سمر برّاج: توعية الطفل ضرورية لحمايته

نشر في 19-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 19-10-2014 | 00:02
في عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وضخ المعلومات على مدى ساعات النهار والمساء، بات من الضروري طرح علامة استفهام حول مفهوم الطفولة اليوم؟ وهل سرقت التكنولوجيا براءة الأطفال، ومحت الأحلام من عيونهم وجعلتهم يعيشون باكراً الواقع بكل إشكالياته؟
سمر محفوظ براج، مؤلفة كتب أطفال منذ 2007، وعت كل ما يحيط بعالم الطفل من إشكاليات وأخذت على عاتقها توعيته وحمايته وإعادة الألوان إلى عالمه، فضمنت كتبها أجواء جميلة تزخر بالطرافة بالألوان، وخاطبت الطفل بلغته وبرسوم بسيطة. وقد بلغ رصيدها حتى الآن 38 كتاباً آخرها «خط أحمر» عن دار الساقي، و{البطاقة العجيبة» عن دار السلوى للدراسات والنشر.
حول تجربتها في أدب الطفل، وإشكالية العلاقة بين الطفل والكتاب في عصر الإنترنت، وبينه وبين الواقع المحيط به، كان الحوار التالي معها.
كيف دخلت عالم أدب الأطفال؟

بعد تخرجي في الجامعة بشهادة إدارة عامة، عملت في مجال تخصصي واستلمت أعمال عائلتي، وعندما اضطرتنا الظروف إلى تصفية أعمالنا، عدت إلى الجامعة ونلت شهادة في التعليم، وانصرفت إلى تعليم اللغة العربية لصفوف الروضة.

في إحدى المرات طلبت منا مديرة القسم مسرحية للعيد للأولاد، فخضت التجربة وإذ بي أكتشف في داخلي موهبة مخاطبة الأطفال بلغتهم والكتابة لهم، وبعدما لاقت المسرحية صدى طيباً لدى الأطفال والكبار على السواء، تحمست وكتبت في العام التالي أغاني وأشعاراً ومسرحية ثانية.

هكذا اقتحمت، صدفة، من دون تخطيط مسبق، هذا العالم الملون بألوان الحياة الجميلة.

ما الذي استفزك على متابعة الكتابة للأطفال؟

 

كره الأولاد للغة العربية، ومللهم السريع من الاستماع إلى أي قصة باللغة العربية، لذا في البداية وبغية جذب انتباههم، قرأت لهم قصصاً تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالواقع، فمع بداية فصل الخريف مثلاً كنت أقرأ لهم قصصاً عن الخريف فضلا عن قصص حول العائلة والأصدقاء...

صودف في إحدى المرات أنني لم أجد قصة مناسبة لهم، فكتبت نص «لم أكن أقصد» أروي فيه قصة فتاة تخرّب البيت وتعمل والدتها على إصلاح ما خربته، بعد ذلك عرضت علي «دار نشر أصالة» طبع الكتاب، فرأى النور في 2007. هكذا بدأ مشواري مع الكتابة، ومنذ سنتين تفرغت لها.

ما الهدف الذي وضعته أمام عينيكِ وأنت تغوصين في هذا العالم الجميل؟

تقريب اللغة العربية من الأطفال من خلال قصص طريفة من واقع حياتهم اليومية، بعيداً عن أي وعظ، ومن دون أن ألغي شخصية الطفل ورأيه ونظرته إلى الأمور بل توعيته وتصويب بعض قناعاته...

 كيف تدرّجت في كتابة قضايا حول عالم الطفولة وصولا إلى كتابك «خط أحمر»؟

لم أخطط، إنما حرصت على كتابة مواضيع تحاكي اهتمامات الطفل: الحيوانات، الغيرة، النوم... بأسلوب طريف ولغة سهلة لجذبه، فضلاً عن عنصر المفاجأة. بعد ذلك بدأت الكتابة حول قضايا مهمة من بينها: سرطان الأطفال، الضرب، مرض الزهايمر...

