أكثر من الحكاية، أكثر شبهاً لنفسها في ثلاثة نصوص قرأتها «جوع»، «اذهب إلى الحب»، إضافة إلى نصها المراوغ، الضاج بارتطام الآخر «نختلف»، ومنه: وكما أن صوتك لا يشبهُ صوتي/ فإن صمتك، لا يشبه صمتي/ ومثل الكلامِ الذي لا يفضي إلى كلامٍ/ نختلفُ في صمتنا كثيرًا/ يشبه صمتك صندوق الكنز في قاعِ المحيط/ صمتي يشبه تقافز السمك المذعورةِ في الشباك/ يشبهُ صمتك سوار الذهب الملتفّ على المعصم/ صمتي يشبهُ احمرارَ الجلدِ حول السوار/ يشبهُ صمتك مفرش الطاولة الذي يفيضُ بالزخارف/ صمتي يشبهُ حنين الطاولةِ إلى أمها الغابة/ صمتك الوردة، صمتي الأشواك/ صمتك صمتُ المكتفي/ صمتي صمتُ المنكفي/ كلانا يختنقُ من فرطِ المعنى/ كأنك تنقضني/ كأنني أرفضك.

القنطرة

وبعد غياب له من الزمن رواية ودواوين شعرية، أطلَّ الشاعر محمد المغربي بنصه «القنطرة»، من قصيدة «عبور الظلال»، والتي تداخلت الأساليب الشكلية في كتابتها، فراغاً وتدويراً ولهجة مباغتة للغة الفصيحة ونداءات تحمل أصواتها، محاوراً قصيدة لصديقه الشاعر حسين فخر، وكان لحبيبته «مي» حضورها في النص، ومنه: عِيني قامتيَ المكسورة/ يا«مي»/ وصلي من أجل فؤادي أكثرَ/ صلي من أجل عيوني أكثرَ/ من أجل العقل/ ويالكَ من رجل أغمد مشبوحَ العينين/ بكاءَ الناس بخاصرة القلب/ ونام بغير غطاءٍ/ سلَّمتُ عليكِ كثيرا في شعري/ وشكوت إليكِ/ شكوت إلى العينين المتعبتين الرائعتين/ على خوفٍ/ أمسكت أُقلامي/ وكسرت الحرف الأول/ وبدأت التأريخ بدون دماءْ.

لا نجاة من الغزل

وبعد انهيال الشعر ذكرى، وجداً، وفقداً؛ فاض غزلاً حسياً في قصيدتين للشاعر سعد الياسري: «ثلاث زجاجات لإغراق امرأة واحدة» و«قبلة أو قبلتان»، ما دفع الحضور ليطلب تكرار إلقاء قصيدته الثانية، والتي بليونة تثنيها كانت تنشر عطر الوطن: قسمًا بمنْ نفسي بأمرِ جلالِهِ/ مزجَ الحياءَ بماءِ فُحشِ خيالِهِ/ لو أنَّ لي جبلَ الحنانِ أسومهُ/ ما سمتُ إلاَّ في بلوغِ نوالِهِ/ أنوي، وأفعلُ ما أريدُ، ويشتهي/ ألاَّ أريدَ؛ وأنتهي لمآلِهِ/ يا مُتلفي، ومغيبي بغيابهِ/ ومظلِّلي، ومضلِّلي بضَلالِهِ/ ما ضرّ أنْ تهبَ المتيَّمَ قُبلةً/ أو قبلتيْنِ وتنتشي بوصالِهِ/ أو أنْ تجسَّ، بإصبعٍ، وجهَ النَّدى/ ليتيهَ فيكَ حرامُهُ... بحلالِهِ!

وسادة جامدة

الشاعر فهد الرديني ألقى قصيدتين ليعيد ذكرى تجربته الشعرية التسعينية حية، وهما «مما وقع عليه الضوء» و«الوسادة»، ومنها: ملح الخليج بعيد/ والشوارع مقفرة/ وحكايا العاشقين يجترها الوجد ويلفظها شبقا/ في العيون الجائعة/ آه يا عبق الأقحوان/ ويا تفاحة الصمت الطويل/ كل النوافذ موصدة/ من يلمح القمر المعفر بالخطايا والأفول/ من يمسح عنه هاجسه الرمادي/ حيث الدوائر والظل/ فالريح تزأر حين تحز الزوايا/ والمسافات انتظار وعظامي باردة/ الوسادة جامدة.

أسئلة الشعر

وبثلاثة نصوص شعرية، كان الشاعر المغيرة الهويدي ضاجاً بالأسئلة، يداول صور الذاكرة والمشاعر وآفاق أحلامه في سماء معتقلة، وأخرى تحتضن وجه امرأة ثائرة، ألقى «فوبيا» و«لم أفسر حبنا يوما» و«معلق على الأسلاك الشائكة»، ومنها: معلّقٌ على الأسلاك الشائكة/ كأنَّ الوطنَ جهةُ الريح منذ يومين/ ثمّ إذا تشبَّثتُ بالحديد الناتئ/ ورحتُ أكتب تاريخي الشخصي/ بالغبار والصدى/ تغيَّر اتِّجاه الريح وطرتُ/ كأنَّ الوطنَ هو الفراغ! ثمّ إذا تخلّيتُ عن فكرة الأوطان الثابتة/ صرتُ الرّيحَ/ أجرِّحُ نفسي كلَّما مررتُ بالأسلاك الشائكة!

