الاحتياطي الفدرالي ينصب فخاً آخر

نشر في 29-12-2014
آخر تحديث 29-12-2014 | 00:01
في أيام الفقاعات يشكل استمرار السياسة الاستيعابية الاستثنائية في نظام مالي مغرق بالسيولة، خطراً كبيراً، وهذا يمكن أن يكون الدرس المستفاد من التقلبات الأخيرة في سوق الأسهم والعملات، وبالطبع أسعار النفط المتهاوية.
 ستيفن س. روتش يسير الاحتياطي الفدرالي في طريق معتاد، وإن كان فائق الخطورة، فالاحتياطي الذي ينكر أخطاءه السابقة يتبع نفس المقاربة التدريجية التي ساعدت في تهيئة الأجواء للأزمة المالية سنة 2008- 2009، والعواقب يمكن أن تكون كارثية كذلك.

إذا نظرنا إلى الاجتماع الذي عُقِد في ديسمبر للجنة السوق المفتوحة الفدرالية، فسنجد أن المناقشات المتعلقة برفع مؤشر سعر الأموال الفدرالية كانت غامضة بدلاً من التركيز على أفعال واضحة.

وتنفيذاً للتوجيهات السابقة بإبقاء السعر عند الصفر لفترة طويلة بعد توقف الاحتياطي الفدرالي عن شراء الأصول طويلة الأجل في أكتوبر، أعلنت لجنة السوق المفتوحة الفدرالية أن لديها إمكانية لأن تنتظر حتى تتهيأ الظروف المناسبة لرفع السعر، وبالإضافة إلى ذلك أعلنت رئيسة الاحتياطي الفدرالي جانيت يالين أنه يجب، على الأقل، عقد اجتماعين آخرين للجنة السوق المفتوحة الفدرالية قبل أي رفع للسعر، ويبدو أن الاحتياطي الفدرالي يبعث برسالة مفادها أن الرحلة في اتجاه تسوية السعر ستكون طويلة.

إن هذا يحمل شبهاً غريباً لسيناريو 2004- 2006، وذلك عندما قادت مقاربة الاحتياطي الفدرالي التدريجية إلى الخطأ الفادح بقبول التجاوزات المتزايدة في الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي، وبعد الضغط على سعر الأموال الفدرالية، ليصبح أقل سعر في 45 سنة، وهو 1 في المئة، فبعد انهيار فقاعة الأسهم في بداية العقد الماضي، قام الاحتياطي الفدرالي بتأخير تسوية السعر لفترة طويلة جداً، وبعد أن بدأ أخيراً برفع سعر المؤشر، فإنه عمل ذلك بطريقة بطيئة للغاية.

في فترة الأربعة والعشرين شهراً من يونيو 2004، قامت لجنة السوق المفتوحة الفدرالية برفع سعر الأموال الفدرالية من 1 في المئة إلى 5.25 في المئة في 17 زيادة، تصل كل منها إلى 25 نقطة أساس، وفي الوقت نفسه فإن فقاعات الإسكان والائتمان كانت تتوسع بشكل كبير، مما أشعل الاستهلاك المنزلي الزائد على الحد وأدى إلى انخفاض كبير في المدخرات الشخصية، وعجز غير مسبوق في الحساب الجاري، وهذه الاختلالات هيأت الأجواء للانهيار الذي حدث بعد ذلك بوقت قصير.

والاحتياطي الفدرالي بالطبع برأ نفسه من أي لوم، فيما يتعلق بتهيئة الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي للأزمة العظيمة، فلقد جادل الرئيسان السابقان للاحتياطي الفدرالي آلن غرينسبان وبن برنانكه في أن العيب لم يكن في السياسة المالية، بل في انعدام الرقابة التنظيمية.

كان هذا الطرح مقنعاً للدوائر المالية والسياسية، مما جعل المسؤولين يركزون على مقاربة جديدة تتركز على ما يطلق عليه الأدوات الاحترازية الكلية، بما في ذلك متطلبات رأس المال، ونسب الرفع المالي من أجل الحد من المخاطرة المفرطة من قبل البنوك، وبالرغم من أن هذه المقاربة لها ما يبررها، فإنها غير كاملة، لأنها تفشل في التعامل مع سوء التسعير الفاضح للمخاطرة بسبب السياسة النقدية الاستيعابية بشكل يزيد على الحد وأسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً، والتي ولدتها تلك السياسة، وبهذا المعنى فإن المقاربة التدريجية الفدرالية من 2004 إلى 2006 كانت خطأ كبيراً في السياسة.