ما كانت ردة فعل الكبار حول هذه القضايا التي تعتبر حساسة وقد تؤذي الطفل؟

في البداية كان ثمة حذر وخشية من ألا يفهم الطفل هذه الأمور الصعبة والشائكة، ولكن ما لبثوا أن تجاوزوا الخوف، بعدما لمسوا أن الأطفال تعاملوا مع هذه القضايا بطريقة طبيعية وواقعية وتقبلوها ببساطة وتفاعلوا معها.

ما الهدف من التطرّق إلى هذه القضايا؟

توعية الطفل وحمايته، من الضروري أن يعرف أن ثمة أموراً صعبة في الحياة يجب أن يواجهها، لذا من الأفضل أن نعرضها عليه ونشرح له خلفياتها وأسبابها، كي لا يفاجأ في حال واجهها وكي يعرف كيف يتصرّف.

كيف عالجت هذه المواضيع في كتبك؟

 

في السلسلة المتمحورة حول الضرب بعنوان «يد ناجي»، «رجل شادي»، «فم إيناس»، كتبت حول أهمية أعضاء الجسم هذه في حال عرفنا كيف نستعملها للخير وللمساعدة، ومدى خطورتها في حال استعملناها للقيام بتصرفات مشينة مثل ضرب الهرة أو أحد الأصدقاء والأخوة... وقلت إن اليد تغضب إذا استعملت للضرب.

أما في القصة حول السرطان، فضمنتها رسالة غير مباشرة يستنتجها الطفل من دون فرض، وقد نال الكتاب جوائز، ذلك أن للمرة الأولى يتم التطرق إلى هذا المرض في كتاب للأطفال.

وفي القصة حول الألزهايمر، عالجت العلاقة بين جيلين، جيل الأطفال وجيل الجدات، وركزت على محاولة الحفيدة إحياء أوقات جميلة قضتها مع جدتها في طفولتها كي تذكّرها بأمور تعلمتها منها... في هذه القصة دعوة إلى التقرب بين الجد والجدة والأحفاد.

وفي كتاب «أمي والتدخين» عالجت آفة التدخين من خلال قصة ابنة تكتشف أن والدتها تتعاطى التدخين، فصار كل همها أن تتوقف والدتها عن التدخين. الكتاب موجه إلى الأولاد لتوعيتهم من مخاطر التدخين وتدارك إمكان تعاطيهم إياه في المستقبل.

هكذا تدرجت في المواضيع بين الضرب والتدخين وصولا إلى كتاب «خط أحمر» الذي عالجت فيه قضية شائكة هي التعدي على الأطفال، مع العلم أن أحداً لم يجرؤ على التكلم عنه مع الأطفال، ولم أطرح الموضوع كما هو، بل بدأت بالخط الأحمر من العائلة والبيت وصولاً إلى التحرش بالأطفال.

توخيت من معالجة هذه القضية لفت الانتباه إلى أن أولادنا ليسوا محميين، وإلى ضرورة توعيتهم حول ما يمكن أن يتعرضوا له وكيفية مواجهته، من دون أن يترك ذلك أثراً نفسياً لديهم. وفي الوقت نفسه فهّمت الأطفال أن ليس كل من يلمسهم يبغي أذيتهم، فالطبيب مثلا سيلمسهم ليعاينهم... وركزت على توعيتهم على ضرورة إخبار الأهل بأي تصرف يواجهونه.

حوار ورسوم

اعتمدت أسلوب الحوار بين الأم وابنها في طرح هذه القضية، لماذا؟

أردت أن يكون الحوار طبيعياً بين الأم وابنها الذي يسألها عن معنى عبارة {خط أحمر} التي سمعها من الجار وهو يتكلم عن موقف سيارته قائلاً إنه خط أحمر. ومن هذه الواقعة البسيطة تشعب الحديث حول البيت والعائلة والوطن وصولا إلى علاقة الطفل برفاقه وبمن هم أكبر منه، ومتى يفرض خطاً أحمر.