أما الشاعر محمد السالم، فحملت نصوصه القصيرة ألماً مترنحاً لفرط البقاء، وجرحاً غائراً في الأمل، تداعت الصور فيها متتالية ومنها «بين عليّين، حيث الشوارع لا تفضي إلا إلى قيدٍ أو كفن»: لم نعُدْ نقوى على الكتمانِ: / كانت آخرَ ما خلق اللهُ/ أُمُّنا صدقة ٌجاريةْ/ بظفيرةٍ حُلْم خاطتنا إلى الأيام/ ولم تُسرف كثيراً في العبارةْ/ خديجةْ: تتكئُ على القصيدةِ وتتهجّاكَ سَلاما/ الوطنْ: سائقٌ مخمورٌ عجلاته تشكو العمى/ أنت وأنا: تفصيلٌ صغيرٌ لم تنتبه إليه جواري الوقتْ أو سيفُ القُبلة الأولى/ البيت: كنىً خرساءَ وأحضانُ الشرفاتِ لا تفضي إلى الله/ وعيناكَ معلقةٌ تتلو رخامَ المآذن في قُربان السبتْ/ ليسَ البيتُ ما ملأ الحقائبَ، يا أخي، البيتُ ما سار معك.

الفرح... هيئة ناقصة

وعلى نحو هادئ، سجلت الشاعرة عائشة العبدالله تداعي الفرح ناقصاً في قصيدتها الأولى، وملامح وحدة هازئة في قصيدتها الثانية، بلغة مكثفة، ومفردات تكفلت برسم الصورة الشعرية كاملة رغم تناقض دلالات كل منها:

كل شيءٍ يأتي على هيئة فرح/ يجيء ناقصاً/ وحده الألم ناضج الثمرِ/ كامل الدمعةِ/ عاري الثيابِ/ معتدا بنفسهِ/ لا يخدعك بلون/ ولا يعدك بشيء.! / نخلتاك فارعتان جداً أيها البعيد/ وأنا التي كنت أظنّ يوماً/ أن إكليل زهرٍ يهزمُ غابة/ صارت الأطواقُ المزهرةُ تشيخُ على عنقي/ وجيدي متصحّرٌ من فرط العطش/ أريدُ جرّة ماءٍ لم تجرّب التجول/ في حناجر صدئة/ أريدُ ارتواءً مستوياً / لا يخافُ ولم ينكسر/ نخلتاك غائمتان جداً أيها القريب/ فهل تفقأ كلّ هذا الضباب/ هل تجرحُ الزجاج المغبّش/ لأرى بك نفسي؟!/ كل شيءٍ يغرز دبوساً/ في شفاهِ الضحك/ كل شيءٍ يمرّ على هيئة فرح/ يعبرُ ناقصاً.

سمكة لا تحب البحر

أما حمد الزمامي، فباغت الحضور بقصيدتين، إحداهما ناقمة كذاكرة جرح طفل «سمكة لا تحب البحر»، والأخرى مفعمة بنصوص القلب «أمنية الفاصلة»: خذي ضلعاً من هنا اخلقي منه ناياً كما يجب واعزفيني أحب أن أكون أغنية حائرة في فمك* أحبُ التيه حين أسقى من دوامتيكِ* أحب المضيَّ حين تكونين المسافة* تعالي عطراً خطفته الريح لي حين شبَّ لي جناحان* تعالي كعنفوان الريح للفتى المأسور بين جُملتين.. سأفرد جناحيّ!*

واختتم الأمسية الشاعر مخلص ونوس بمجموعة نصوص قصيرة منها «لقد كبروا دون هوادة: الذين تركناهم صغارا/ يلعبون في الشوارع والساحات/ ومازلنا نظنهم كذلك/ شبّوا عن الطوق/ صارت أخبارهم تصلنا تباعا/ مَنْ مات بالسرطان/ ومن مات من البرد/ ومَنْ مات تحت التعذيب/ ومَنْ ركب البحر مهاجراً/ ومَنْ ما زالت أمّه تنتظره/ لقد كبروا دون هوادة/ فقط قلبي الصغير/ المطعون بكل ذلك/ ما زال معهم هناك/ يلعب في الشوارع والساحات.

جرب الظلم... وكتب

عبر ثلاثة نصوص شعرية تنقل بينها الشاعر أحمد جميل، حاور بها الشعر والوطن والذاكرة، ومنها «قصة الشعر/ الجرح»: كبُرَ، فجأةً صارَ ذا رأي يقول عن النار: إنها باردة وإن الأماكن العالية والحفر عكس حقيقتها، رفع خرطوم الماء المذاب وصب فوق يده لن تأذيني هذه المادة إنها مثلُ دمعِ الأطفال على وجوههم. بينما كان يقود دراجته سقط ثم سقطت فوقه ولأن دواسة القدم اليمنى مكسورةً وظاهرٌ منها سيخٌ حديدي ثقبت قدمهُ ولم يصرخ كي ينقذوه المشهد بالنسبة لهُ علامة حُبٍّ كما يحدث الآن مع حبيبين تحت الأنقاض لا أدري ماذا يطلق على مجموعة من الصغار يحاربون مجموعة أخرى ليسوا عصابةً لأنها لا تطلق إلا على رجالات المال تحت الشجر كان ينتظر عندما جاؤوا ومعهم السكاكين والجنازير السود، عرضوا عليه بعجبٍ حدتها فلم يعجبه قال: إنها لا تجري بخفةٍ فوق يدي، فسالت الدماء عند الطبيب ما الذي حصل؟ سأله قال: هل تهتمُ للمعنى مثلي لقد جربتُ الظلم على يدي ..

back to top