يبدو أن الاحتياطي الفدرالي يستعد لارتكاب خطأ مماثل، وربما أكثر خطورة في البيئة الحالية، فأولا، نظراً للمخاوف الحالية المتعلقة بنقاط الضعف وخطر الانكماش في مرحلة ما بعد الأزمة من المرجح أن يقوم الاحتياطي الفدرالي بإيجاد أي عذر لتطويل مرحلة التسوية التدريجية برتم أبطأ مما تبناه في العقد الماضي.

إن الأهم من ذلك أن الموازنة العامة للاحتياطي الفدرالي والبالغة 4.5 تريليونات دولار قد زادت خمسة أضعاف منذ ذلك الحين، وبالرغم من أن الاحتياطي الفدرالي قد توقف عن شراء الأصول الجديدة، فإنه لم يظهر أي توجه لتقليص أصوله الهائلة، وفي الوقت نفسه يبدو أن الاحتياطي الفدرالي قد سلم راية التخفيف الكمي لبنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي، اللذين سيخلقان سيولة أكثر في وقت تنخفض فيه أسعار الفائدة بشكل قياسي.

في أيام الفقاعات يشكل استمرار السياسة الاستيعابية الاستثنائية في نظام مالي مغرق بالسيولة، خطرا كبيرا، وهذا يمكن أن يكون الدرس المستفاد من التقلبات الأخيرة في سوق الأسهم والعملات، وبالطبع أسعار النفط المتهاوية، ومع وجود كل تلك المواد الملتهبة فإن من السهولة بمكان إيجاد الشرارة، والتي ستتسبب في الحريق القادم.

لقد ضلت البنوك المركزية طريقها، حيث لا تزال محاصرة بسبب ورطة أسعار الفائدة، والتي تبلغ صفراً والموازنات العامة المتضخمة، مما يعني أن البنوك المركزية الرئيسية في العالم لا تحمل استراتيجية فعالة من أجل استعادة السيطرة على الأسواق المالية أو الاقتصادات الحقيقية، والتي من المفترض أن تديرها، إن أدوات السياسات– سواء مؤشر أسعار الفائدة وموازنات البنوك المركزية- لا تزال في حالة طوارئ، على الرغم من انتهاء حالة الطوارئ قبل فترة طويلة.

وبينما نجحت تلك المقاربة في تعزيز الأسواق المالية، إلا أنها فشلت في معالجة الاقتصادات المتقدمة المصابة، والتي لا تزال غارقة في انتعاش اقتصادي دون المستوى ومخاطر الانكماش، علما أنه كلما طال أمد قيام البنوك المركزية بالترويج لفقاعات السوق المالي طال اعتماد اقتصاداتها على هذه الأسواق المتزعزعة، وضعفت الحوافز للسياسيين والسلطات المالية لمعالجة الحاجة إلى إصلاح الموازنات العامة وإجراء الإصلاحات الهيكلية.

نحن بحاجة إلى مقاربة جديدة، حيث ينبغي على البنوك المركزية تسوية سياساتها التي تولد الأزمات بأسرع وقت ممكن، وبالطبع فستعترض الأسواق المالية بصوت عال، ولكن ما دور البنوك المركزية إذاً إن لم تستطع مواجهة الأسواق واتخاذ الخيارات الصعبة والمنضبطة التي يحتاجها الإشراف الاقتصادي المسؤول؟

إن التوجيه المالي غير المسبوق للبنوك المركزية خلال السنوات الست الماضية كان حاسماً في تحديد أسعار الأصول في الأسواق الرئيسية على مستوى العالم، ولكن حان الوقت الآن لقيام الاحتياطي الفدرالي ونظرائه في أماكن أخرى بالتخلي عن التوجيه المالي، والبدء بتحريك الأدوات التي سيحتاجون إليها للتعامل مع الأزمة القادمة المحتومة، ومع أسعار الفائدة التي تصل إلى صفر والموازنات العامة المتضخمة فإن ذلك بالضبط ما يفتقدونه.

* عضو هيئة التدريس في جامعة يال ورئيس سابق لــ"مورغان ستانلي آسيا" وهو مؤلف كتاب "انعدام التوازن: الاعتماد الثنائي المفرط بين أميركا والصين".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top