آلاف المشيعين ودَّعوا «سيدة القلوب» فاتن حمامة في موكب جنائزي مهيب

نشر في 19-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 19-01-2015 | 00:02
صدمة الوفاة بين الشائعة والحقيقة... رفقاء الدرب عبروا عن حزنهم الشديد لرحيلها

في جنازة مهيبة، ودّع المصريون، أمس، أسطورة السينما المصرية فاتن حمامة، بعدما خرج جثمانها من مسجد الحصري في منطقة 6 أكتوبر، ليوارى الثرى بمقابر العائلة، في مشهد حاشد ضم الآلاف من معجبيها ومحبيها الذين حرصوا على توديعها، بعدما ارتبطوا بأعمالها السينمائية الخالدة.
ورغم احتفال سيدة الشاشة العربية، بعيد ميلادها الـ83 في مايو الماضي، فإن خبر وفاتها مساء أمس الأول تسبب في صدمة للوسط الفني، وخاصة مع تضارب الأخبار عن صحة خبر الوفاة ونفي المقربين منها في البداية.
الفنانة فاتن حمامة كانت قد أجرت آخر اتصال مع الفنانة سميرة عبدالعزيز صديقتها المقربة ورفيقة مشوار حياتها قبل ساعات من رحيلها، وكانت حينها بصحة جيدة، ما جعل سميرة تنفي خبر الوفاة في البداية، قبل أن تخرج بنفسها لتؤكد صحة الخبر.
المؤكد أن حالة فاتن حمامة الصحية كانت مستقرة حتى قبل وفاتها بلحظات، حيث تناولت الغذاء مع زوجها، وبعدها شعرت بآلام حادة في أنحاء متفرقة من جسدها، غير أنها فارقت الحياة في هدوء، وقبل أن يصل الأطباء إلى منزلها، حيث عانت من مشكلات صحية بالقلب والدورة الدموية قبل عدة أشهر، استلزمت وجودها في غرفة العناية الفائقة بأحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة، قبل أن تخرج وتبقى تحت الملاحظة الطبية خلال الأسابيع الماضية.

المؤكد الآخر أن "سيدة القلوب" قد رحلت، "وجه القمر" الذي أضاء مشاعرنا بكل الأحاسيس والمعاني الجميلة، فاتنة السينما العربية التي أصبحت سيدتها ونجمتها، وأهم بصماتها وأحلى أدوارها، الهانم التي منحتنا خلاصة موهبتها وكل حبها للفن.

رحلت من أعطتنا "موعد مع السعادة"، حينما أطلت علينا وهي طفلة لم يتعدّ عمرها 6 سنوات في فيلم "يوم سعيد"، لتصبح بعدها النجمة التي عشنا معها "أيامنا الحلوة" بدموعها وضحكاتها الرقيقة، رحلت من كانت تدعونا دائما للسباحة معها في "نهر الحب"، مؤكدة دوما أن "القلب له أحكام"، بينما شخصياتها الدرامية ستظل محفورة في الوجدان والذاكرة بعد رحيلها.

فاتن حمامة، قطعة من قلب وعقل السينما العربية، الأسطورة التي قدمت لنا وصلة إبداع ممتدة عبر مشوارها الطويل مع التمثيل، فمن بين 94 فيلما لها، تم اختيار 18 ضمن أفضل 150 فيلما أنتجتها السينما المصرية، كما تم اختيارها كأفضل ممثلة في الاستفتاء الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي قبل سنوات لاختيار أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، إذ تصدرت قائمة أفضل الممثلات برصيد 10 أفلام من بين 100 فيلم اعتبرها النقاد هي الأبرز في تاريخنا السينمائي، وهذه الأفلام هي "ابن النيل" و"صراع في الوادي"، إخراج يوسف شاهين، "لك يوم يا ظالم" لصلاح أبوسيف، "المنزل رقم 13" إخراج كمال الشيخ، و"دعاء الكروان" و"الحرام" لبركات، "أريد حلا" لسعيد مرزوق، و"أيامنا الحلوة" لحلمي حليم، و"بين الأطلال" إخراج عزالدين ذوالفقار، وأخيرا "إمبراطورية ميم".