من خلال الحوار البسيط أستطيع تمرير رسائلي إلى الأطفال من دون أن اجرح طفولتهم، من بينها أن ليس كل الكبار يودون التقرب منهم حباً بهم، وألا يخجلوا من إخبار الأهل في حال تعرضوا إلى هذا الموقف، بهذه الطريقة نحميهم، لا سيما ان الذي يعتدي على الأطفال يختار ضحاياه من بين الذين يخجلون أو يجهلون هذا الواقع، لأن هؤلاء لا يخبرون أهلهم بما حدث معهم، في المقابل يتجنب المعتدي الطفل الواعي والقوي. لذا عندما نخبر الأولاد من عمر خمس إلى تسع سنوات أنه يجب ألا يخجلوا ويخافوا نحميهم. وقد أرفقنا القصة بصور كبيرة وواضحة لشرح مقاصدها، بهذه الطريقة يمكن أن نخاطب ابن الخمس سنوات من دون أن نجرح إحساسه.

إلى أي مدى تنسقين مع الرسام في ما يتعلق بالرسوم المناسبة للقصة؟

أغلب الأحيان أقرأ النص مع الرسام ونتناقش حول الأفكار، وحول قصدي من الكتاب، وذلك تجنباً لأن يعطي الرسم فكرة لا أقصدها، إنما لا أملي أفكاري على الرسام، بل أنقل إليه الجو العام.

في كتاب {خط أحمر} أضافت الرسامتان منى يقظان وميرا المير خطوطاً وألواناً وأشكالا كسرت جدية النص، وأضفت نوعاً من الاطمئنان على الطفل وقربته من القصة، بينما نلاحظ في كتب أجنبية كثيرة رسوماً تخيف الطفل.

لمزيد من الدقة، استشرت اختصاصية نفسية أعطتني ملاحظات حول القصة وعملت بها. هذه الطريقة أعتمدها في كتبي وأناقش القضية التي أودّ طرحها مع أطباء ومتخصصين كي لا أعطي معلومة خطأ. مسؤولية كتّاب أدب الأطفال أكبر من كتّاب أدب الكبار لأن أي فكرة قد تؤثر سلباً في نفسية الطفل.

تعطين للطفل سلسلة خيارات وتتركين له حرية التصرف من ضمن أسلوب التوعية بالطبع، فهل يحسن الطفل، برأيك، الاختيار بين الحلول المطروحة؟

بالطبع، لذا في كتبي النهايات مفتوحة، ويستطيع الطفل تصور النهاية التي يرتاح إليها، لا أريد أن أفرض عليه أي فكرة بل ترك حرية التفكير له ليختار الحل المناسب، بهذه الطريقة نحافظ على شخصيته ولا نلغيها، ويشعر بدوره أن البالغ لا يريد فرض رأيه عليه. نريد أن نكتب بلغة الطفل إنما بعقل بالغ. من هنا اللغة المعتمدة بسيطة وقريبة منه.

تعرضين قضايا شائكة ومجموعة من المفاهيم المتعلقة بيوميات الطفل، كيف تعاملت معها لإيصالها بشكل صحيح إليه؟

كان الموضوع تحدياً بالنسبة إلي وفيه صعوبة، لأنني توخيت الكتابة بطريقة تهم الولد وتلفت انتباهه وتعلمه كيف يواجه بعض المصاعب. في المقابل أكتب حول مواضيع طريفة أيضاً وأطمح أن يتجاوب الأولاد مع كتبي ويتفاعلوا معها.

في قصة {خط أحمر} مثلاً، كان من الصعب إيجاد طريقة أبدأ بها القصة إلى أن عثرت على فكرة طفل يسمع أحد الجيران يصرخ بأن موقف سيارته خط أحمر ولا يجوز لأحد أن يركن سيارته فيه، هكذا انطلقت في القصة وتدرجت وصولاً إلى أن جسم الطفل خط أحمر.

في القصة ذاتها عالجت مفهوم الوطن والعائلة والبيت وضرورة ألا نفتح الباب للغرباء أو ألا نضرب بعضنا البعض وغيرها من الأمور... مع الحرص على ألا نجعل الطفل يخاف من أي شخص يتقرب منه بل توعيته في حال واجه موقفاً مزعجاً كيف يتصرف تجاهه.

هذه القضايا وغيرها التي تطرقت إليها يمكن أن يستفيد منها التربويون للعمل مع الأولاد وتوسيع آفاقهم حول مشاكل كثيرة.

