بيروقراطية الحكومة... 1694 يوماً لإصدار لائحة تنفيذية!

نشر في 05-02-2015 | 00:12
آخر تحديث 05-02-2015 | 00:12
No Image Caption
قانون الخصخصة صدر منتصف 2010... ولائحته هذا الأسبوع
المدة، التي ناهزت 5 سنوات لإصدار لائحة تنفيذية تحتوي على مجرد قواعد منظمة لعملية الخصخصة، تجعل إجراء عملية تخصيص سليمة لقطاعات مهمة في الدولة، كالجمعيات التعاونية أو الموانئ أو الكهرباء، عملاً مستحيلاً، أو على الأقل سيشوبه قدر عال من الأخطاء والفوضى.

بإصدار مجلس الوزراء الاثنين الماضي مشروع مرسوم اللائحة التنفيذية للقانون رقم 37 لسنة 2010، بشأن برامج وعمليات التخصيص، يكون الجهاز التنفيذي للدولة قد أنهى 1694 يوما من البيروقراطية الحكومية منذ صدور القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 يونيو 2010!

1694 يوما لإصدار لائحة تنفيذية من قانون شددت الحكومة خلال مناقشته في البرلمان على أنه يعد واحدا من أهم مشاريع القوانين التي تدعم تنويع البيئة الاقتصادية في البلاد، ليصدر بشكل يحدد الإطار العام لعمليات الخصخصة بالكويت، بينما تتولى اللائحة التنفيذية «التي نص القانون على إصدارها خلال 6 أشهر» تحديد الآليات والقواعد المنظمة للتخصيص، وضوابط نقل العاملين بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن إصدار الضوابط التي تضمن عدم وجود تضارب مصالح في أي عملية تخصيص وفقا لهذا القانون، إضافة إلى بيان أوجه الانتفاع من أملاك الدولة... على أن ينفذ هذه اللائحة مجلس أعلى للتخصيص يتبعه جهاز فني لبرنامج التخصيص.

ضعف الجدية

ومع أن خطاب الدولة الاقتصادي

لا يكاد ينفك عن ذكر الخصخصة كأحد الحلول الخاصة لعلاج الاختلالات في بنية الاقتصاد إلا أن مشروع اللائحة التنفيذية ظل أسيرا لبيروقراطية حكومية بين وزارة التجارة ومجلس الوزراء والفتوى والتشريع، وغيرها من فرق العمل والدراسات والمراسلات لنحو 5 سنوات، وهي مدة طويلة جدا، فضلا عن كونها تعبر عن ضعف الجدية الحكومية في معالجة الملفات الاقتصادية بصورة سليمة.

بالطبع فإن مدة تناهز 5 سنوات لإصدار لائحة تنفيذية تحتوي على مجرد قواعد منظمة لعملية الخصخصة تجعل الحديث عن إجراء عملية تخصيص سليمة لقطاعات مهمة في الدولة، كالجمعيات التعاونية أو الموانئ أو الكهرباء، مهمة مستحيلة، أو على الأقل سيشوبها قدر عال من الأخطاء والفوضى، خصوصا أن هذه الملفات مرتبطة بمصالح شرائح كبيرة من الناس، وما لم تكن الإدارة الحكومية جادة وحاسمة في التعامل معها فإن الفشل سيكون النتيجة النهائية.

وبشكل عام، إن الخصخصة رغم ضرورتها لتنويع الاقتصاد المحلي وتوفير إيرادات غير نفطية للدولة، إلى جانب توفير فرص عمل غير حكومية، فإن التعامل معها بخفة وبيروقراطية، كما تم التعامل مع موضوع اللائحة التنفيذية، سيجعل نتائجها التي تستهدف حل مشكلات الاقتصاد مشكلة جديدة، عبر تدمير قطاعات كان ينبغي أن تكون نموذجا لنجاح تجربة الخصخصة في الكويت.