 الميلاد

ولدت فاتن في مدينة المنصورة في 27 مايو عام 1931، ووالدها هو الراحل أحمد حمامة الذي كان يعمل بوزارة المعارف، وترتيبها الثاني بين أشقائها، إذ كان لها ثلاثة إخوة أكبرهم منير حمامة الذي عمل ضابطا بالجيش، إضافة إلى شقيقتها الصغرى ليلى حمامة، والأصغر مظهر حمامة.

الطريف أن من أطلق هذا الاسم عليها هو شقيقها منير الذي كان يكبرها بعامين، رغم ندرة اسم فاتن في تلك الفترة، وكان قد اختاره منير لـ "عروسته اللعبة" التي كان يحرص على أن تنام بجواره دائما.

كان والدها مجرد موظف بسيط في وزارة التربية والتعليم، يحلم لها بأن تكون ذات شأن كبير، لأن الشقاوة كانت تطل من عينيها مصحوبة بشعاع فسّره كل من يراه بأنه نوع من الذكاء الممزوج بالفطرة الجميلة، لذا كان يحرص على اصطحابها إلى السينما بالمنصورة لمشاهدة الأفلام.

وفي يوم لن تنساه السينما، أخذها والدها لمشاهدة أحد الأفلام، حيث كانت الصغيرة مبهورة لدرجة السحر بعالم السينما وقصصها ونجومها، وكان الفيلم بطولة الفنانة آسيا داغر، وبعد انتهاء الفيلم بدأ الجمهور يصفق بشدة إعجابا بالفيلم وبطلته، فنظرت الصغيرة لوالدها وقالت ببراءة: بابا أنا حاسة إن الناس دي بتصقف لي أنا؟

أدركت الطفلة الصغيرة ما تمثله السينما بالنسبة إليها من أهمية خاصة، لكنها لم تطرقها، بل إن السينما هي التي جاءت إليها، عن طريق المصادفة، فعندما كان عمرها 6 سنوات قرر والدها الاشتراك في مسابقة أجمل طفلة، فاشترى لها فستانا أنيقا، وذهب معها إلى استديو تصوير بالمنصورة لالتقاط صورة لها، ثم أرسل الصورة للمجلة التي كانت تجري الاستطلاع، لتفوز فاتن حمامة من بين نحو 100 طفلة اشتركت في المسابقة، وتصدرت صورتها الغلاف.

مصادفة

وبالمصادفة، رأى المخرج محمد كريم صورتها في الوقت الذي كان يبحث فيه عن طفلة "معجونة بميّة العفاريت" تشارك الموسيقار عبدالوهاب عدة مشاهد في فيلم "يوم سعيد" (1940)، فقرر إرسال مندوب لوالدها في المنصورة من أجل إحضارها والقدوم معها للاتفاق على تفاصيل التعاقد، وترشيحها للفيلم، وهي الخطوة التي كانت بداية المشوار للطفلة فاتن حمامة في السينما المصرية.

وجد المخرج محمد كريم شيئا ما يجذبه لهذه الصغيرة، وطلب منها أن تقوم بإلقاء نشيد أمامه، ليختبر صوتها وقدرتها على الأداء، فوجدها تسرد له 10 أناشيد وليس نشيدا واحدا، كما طلب منها.

فوجئ كريم بموهبتها الفائقة وعفويتها الصادقة وقدرتها على التركيز وحفظ الحوار، فقرر إسناد عدة أعمال سينمائية لها، وبعد 4 سنوات، عملت مع كريم في فيلم "رصاصة في القلب" لعبدالوهاب أيضا (1944)، حيث قام المخرج المصري بالتواصل مع عائلتها مرة أخرى، لتكون في الفيلم لإيمانه بأنها ستكون نجمة لها بريق خاص.

فقدت فاتن متعة الطفولة مبكرا، بعدما أصبحت نجمة وهي في سن صغيرة، فحظيت بمعاملة مميزة في مدرستها من زملائها ومدرسيها، بينما ساهمت إقامتها بعيدا عن القاهرة في اعتذار والدها عن عدة أعمال رشحت لها بسبب المدرسة والامتحانات، وصعوبة التصوير خلال الدراسة، لتكتفي بعملين في العام كانت تقوم بتصويرهما خلال العطلة الصيفية.

