الأديب أحمد صلاح سابق: طنين الذباب لا يهدأ في أذن {النمروذ}

نشر في 27-06-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-06-2014 | 00:02
النمروذ بن كنعان، أحد الملوك الجبابرة الذين حكموا الأرض، كان حاكماً ظالماً باطشاً، فسلط الله عليه بعوضة صغيرة دخلت في أنفه ويقال في أذنيه لا يهدأ طنينها، إلا إذا ضربته حاشية النمروذ أو من حوله بالمرازب على رأسه إلى أن يهدأ... قصة النمروذ اتخذها الأديب أحمد صلاح سابق لتدور في سياقها روايته الجديدة التي تحمل العنوان نفسه. حول جديده وتقييمه لجيل الكتاب الشباب اليوم كان الحوار التالي معه.
لماذا «النمروذ» وما السر في اختيار هذا العنوان؟

الاسم هو للنمروذ بن كنعان، أحد أربعة ملوك جبابرة حكموا الأرض، حسبما يقول بعض المفسرين والمؤرخين، كان مفسداً جباراً عنيداً، فسلَّط عليه الله بعوضة مكثت في أنفه أربعمئة سنة. تقول الرواية إنه، وهو السيد الآمر في قومه، كان يخرج عن هيبة الملك كلما عبثت البعوضة بدماغه، فيقوم إليه أتباعه فيضربون رأسه بالمرازب كي يعود إلى رشده. النمروذ شخصية تحمل مجازات واستعارات، وتجسيد ملحمي للحكمة الشعبية: {هلاك المفتري يأتي على أهون سبب}.

كيف عشت تجربة النمروذ؟

 

أمضيت عمري في تجربة روائية ممتدة، حاولت فيها التدرُّب على الكتابة، والتمرٌّس بفنونها، ورغم أن رواية {النمروذ} العمل العاشر لي أو نحو ذلك، إلا أنها العمل الأول الذي رأيت فيه تكاملاً ونضجاً وحرفية تصمد للنشر في سوق عسير، وأنا ناقد قاسٍ للذات، لا أخدع نفسي ولا أحب أن أخدع من يقرأ لي، وأضع أمام نفسي إجراءات جودة متشددة.

لا بد إذاً من أنك واجهت صعوبات.

 واجهتني صعوبات لا حصر لها، بعضها يتعلق بالقدرة على إدارة الأوقات، مع التلذذ، في الوقت ذاته، بالعملية الإبداعية التي لا ينجم عنها في غالب الأحوال أي عائد مادي، ثم تأتي صعوبات تقنية، من جهة مواءمة الزمان والمكان في الرواية، ومعالجة الأحداث والشخصيات، وما إلى ذلك مما يعلمه الجميع. لكن وجه الصعوبة الحقيقي في الكتابة، لا يتلخص في الشخصية أو الحدث أو الحبكة، وهي صعوبات معتبرة، بل في كون الكتابة عملية شاقة، تتطلب التمهيد بأرضية من الخبرة الحياتية العميقة والمعارف المتعددة، التي لا تأتي بين ليلة وضحاها، بل هي خلاصة أعوام من المراقبة والقراءة والتدبر، وأتمنى لهذه الرواية أن تنال حظاً من النجاح، يليق بما بُذل فيها من مجهود، إن كانت تستحق.

أنت مهندس وتعمل في الغرافيك أيضاً، لماذا اخترت الكتابة الروائية؟

أعتقد بأنني لم أختر الكتابة بقدر ما اختارتني هي. أكتب لأنني لا أستطيع العيش من دون الكتابة، لكن كون الكتابة اختارتك لا يعني أنها تحبك، أو أنها ستنظر إليك بعين الرعاية والنجاح.

كيف ترى الحالة الأدبية في مصر اليوم، بعد ظهور كتّاب كثر؟

 المسألة باختصار أن ثمة انفجاراً في دور النشر، وانفجاراً في المعلومات، وانفجاراً في المواهب.

كيف ترى أدب ما بعد الثورة المصرية؟

 الثورة وما ترتب عليها من أمور لا يمكنني البت فيها الآن، فأي أدب يعاصر فترة بعينها لا يكون ناضجاً بشكل كافٍ لتحليل تلك الفترة، بل يكون مفعماً بالتشدد أحياناً والتنطع، وبريئاً من الحياد.