مخاوف مشروعة

وحقيقة، إن هناك مخاوف مشروعة في الكويت من أن تكون الخصخصة، في ظل إدارة حكومية ضعيفة، نوعا من التنفيع، أو تحدث خللا اجتماعيا واقتصاديا في المجتمع، خصوصا أن نسبة العاملين الكويتيين في وزارات ومؤسسات الدولة الحكومية، بما فيها القطاع النفطي، يلامس 90 في المئة من إجمالي قوة العمل الكويتية، وهو رقم كبير جدا، ويعتبر أحد أهم معوقات الخصخصة في الكويت.

كما ينبغي أن ترتبط الخصخصة في الكويت بتأسيس هيئات تتولى تنظيم هذه القطاعات، لا أن يؤول ملف التخصيص للوزارات المختصة بكل ما فيها من بيروقراطية وسوء إدارة حكومية، وأن تكون القطاعات المستهدفة بالتخصيص هي الأقل تأثيرا وارتباطا بمصالح الناس، كأن تكون البداية بالأندية الرياضية وخدمات البريد أو الهاتف الأرضي، قبل أن تتمدد في حال نجاح التجربة الأولى لتشمل الجمعيات التعاونية أو الكهرباء.

هيئات ناظمة

ولعل موضوع الهيئات الناظمة يعتبر من الركائز الأساسية المحددة لضمان نجاح أي عملية خصخصة من عدمها، ففي معظم دول العالم هي التي تتولى وتنظم التنافس بين الشركات، وتضمن حقوق المستهلك وحتى العمالة، وهي التي تضمن ألا يسيطر مالك واحد على شركتين تعملان في نفس القطاع، كما حدث لدينا في مشروع تخصيص شركات الوقود، أو أن يتحالف ملاك شركتين لرفع الأسعار، أو الاتفاق على سوء الخدمة المقدمة للمستهلك، فضلاً عن دور هذه الهيئات، التي تعمل في العديد من الدول، كمرجع لدراسة جدية العروض والأسعار وشكاوى المستهلكين.

لذلك فإنه قبل الحديث عن جدية الدخول في ملف الخصخصة من الواجب تأسيس هيئات تتولى تنظيم هذه القطاعات، لا أن يؤول ملف التخصيص للوزارات المختصة بكل ما فيها من بيروقراطية وسوء إدارة حكومية، إذ إن الهيئات الناظمة يجب أن تدار بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وذوي الخبرة، لأن إطلاق التخصيص قبل تأسيس هذه الهيئات سينتج عنه أكثر من خلل يسيء إلى سمعة الخصخصة بدلا من أن يروج لها.

الدولة والاحتكار

كذلك هناك معضلة في فلسفة التخصيص الكويتية، وهي أن الدولة عندما تتخلى عن ملكيتها في القطاعات التي تمتلكها، مثل شركات الاتصالات أو البنوك، فإنها تحتفظ بحق إصدار الرخص للشركات الجديدة في نفس القطاع، وكأن الدولة هنا ضامن للاحتكار، فما الذي يمنع أن تقرر مجموعة من المستثمرين تأسيس بنك أو شركة اتصالات أو طيران أو وقود ما دامت الدولة لم تعد مالكة له أو على الأقل تخلت عن إدارته؟ إذ إن تقييم مسألة الربح أو الخسارة، ومدى قدرة السوق على استيعاب التنافس بين الشركات يجب أن يكون خاضعا للمستثمرين أنفسهم لا للدولة.

لا شك في أن هناك الكثير من الأفكار والاقتراحات الخاصة بتطوير آليات تنفيذ الخصخصة، وجعلها نموذج للنجاح في الاقتصاد لا الفشل، لكننا كلما تذكرنا أن إصدار اللائحة التنفيذية استغرق 1694 يوما قللنا سقف التوقعات في النجاح فضلا عن تشكيل النموذج.

back to top