أدرك والدها أن استمرار وجودهم في المنصورة سيعيق ابنته عن استكمال مسيرتها بالتمثيل، وخاصة مع تلقيها عروضا عدة سينمائية للمشاركة كطفلة، فقرر نقل عمله إلى القاهرة ونقل أسرته كلها.

 بداية المشوار

بدأت الأضواء تحاصر فاتن حمامة، والاهتمام بها يتحول إلى أخبار وقصص ومقابلات، وأنها ضربت موعدا مع النجومية المبكرة، ولفتت نظر الفنان يوسف وهبي، فطلب منها أن تكون ابنته في فيلم "ملاك الرحمة" (1946)، ومن هذه اللحظة أصبح اسم فاتن حمامة ماركة مسجلة في أدوار الميلودراما التي برعت فيها بصورة غير عادية.

قدمت فاتن خلال تلك الفترة من حياتها مجموعة من الأفلام التي أطلت فيها كطفلة صغيرة، إلى أن التحقت بالدفعة الأولى من معهد التمثيل الذي أسسه الفنان الراحل زكي طليمات، فكانت الأصغر سناً من بين دارسي المعهد في الدفعة التي كان من بينها عدد من عمالقة السينما لاحقا، ومنهم فريد شوقي، نعيمة وصفي، شكري سرحان وحمدي غيث.

بذل طليمات مجهودا كبيرا مع فاتن لتدريبها على التمثيل، بسبب عدم نطقها حرف "ر" بطريقة صحيحة، الأمر الذي أفادها في تعلّم اللغة العربية الفصحى والحديث بها وبطلاقة لاحقا.

قررت فاتن الاستمرار بالتمثيل، بدعم من عائلتها التي آمنت بموهبتها الفنية، وخاصة بعد الإشادة التي حصلت عليها من الفنان الكبير يوسف وهبي، بعد مشاركتها معه في فيلم "ملاك الرحمة"، إذ كان من الصعب إقناع فنان بحجم يوسف وهبي أن تشاركه البطولة شابة صغيرة مازالت على أعتاب المراهقة، ما لم تكن تملك الموهبة، فرشحها للمشاركة في ثلاثة أفلام هي "كرسي الاعتراف" و"اليتيمتين" و"ست البيت"، وذلك بين عامي 1947 و1949.

حققت فاتن من خلال هذه الأفلام نجاحا كبيرا، مكّنها من أن تضع شروطا خاصة بها، من بينها عدم ارتداء المايوه رغم تحرر الفنانات في تلك الفترة، إضافة إلى عدم التقبيل مطلقا في السينما.

في عام 1952 قامت بالبطولة في فيلم "لك يوم يا ظالم" مع المخرج صلاح أبوسيف، والذي شارك في مهرجان كان السينمائي الدولي كما شاركت في أول فيلم للمخرج يوسف شاهين، وهو "بابا أمين" عام 1950، ثم صراع في الوادي عام 1954، والذي شارك في مهرجان كان، وشاركت في أول فيلم لكمال الشيخ، وهو المنزل رقم 13، وفي عام 63 حصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "لا وقت للحب" مع رشدي أباظة.

 القلب له أحكام

قلب فاتن كان يخطف القلوب منذ أن كانت في المنصورة، وتحديداً عندما شاهدها ضابط وقرر معرفة عنوانها ليتقدم للارتباط بها، لكنها لم تحبه، رغم أنه صارحها بحبه لها وتمسك بها، وقام بإرسال أول خطاب غرامي لها، لكنها صارحت والدتها من اللحظة الأولى وأغلقت الموضوع سريعا، وعادت للانتظام في دراستها.

الخطاب الثاني كان من معجب سوري أرسل لها يشيد بأدائها في فيلم "ملاك الرحمة"، ويخبرها عن ثروته ويطلب منها الارتباط، وهو الخطاب الذي كان مفاجئا لها، بسبب عدم وجود معرفة بينها وبين المعجب الشاب، لكن والدها أخبرها أن الأمر سيتكرر كثيرا، باعتبار أنها أصبحت نجمة شهيرة، وهي الخطابات التي تكررت مئات المرات لاحقا.

