الأديب السوري نور الحراكي: التعدّد الثقافي ضرورة للإبداع

نشر في 06-08-2014 | 00:02
آخر تحديث 06-08-2014 | 00:02
الأديب السوري نور الحراكي أحد الأسماء الأساسية في المشهد الإبداعي السوري الحديث، تعززت مكانته بالانفتاح على المدونة الأدبية العالمية، إلى جانب تفاعله وتقاطعه مع نماذج متقدمة في الأدب العربي الحديث من خلال أعماله الروائية والإنتاجية المختلفة. التقته «الجريدة» وكان هذا الحوار الذي تحدث فيه عن روايته الأخيرة «أميرات ولكن» ومسيرته.
أخبرنا عن روايتك الأخيرة «أميرات ولكن» التي أثارت ضجة حولها.

{أميرات ولكن} تكشف أسرار وخبايا الأميرات العرب، للمرة الأولى، في إطار اجتماعي بعيداً عن السياسة، والحمد لله قد تحولت أخيراً إلى مسلسل خليجي من 90 حلقة، نضع له الرتوش النهائية على أن يبدأ عرض الحلقات مع بدء العام الجديد.

كراوئي ومنتج وشاعر كيف نتعرف إلى تلك الرحلة الأدبية؟    

   

سأجدني على ضوء هذا السؤال منقاداً إلى إغراء أناي، كي يتأمل بنرجسيته المعهودة، صورته المرتعشة في قلب ماء كتابته، بمعنى أنني سأشرع في تعميق تلك الهاوية المتسعة بيني وبين ظلال الآخر/ الآخرين، حتى تزداد حقيقة أو وهم مغايرتي تضخماً، لا أدري، ما دام الأمر يتعلق بوصف مسار شعرية هي شعريتي أنا، وهو، بالتأكيد، مسار جسد لغوي مصاب بلعنة شعرية يقظاته المضاعفة، تلك التي تلغي أي حلم محتمل بالاطمئنان إلى ما يحدث هناك، سواء داخل عتمات الكتابة، أو داخل عتمات التاريخ، أقول ما أقول من دون أن أنشغل بهذا السؤال الذي قد يؤدي حضوره إلى إفساد ملامح الصورة في ماء ما أكتب، ما يكتبه الشعراء عموماً، ما دامت الكتابة أساساً موكولة لمعاول الهدم. يتعلق المرء بأربعة عقود خلت من الحفر بالحرف في حديد الكتابة الساخن، حديد واحد في جوهره، ومتعدد في تجلياته. الحديد الذي تضعه بعناية فائقة مسوخ الوقت أو ملائكته تحت قدميك، وذلك الذي قد نضعه نحن بمحض إرادتنا، حيث لا خيار لنا سوى أن نكتب أو نفنى، ما دامت الكتابة هي الوجه الآخر للديمومة. أليس كذلك؟     

                   

ما هوية هذه العقود الأربعة التي عشت فيها وخلالها تجربة الكتابة والإنتاج؟

هي أربعة عقود تناسلت فيها الحروب والهدنات بكل أساليبها الأنيقة والرديئة، أشكال الانتصارات والهزائم، مدارج الأفراح والخيبات داخل النص، كما خارجه. أكثر من أربعة عقود، لم أكف خلالها عن محاولة التساؤل عن دلالة انحيازي الدائم إلى قصيدة النثر منذ مجموعتي الأولى {أميرات ولكن} إلى آخر مجموعة رواية {الواهمون} حيث أذن الإنصات مختومة بشمع إيقاعات الأزمنة البائدة، كذلك أتساءل عن دلالات مراوحتي بين القصيدة التركيبية ذات الهندسة المتاهية، وبين كتابة قصائد شذرية بالكاد تراها العين المجردة، معنى أن أكون شاعر قضية ما أو شاعر العدم، معنى أن أراوح بين الشعر والتشكيل، حاملا لوحاتي بحثاً عن جدار منسي أعلقها عليه. معنى أن تترجم قصائدي إلى لغات عدة، من دون أن أُقرأ هنا بما فيه الكفاية، ثم معنى أن أكون في هذا الزمن الكوني المسيّج بالنار الإلكترونية، شاعراً مغربياً يكتب بلغة يسمونها لغة الضاد.