جديدك كتاب {البطاقة العجيبة} (دار السلوى في الأردن)، ما فكرته الرئيسة؟

تطرقت إلى جملة قضايا منها كيف يجب أن يتعامل الطفل مع المصروف الذي يعطيه إياه أهله، وتطبيقه الصحيح لتوجهات الأهل، وكيف يجب أن يختار الطعام الصحي أي الابتعاد عن السكاكر، وعلاقته بزملائه في المدرسة، وصولاً إلى مفهوم البطاقة الإئتمانية، وطريقة توفير المصروف...

ما مقومات القصة الموجهة إلى الطفل؟

التسلية وإيصال الرسالة والهدف إليه بطريقة ممتعة، لا تخلو من الطرافة والدهشة والمفاجأة، التطرق إلى قضايا مهمة وقريبة من محيط الولد وعائلته وأصدقائه بسلاسة وبساطة وبلغة جميلة، التركيز على الرسوم وشكل الكتاب، لا سيما أننا نعيش اليوم في عصر الصورة، فإذا لم يقدم النص في كتاب جذاب لا يلفت الانتباه مهما كان رائعاً، الكتابة بلغة الطفل وبعين الطفل، هنا يكمن سرّ أدب الأطفال. مراعاة المرحلة العمرية التي نختبرها.

أين نحن في لبنان من أدب الطفل؟

قبل بداية الألفية الثالث كانت كتب الأطفال في معظمها مترجمة عن قصص أجنبية، ومع حلول عام 2000 بدأ الكتّاب يهتمون بتأليف قصص للأطفال من واقع حياتنا وبيئتنا ومجتمعنا، ويركزون على الإخراج والنوعية، كان العدد قليلا ومع الوقت ازداد وصولا إلى اليوم إذ نشهد كما لا بأس به من الكتاب.

نلاحظ أن ثمة نقصاً في الكتب الموجهة إلى اليافعين لماذا؟

تعتمد دور النشر في معظمها على الأسواق العربية لتوزيع كتبها، لذا تحترم العادات والتقاليد في هذه المجتمعات، وبما أن مرحلة المراهقة حساسة نوعاً ما من ناحية التطرق إلى مشاكل هذه الفئة العمرية، تتحاشى دور النشر نشر كتب تتوجه إليها، وتكتفي ببعض الكتب حول المغامرات والخيال العلمي...

بالنسبة إلي، كتبت {غدي وروان} بالمشاركة الكاتبة فاطمة شرف الدين، ويتمحور حول قصتين مختلفتين بين شاب وفتاة، وتطرقنا إلى قضايا حساسة وجريئة، وقد صدر الكتاب عن دار الساقي.  

هل الطفل اليوم متطلب وكيف تخاطبينه في عصر الإنترنت؟

ثمة منافسة بين الكتاب والأجهزة الإلكترونية التي توفر له التسلية والصور، لذلك مهمة الكتّاب باتت أصعب، وتفرض عليهم التطرق إلى مواضيع تسلي الطفل، من هنا حرص بعض دور النشر على وضع كتبها على الإنترنت ليتسنى تحميلها.

 بات من الصعب إرضاء الطفل اليوم، فهو يريد قصصاً سريعة، وعلينا إيصال الفكرة إليه بأقل عدد كلمات، واعتماد عناوين جذابة، ومخاطبة كل فئة عمرية بحسب اهتماماتها، فالأطفال مثلاً ما زالوا يهتمون بالقصص على لسان الحيوانات والمراهقون بقصص التشويق والمغامرات.

في المقابل لا نستطيع نحن كتربويين أن نكتب قصصاً عن العنف القتل، فيكفيه ما يشاهد في وسائل الإعلام، وبات لزاماً علينا إعادة رسم عالم الطفولة الجميل الذي يستطيع فيه أن يسرح ويمرح بسلام واطمئنان.

كيف تتعاملين مع مفهوم الولد للبطل؟

يختلف مفهوم البطل عندي عن السائد، ولا أصوّر البطل على أنه شخص خارق، بل كل طفل يتصرف بطريقة صحيحة هو بطل في قصصي، يجب أن نكون واقعيين مع الطفل ونذكي فيه مفاهيم ومبادئ جميلة.

back to top