أما أول زواج في حياتها فكان من المخرج عزالدين ذوالفقار، الذي نشأت بينه وبين والدها صداقة قوية خلال لقاءاتهما المتكررة في "بيت الفن"، وهو المكان الذي كان يجتمع فيه الفنانون، وكان يفترض أن يقوم عزالدين بإخراج فيلم "أبوزيد الهلالي"، وكان الدور مسندا إلى الفنانة إلهام حسين، التي اختلفت على الأجر وتفاصيل الفيلم، فقرر عزالدين إسناد الدور لفاتن حمامة التي حققت نجاحا كبيرا خلاله.

النجاح السينمائي كان مقدمة للارتباط الذي تم سريعا، لتقرر معه إنشاء شركة إنتاج سينمائي قدما من خلالها عدة أعمال سينمائية، منها "خلود"، قبل أن تقرر فاتن افتتاح شركة خاصة بها تقدم من خلالها فيلم "موعد مع الحياة"، الذي كان سببا في إطلاق لقب سيدة الشاشة العربية عليها وأخرجه زوجها أيضا.

عمر الشريف

أنجبت فاتن من "ذوالفقار" ابنتها الكبرى نادية، لكنها لم تشعر بالسعادة في حياتها الزوجية بعد عدة سنوات، ليس فقط للفارق العمري بينهما، ولكن لإحساسها بأنها لم تحب زوجها، وأن زواجهما جاء نتيجة إعجابها بأستاذها في التمثيل، لينتهي الزواج بينهم عام 1955 بالانفصال.

وفي نفس العام الذي انتهت علاقتها بعز، تزوجت الفنان عمر الشريف بعد قصة صنعتها المصادفة الجميلة، إذ كانت قد اعترضت على مشاركة الفنان شكري سرحان في بطولة فيلم "صراع في الوادي" أمامها، ففكر يوسف شاهين في عرض الدور على صديقه وزميل دراسته في كلية فيكتوريا بالإسكندرية عمر الشريف، والذي كان يعمل في ذلك الوقت بشركة الخشب التي يمتلكها والده، وحين رأته فاتن وافقت عليه من دون تردد وكان القدر يخبئ لهما موعدا مع السعادة ومع الزيجة الثانية لها.

الطريف أن فاتن وافقت على بطولة "صراع في الوادي" برغم وجود قبلة ساخنة بدرجة لم يتوقعها أحد، خاصة أنها طوال 15 عاما في مسيرتها الفنية كانت ترفع شعار "لا للقبلات"، لتكون القبلة بداية قصة حب استمرت حتى وفاتها، رغم انفصالهما في أوائل السبعينيات، فالفنان عمر الشريف لايزال يؤكد أنها الوحيدة التي أحبها، وأن الحب من جانبه لايزال مستمرا حتى الآن.

أما الزواج الثالث والأخير لسيدة الشاشة العربية فكان من د. محمد عبدالوهاب، حيث عاش الزوجان حياة سعيدة منذ منتصف السبعينيات وحتى وفاتها.

استمر زواج فاتن من الشريف نحو 16 عاما، قدما خلالها عددا من روائع السينما المصرية، منها "سيدة القصر"، "نهر الحب" وغيرها من الأعمال السينمائية، لكن قرار الانفصال بين الزوجين جاء بشكل غامض، بسبب الشائعات التي أحاطت بهما، وسفر عمر الشريف المتكرر للولايات المتحدة، حيث كان يخطو أولى خطواته نحو العالمية.

تميزت فاتن بقدرتها على اختيار الموضوعات المميزة لتقديمها، فكانت أفكارها سابقة ومحذرة من مشكلات عدة واجهت المجتمع المصري، ومنها دورها في فيلم "إمبراطورية ميم"  و"أفواه وأرانب"، و"دعاء الكروان".