هل يمكن تحليل شخصية الكاتب من خلال كتاباته؟

 يعتبر البعض أن تحليل ميول الكاتب الشخصية هو خليط من الفراسة والعلم، وهو ما أميل إلى تصديقه، لأن الكتابة انعكاس لباطن الكاتب. لكن ينبغي البعد عن الشطط في هذا المذهب، أقول هذا لأن البعض يتحذلق في الربط بين ما يسطره الكاتب وشخصيته، من دون امتلاك بناء معرفي يؤهله إطلاق أحكام تمس الكاتب بشكل شخصي.

هل تركز على الرواية فحسب، أم على أجناس أدبية أخرى؟

الرواية أحد أصعب فنون الأدب، وهي تستنفد معظم وقتي ومجهودي، ولا يسعني إلا التركيز عليها فحسب.

يقال إن الكتابة باتت ساحة مباحة للجميع، هل تعتبر أن هذا حق مطلق أم هو مقيد وتتحكم به شروط؟

لا أجد في فرض الرقابة على الكتب أي جدوي، بغض النظر عن أهداف الرقابة وشروطها، فمنع أي كتاب هذه الأيام أمر في حكم الاستحالة، ولا يؤدي إلا إلى الترويج للكتاب نفسه، لأن الممنوع مرغوب، وبما أن الرقابة تهدف، في صورتها النظرية إلى الحفاظ على القيم الحاكمة والموجهة للمجتمع، فالغالب الأعم أن يُسيء بعض الكتاب استخدامها، ممن يتعمدون الخوض في أفكار مثيرة للجدل، بقصد الشهرة فحسب، وتسيء السلطة استخدامها أيضاً لتحقيق أمنها السياسي، بقطع النظر عن أي قيم أخلاقية. لذا أجدني أميل إلى إطلاق حرية الفكر من دون قيود، لأن الحرية المشروطة هي باختصار لا حرية!

 

ما الأسماء الأدبية التي أثرت طروحاتها على فكرك؟

أحب أن أشير إلى جيل الكتاب الذي أصَّل لفن الرواية في ثلاثينيات القرن الماضي، كطه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور، ثم مرحلة نجيب محفوظ ومعاصريه من الكتاب العظام، الذين أضافوا بعداً جديداً للرواية، تأثراً بالثورة العلمية الجديدة آنذاك، والتحولات الكبرى الطارئة على عالمهم، سياسياً واجتماعياً. أما عن كتاب عصرنا، فلا يسعني إلا أن أخص علاء الأسواني بالذكر، وأرى أنه هو من أطلق إشارة بدء الصحوة الأدبية الحالية.

 

كيف ترى الحركة النقدية؟

تتجاهل الحركة النقدية الحالية ظاهرة الأدباء الشباب تجاهلاً تاماً، فكأنها لا تستحق الإشادة، فضلاً عن الإشارة، وهو ما يزعج جيلي إزعاجاً شديداً، ويبعث على الإحباط أيضاً، رغم تصدرهم المشهد الأدبي حالياً، من جهة الرواج التجاري.

 

كيف ترى أبرز المشكلات التي تواجه جيل الشباب من الكتاب؟

يواجه الجيل الحالي من الكتاب الشباب مشاكل على المستويات كافة، أولها على الصعيد الشخصي، فالكاتب الشاب متسرع، تهفو نفسه إلى النجاح الخاطف، وتصدر قائمة {الأفضل مبيعاً} الزاهرة، بصرف النظر عن مستواه، ومستوى دار النشر التي يتعامل معها، والمحتوى والأفكار التي يروجها بين الناس.

الملاحظ كثرة المواهب الواعدة التي تخوض تجربة النشر من دون خبرة حياتية ولا قراءات مكثفة، وتحاول، في الوقت ذاته، مناقشة قضايا كبرى، لإضفاء ثقل ورصانة على أعمالها.

ما الذي يفتقد إليه طرح الكتاب الشباب لهذه القضايا الكبرى؟

 

يفتقد إلى الموضوعية والعمق، ويمثل استجابة مباشرة للانفجار المعلوماتي الحالي، الذي يمكن فيه جمع أي  قدر من المعلومات عن أي قضية، من دون إلمام حقيقي بها. وفي ظل التجاهل النقدي التام لمجهود الجيل الحالي، لا بديل أمام الكاتب الشاب إلا التركيز على إنماء تجربته الروائية، التوسع في دراسة أجناس إبداعية متعددة، والاهتمام بتنمية القدرات اللغوية والبلاغية، وتلك نقطة ضعف حقيقية تواجه جيلنا الحالي.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

أقسِّم وقتي حالياً بين عملي النظامي، وكتابة رواية جديدة، ومناقشة بعض الأفكار السياسية والحياتية من خلال فن الكاريكاتور، الذي خضته أخيراً، على استحياء، من خلال حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تجربة جد ممتعة.

back to top