في السياق نفسه، هل تحدثنا عن المشهد الشعري العربي في الوقت الحالي؟

أجدني متهيباً في الخوض في مثل هذه القضايا التي اعتدنا على استسهالها من نسبة كبيرة من المقاربات، بما يسهم في تحجيمها واختزالها إلى مقولات ومعادلات مسكوكة ومغلوطة، ذلك أن أي حديث موضوعي ومسؤول عن خصائص الشعر العربي الحديث في استمراريته وقطائعه، سيظل مبتوراً ما لم يكن موثقاً بشواهد وإحالات نصية ومنهجية يمكن أن تضيء هذا المشهد، بدل أن يؤدي غيابها إلى مضاعفة حدة تعتيمه والتباسه. وتحضرني في هذا السياق نقاشات حادة سادت مرحلة السبعينيات حول الموضوع نفسه، إذ مباشرة بعد القراءات الشعرية ولعدد هائل من النصوص التي لا رابطة بينها سوى خير المنصة وإحسان الميكروفون، كانت الأحكام المرتجلة تنصب بشكل جزافي وإسقاطي، على أساس إنصات مشكوك في سلامته. والغريب في الأمر أن هذه الأحكام العشوائية، كانت تتحول تدريجاً بفعل تكرارها إلى سلط نقدية أسهمت بشكل هجين في تكريس مغالطات منهجية، أثرت ولا تزال، في قراءة مكونات المشهد الشعري.

 

على ضوء هذه الإشارات، أين تقف تجربتك الشعرية في مرحلة تشهد عودة الشعر إلى ميادين الثورات العربية وأصبح ثمة أمل في رد الاعتبار إلى الشعر والشعراء؟                 

 

حسنا لقد نفضوا منا الأيدي، ولم يعودوا يأملون من قصائدنا أي طائل، لقد تنصلت القصيدة من مهامها القديمة، وغادرت سلك الوظيفة طواعية بعدما استنفدت كل طاقاتها في التربية والتعليم والتوجيه والصراخ، لقد أيقنت فجأة بأنها لم تعد مستعدة لتلبية أي من المطالب التي كانت تملى عليها من هنا وهناك، كي تقتنع أخيراً بضرورة التفرغ لحماقاتها الخاصة. فمعذرة أيها الواقفون عند الباب، ليس ثمة ما يمكن تقديمه لكم غير هذا الفراغ الذي لا يليق بتطلعاتكم البالغة الجسامة.

لقد أمست القصيدة منشغلة أكثر من أي وقت آخر بمحتملها الخاص، وبالبحث عن صورتها وصوتها اللذين طالما كانا ضائعين في زحام الحياة والموت أيضاً. لا نبوءة بعد اليوم ولا ادعاء بأي رسالة تطهيرية أو تبشيرية. تحولت القصيدة إلى نداء جد خفيض لا يقبل عليه سوى المجردين من أي قناعات بيداغوجية أو تعليمية أو إيديولوجية. كذلك أمست مسكونة بالذهاب إلى تلك المناطق المهجورة، حيث لا أحد ينتظر مسكن التاريخ. لكم كان طيباً أفلاطون وهو يحاول أن يقنعنا بأهمية الإنصات إلى الموسيقى القديمة وممارسة الرياضة في جمهوريته بحثاً ربما عن توازن ما.

هل ترى أن الحداثة صنعت فجوة بين المتلقي والمبدع حالياً؟   

             

إذا أدمنا النظر في عمق البنيات الثقافية التي تتمتع بها المجتمعات المتقدمة، فسنلاحظ أن الحداثة يُمارَس فيها حضورها التلقائي والطبيعي، دونما أي تمحل أو تنطع، باعتبارها نمطاً حياتياً، مستنداً إلى أسس نظرية ومعرفية لها امتداداتها الموضوعية والفعلية بين الأفراد والجماعات، بكل مكوناتها العمرية والاقتصادية والثقافية، فيتحدد دورها أساساً، في تذليل أنواع العقبات التي يحدث أن تحول دون تحقيق تواصل ثقافي بين فئاتها في المجتمعات النامية.

هل ستفرز الثورات العربية مشاريع إبداعية للأمة في المستقبل؟

يبدو لي هذا السؤال محفوفاً بغير قليل من الغموض والالتباس، ما دامت الثورات عموماً، على الأقل بالنسبة إلى تصوري الشخصي، تحتاج إلى غير قليل من الوقت، كي تكشف هويتها الحقيقية ومساراتها الفعلية. فضلا عن كون مسارات الثورات لا تتطابق تماماً مع مسارات الإبداع، فالإبداع الحقيقي له قوانينه الخاصة به، لعل أهمها أنه ليس انتظارياً يتحين فرص حدوث ثورة ما، كي يتخذ منها مطية موقتة لغايات مؤقتة، بل على العكس من ذلك، إنه استشرافي بامتياز، وقد يكون وبطريقته الخاصة جداً الشرارة المولدة لهذه الثورة أو تلك، خصوصاً منها المتميزة بآفاقها الفكرية والروحية.

أخيراً، ماذا عن مشاريعك الإبداعية؟

في ظل حركة ثقافية جد معطوبة، يظل تحقيق النزر القليل من هذه المشاريع رهناً بمصادفات مفاجئة، قد تتسلل خلسة إلى أوراقك الشخصية، كي تنتقي منها وبشكل عشوائي، ما يمكن أن يستمتع بمغادرة عتمات الكتابة، أطياف الروح إلى ضوء القراءة المطبوعة.

back to top