خلال العقود الثلاثة الأخيرة،  اكتفت بمشاركات منتقاة ومنها "يوم حلو ويوم مر"، "أرض الأحلام" ومسلسلي "ضمير أبلة حكمت" ، و"وجه القمر" .

تجارب فاتن الدرامية كانت ناجحة بجميع المقاييس، فمسلسلها "ضمير أبلة حكمت"  و"وجه القمر".

كانت فاتن متفائلة بالحياة، مقبلة عليها، وقد رفضت فكرة السفر من مصر حتى في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، مفضلة البقاء في منزلها، ومؤكدة شعورها بالأمان، بينما كانت تتابع الحركة الفنية والسينمائية بشكل مستمر، وتبدي رأيها في الأعمال السينمائية مع إذاعتها في التلفزيون، وخاصة أن حالتها الصحية في الفترة الأخيرة جعلتها غير قادرة على الذهاب إلى السينما.

وداع يليق بـ «وجه القمر»

شهدت الجنازة تدافعا كبيرا من الحضور لحمل النعش، وتسبب الزحام الشديد في سقوط السلم الخاص بالمسجد، ما تسبب في وقوع بعض المشيعين على الأرض، واهتزاز النعش بين يدي حامليه، في حين لم يستطع عدد كبير من الفنانين الحضور بسبب الزحام الشديد.

وفي ظهور نادر لها، شاركت الفنانة ياسمين الخيام في الجنازة، حيث وصلت إلى المسجد مبكرا، وقامت بتلاوة القرآن على نعش الفنانة الراحلة، في حين ظل زوجها د. عبدالوهاب يبكي بحرقة على النعش خلال فترة انتظاره الصلاة عليها، وتوديعها إلى مثواها الأخير.

وأعلن نقيب الممثلين، أشرف عبدالغفور، أن الفنانة الراحلة طلبت من أسرتها عدم إقامة عزاء لها، والاكتفاء بالجنازة، وهو ما جعل أسرتها تلتزم بوصيتها، في حين أوفد الرئيس عبدالفتاح السيسي مندوبا رئاسيا، وتمت إحاطة الجثمان بالعلم المصري في تقليد قليلا ما يتكرر مع الفنانين.

شارك في الجنازة عدد كبير من الفنانين، منهم محمود ياسين وزوجته الفنانة شهيرة، إضافة إلى الفنان فاروق الفيشاوي وعدد كبير من أصدقاء الفنانة الراحلة، منهم سميرة عبدالعزيز، نيللي كريم، هند صبري، والإعلامية بوسي شلبي، التي انتقدت الزحام والتدافع.

كما حضر أيضا كل من رجاء الجداوي، ميرفت أمين، إلهام شاهين، دلال عبدالعزيز، سلوى محمد علي، خالد النبوي، وحسين فهمي، وفيفي عبده، وسوسن بدر.

الرئاسة المصرية تنعى رمز الفن الأصيل

وملك المغرب ينيب السفير لحضور الجنازة

نعي الفنانة الراحلة فاتن حمامة لم يتوقف على الفنانين، لكنه امتد أيضا إلى السياسيين الذين أعربوا عن حزنهم لرحيل سيدة الشاشة العربية.

 فقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رسميا نعت فيه الراحلة، مقدمة لأسرتها وذويها وكل محبيها من أبناء مصر والوطن العربي خالص التعازي والمواساة.

وأكدت الرئاسة أن مصر والعالم العربي فقدا قامة وقيمة فنية مبدعة، طالما أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية، وستظل الفقيدة التي أضفت السعادة على قلوب جموع المصريين والمواطنين العرب بإطلالتها الفنية وعطائها الممتد وأعمالها الإبداعية، رمزا للفن المصري الأصيل وللالتزام بآدابه وأخلاقه.

كما نعى مجلس الوزراء المصري الفنانة الراحلة، فقال رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب: "برحيل سيدة الشاشة العربية، فقد الفن الراقي أحد أعمدته الأساسية، فقد أثرت الراحلة ذاكرة الفن المصري، بل والعربي، بأعمالها التي ستظل راسخة في الأذهان".

وأضاف "كانت الراحلة ذات موقف وطني واضح، برز في حواراتها الصحافية الأخيرة، التي عبرت خلالها عن عشقها لتراب هذا البلد".

وأناب العاهل المغربي الملك محمد السادس، سفيره بالقاهرة محمد العلمي، للمشاركة في جنازة الفنانة الراحلة، حيث عاد السفير إلى القاهرة على متن طائرة خاصة لتقديم خالص العزاء لأسرتها من الملك.

ونعى الأمين العام لجامعة الدول العربية، د. نبيل العربي الفنانة الراحلة قائلا: "فاتن حمامة سوف تظل رمزا من رموز الفن المصري والعربي الرفيع على مدار عصوره، وقيمة عظيمة ساهمت في تشكيل والارتقاء بالوعي العربي، مضيفا أن اسمها سوف يقترن بتاريخ مصر الرائد في النهوض بالفنون في الوطن العربي"، بينما كلف الأمين العام المساعد، السفيرة هيفاء أبوغزالة، بحضور الجنازة نيابة عنه، نظرا لسفره خارج القاهرة.

ونعى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الفنانة الراحلة قائلا: "أنعي إلى الشعب المصري وكافة الشعوب العربية رحيل سيدة الشاشة العربية، رحم الله السيدة فاتن حمامة، كانت رمزا من رموز مصر وقوتها الناعمة، إذ كانت سفيرة فوق العادة لمصر، وتراثها وقيمها وللمرأة لمصرية، كانت دائما تعبّر عن أجمل ما فينا، وكانت تنشر الحب والجمال حيثما ذهبت".

التكريم والجوائز

- شاركت فاتن حمامة بأعمالها السينمائية في المسابقات الرسمية لمهرجانات دولية عدة، منها برلين، كان، وفينيسا.

 - حازت وسام الأرز في لبنان مرتين؛ الأولى عام 1953 والثانية عام 2001.

- نالت ميدالية الشرف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهي نفس الميدالية التي نالتها من الرئيس أنور السادات في عيد الفن، وتسلمتها من الرئيس السابق عدلي منصور، خلال الاحتفال بعيد الفن في فبراير الماضي ليكون آخر تكريم في مسيرتها الفنية.

- حصلت على ميدالية الاستحقاق من الملك المغربي الحسن الثاني.

- كرمت في مهرجان القاهرة السينمائي عن مجمل أعمالها السينمائية.

- نالت الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1999، ونالتها من الجامعة الأميركية في بيروت يونيو 2013.

- حصلت على جائزة نجمة القرن من اتحاد الكتّاب والنقاد المصريين عام 2000.

- حصلت على وسام المرأة العربية من رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، كما نالت ميدالية الشرف من الرئيس اللبناني الأسبق إيميل لحود.

فنانون ونقاد: نجمة لا تتكرر وقيمة فنية كبيرة

عبّر الفنانون عن صدمتهم الكبيرة بوفاة الفنانة فاتن حمامة، مؤكدين أن الساحة العربية الفنية فقدت أحد أبرز نجماتها، معبرين عن حسرتهم على فقدانها.

بداية، قالت الفنانة سميرة عبدالعزيز: "ماتت صاحبة القلب الكبير، التي طالما تعلمنا منها كل شيء، فهي الملهمة التي علمتنا الكثير"، مشيرة إلى أنها كانت في شبابها ترفض أي ابتذال، وتمتنع عن تقديم أي مشهد أو لقطة فيها قبلة.

وذكرت الفنانة الكبيرة نادية لطفي، صديقة الراحلة، "ان لحظة وداعها صعبة جدا ومؤلمة، فهي بالنسبة إلي ليست سيدة الشاشة فقط، بل الصديقة والأخت التي ألجأ إليها في أشد الظروف الصعبة"، مؤكدة أنها تعيش أصعب لحظات حياتها منذ أن سمعت هذا الخبر، "فالراحلة رمز للشياكة والوقار في جيلها على الإطلاق وعلى مدار عشرات السنين".

أما الفنان يوسف شعبان فقد وقع عليه خبر الرحيل كالصاعقة، وقال: "وفاتها خسارة كبيرة للعالم العربي أجمع"، مبينا أنها احتلت القلوب والعقول، لأنها على حد قول المصريين "كانت بنت بلد وجدعة".

وقال الفنان محمود ياسين بمزيد من الأسى: "اختلفت فاتن حمامة عن الكثير من زميلاتها وزملائها وأبناء جيلها، فلا يمكن أن ننسى بساطتها رغم أناقتها المشهود بها حتى وهي تجسد دور فتاة فقيرة، حيث كانت تنير العمل بنعومتها ورقتها، حتى ظهرت كذلك أثناء تكريمها في عيد الفن خلال العام الماضي، وظهرت كالبدر المضيء، وأيضاً أثناء لقائها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي".

مجموعة قيم

من ناحيتها، انهارت الفنانة يسرا عندما سمعت خبر رحيل سيدة الشاشة العربية، وقالت: "لم تكن الراحلة بالنسبة لي مجرد فنانة كبيرة، بل كانت مجموعة قيم تمشي على الأرض، ولا يمكن أن ينسى أحد تواضعها الجم".

أما الفنان أشرف عبدالغفور، نقيب الممثلين، فقد طالب الجميع بتنفيذ وصيتها بعدم إقامة سرادق للعزاء، حيث قال: "كانت سيدة الشاشة تحب العيش في هدوء بعيدا عن الصخب، وأرادت أن تكون كذلك حتى بعد وفاتها".

ورثى الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن الراحلة، متذكرا لها براعتها في التمثيل وتنقلها بحرفية شديدة وحساسية كبيرة بين الطبقات بيسر ودون تكلف على الشاشة، فمن يراها فقيرة معدمة في فيلم "القلب له أحكام" و"الحرام"، لا يمكن أن يصدق أنها نفس الفنانة التي جسدت دورها في "صراع في الوادي" و"الله معنا"، مشيرا إلى أنها شخصية لن تتكرر وأنه يشعر بمرارة فقدها.

وذكر الفنان الكبير حسن يوسف: "ان الوسط الفني العربي فقد قامة كبيرة، فرغم نجوميتها فإنها كانت تأتي إلى الاستديو في موعدها، وكانت حريصة طوال الوقت على أن تكون جادة في عملها، كانت لا تخجل من أن تجري بروفات كثيرة على كل عمل تقدمه، حيث كانت لا تمل من ذلك أبدا، لذا فإن أي فنان يقف أمامها كان يعمل لها ألف حساب".

أبسط نجمة

وشدد المخرج الكبير عادل الأعصر على أن الراحلة كانت أفضل وأبسط نجمة عرفها الوسط الفني العربي، حيث عملا معا خلال مسلسل وجه القمر.

وتحدثت الفنانة إلهام شاهين ببالغ الأسى عن سيدة الشاشة العربية قائلة: "ستظل أفلامها ومسلسلاتها خالدة وباقية في ذاكرة الفن المصري والعربي، فأعمالها كلها كانت تتضمن رسائل تنويرية، إضافة إلى الحس الإنساني الرفيع".

وبكت الفنانة سهير المرشدي الراحلة الكبيرة مؤكدة انها "كانت تحتوي الجميع بهدوئها ورومانسيتها وطيبة قلبها، خاصة أنها أعطت الكثير ووقفت بجانب الجميع"، مشيرة إلى أنها شاركت في مقاومة الظلم والقهر والاحتلال من خلال أعمالها، ودفعت الثمن غاليا عندما انتقلت للحياة خارج مصر، ولم تبخل على وطنها بشيء من خلال أعمالها مثل "دعاء الكروان" و"الحرام" و"الله معنا".

وزاد الفنان صلاح السعدني: "كانت نموذجا فريدا لتجسيد دور الضحية، فقد كان جسدها ضعيفا، إضافة إلى ملامح وجهها التي تنم عن الطيبة والبراءة، فقد كانت مصرية خالصة"، موضحا أنها كانت تمتلك كاريزما مختلفة، فكل من تعامل معها بشكل مباشر يصبح أسيرا لحبها، وعاشقا لفنها، لذلك كانت من أشهر بطلات السينما العربية خاصة في الأعمال الميلودرامية.

تعامل راق

وأكدت الفنانة نيللي كريم، التي دخلت الوسط الفني على يدي الراحلة فاتن حمامة، من خلال مسلسل "وجه القمر"، أن "سيدة الشاشة العربية كانت تتعامل مع الوجوه الجديد بمنتهى الطيبة والحنية والرقة".

وشدد الفنان سامح الصريطي، وكيل أول نقابة المممثلين، على ان "اشتغال فاتن حمامة منذ صغرها بالفن أعطاها الخبرة والمكانة والثقافة، إضافة إلى تشبعها النفسي وإحساسها بالتحقق، مما كان له الأثر الكبير في تواضعها".

وقالت الفنانة سلوى محمد علي: "ماتت معلمتنا، رحلت من كانت لنا القدوة، تعلمنا منها طريقة الكلام وفنيات التمثيل، وكيفية التعامل مع الكاميرا، فقد كانت صاحبة بصمة مختلفة".

ويرى الناقد السينمائي الأمير أباظة ان ذروة تألق ونضج الراحلة الكبيرة كان من خلال الأفلام المنقولة عن روايات أدبية، مثل "نهر الحب" و"دعاء الكروان" و"لا تطفئ الشمس" و"لا وقت للحب"، حيث كانت تبرع في تجسيد هذه الأدوار المركبة.

وتابع أباضة ان "فاتن حمامة لم تسلم من المضايقات السياسية، بسبب تحيزها للطبقات الفقيرة وعدم استسلامها لبعض الضغوط من قبل النظام الحاكم آنذاك، حتى عادت للقاهرة في أوائل السبعينيات، وقدمت (إمبراطورية ميم)، وحصدت عليه العديد من الجوائز، وقدمت أعمالا تمس المظلومين والضعفاء في مصر، مثل أفواه وأرانب، وأريد حلاً، وعددا ضخما من الأعمال يصل إلى مئة فيلم سينمائي وضعتها على عرش الإبداع".

هي والرؤساء

في عام 1966، غادرت فاتن مصر، بعد أن تعرضت للعديد من الضغوط السياسية، وطلب منها العمل لمصلحة جهاز المخابرات، وخصوصا أنها حققت نجومية، وتنقلت بين لندن وبيروت، إلى أن طلب منها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن تعود لمصر، ووصفها بأنها ثروة قومية، وكان قد منحها وساما فخريا في بداية الستينيات، لكنها لم تعد إلا عام 71 بعد وفاة ناصر.

التقت فاتن غالبية الرؤساء، فالتقت الرئيس أنور السادات عدة مرات، وكذلك الرئيسين مبارك ومرسي خلال لقاءاتهما مع الفنانين، وكانت انطباعاتها دوما تتسم بالدبلوماسية واللباقة في الحديث عن الرؤساء.

ورغم ندرة تصريحاتها الإعلامية خلال السنوات الماضية، فإنها حرصت على المشاركة بقوة في الحياة السياسية أخيرا، من خلال إعلان دعمها لعملية التغيير برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث دعمته في العملية الانتخابية، وأعلنت تأييدها له، في حين حضرت لقاء معه ضم مجموعة كبيرة من الفنانين للاستماع إلى وجهة نظره في ما يتعلق بالفن والارتقاء به.

وحظيت الفنانة الراحلة باستقبال خاص من الرئيس السيسي وقت ترشحه، حيث قام بالتوجه للطاولة التي تجلس عليها وبادر بتحيتها، تقديراً منه لمكانتها الفنية ولدورها في تقديم الأعمال السينمائية الجيدة.

وخلال مرضها بالمستشفى في أزمتها الصحية الأخيرة، حرص الرئيس على إيفاد مندوب شخصي عنه لتقديم باقة ورد للفنانة المصرية، إضافة إلى الاتصال بها هاتفيا للاطمئنان على صحتها.

وكانت فاتن هي أول اسم تم طرحه للتكريم خلال الاحتفال بعودة عيد الفن في فبراير الماضي، تقديرا لمسيرتها الفنية ودورها، فتسلمت التكريم وسط تصفيق حاد من الفنانين وإشادة بأعمالها.

back to top