بعد التقارب السياسي بين البلدين... الأدب الروسي يطرق الباب المصري بقوة

نشر في 21-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 21-11-2013 | 00:01
فتح التقارب المصري- الروسي الباب واسعاً أمام بروز الأدب الروسي بقوة لاستعادة مكانته على الساحة الأدبية في مصر، بعد خفوت دام أكثر من 40 عاماً، فدارت ماكينات المطابع سريعاً، مع انفتاح العلاقات السياسية بين البلدين، لتعيد إصدار ما لديها من أعمال أدبية روسية، وتبحث عن الجديد. كذلك تعدّ وزارة الثقافة برامج ثقافية متنوعة لتوطيد العلاقات بين البلدين، وإعادة الحميمية إليها مثلما كانت في الستينيات وبداية السبعينيات.
أعادت «الهيئة العامة للكتاب» في مصر طبع كتاب «مختارات من الأدب الروسي المعاصر والحديث»، ترجمة الدكتور أشرف الصباغ، وهو يشكل إسهاماً بارزاً في تعريف القارئ العربي ببعض المؤلفين الروس المعاصرين، واتجاهات الأدب في روسيا في المرحلة بعد السوفياتية، فالقارئ العربي يعرف غوغول وتولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف وغوركي وغيرهم من عمالقة الأدب الواقعي الروسي الذين خرجوا من  «معطف» غوغول، لكنه لا يعرف شيئاً عن أدباء روسيا الجدد.

ويتضمن الكتاب قصة «التيوس» لفكتور يروفييف، «الإنذار الداخلي» و»المصباح الأزرق» و»أنطولوجيا الطفولة» لفيكتور بيليفين، «زوجة فرعون» لفيتشيسلاف بيتسوخ، «كيف التهما الديك» ليفغيني بوبوف، «الشاعر والموحية» لتاتيانا تولستايا، و»على لسانه» لمارينا فيشنيفتسكايا.

يعزو المترجم اختيار هذه المجموعة بالذات إلى لفت الانتباه إلى تنوع أجيال هؤلاء الكتاب، فأصغرهم سناً هي مارينا فيشنيفتسكايا، من مواليد السبعينيات من القرن العشرين، وهي شاعرة وروائية سطع نجمها في التسعينيات. أما فكتور يروفييف وفيتشيسلاف بتسوخ ويفغيني بوبوف فقد ظهروا ضمن جيل الثمانينيات مع فكتور بيليفين وتاتيانا تولستايا.

لمحات

 

«لمحات من الأدب الروسي» للمترجم ماهر نسيم الصادر عن دار «المعارف» في نهاية الخمسينيات، يعيد أحد دور النشر الخاصة إصداره للحاق بسوق الكتاب الروسي الرائج راهناً في القاهرة. يرصد الكتاب التطورات التي طرأت على الأدب الروسي وحولته من أدب شعبي إلى أدب ثوري إلى أدب إقليمي إلى أدب اشتراكي، ففي كل حقبة ظهر أدباء مثّلوا عصرهم أصدق تمثيل.

عبّر الكتّاب الشعبيون عن آمال الشعب ورغباته بطريقة ملتوية فرضتها عليهم ظروفهم، كذلك عبّر الكتاب الثوريون عن الثورة التي كانت تتشكل في عقولهم ونفوسهم، بأسلوب غامض وضمن حدود الحريات المقيدة التي تتاح لهم، وعبّر  الكتاب الإقليميون عن تعلقهم ببلادهم وإيمانهم بها، واستمدوا لغتهم التعبيرية من ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ثم جاء الكتّاب الاشتراكيون فعبروا عن مبادئهم الاشتراكية إنما بأسلوب لم يستنفد كل أسباب الجرأة والقوة والصمود، لأنهم كانوا يشعرون بأنهم «ضائعون» لا يعرفون ما قد يأتي به الغد. وتختتم اللمحات بالكاتب العبقري تشيكوف، العلامة الفارقة في الأدب الروسي.

أمسيات وندوات

بدأت مكتبة الإسكندرية تنظيم أمسيات واحتفاليات مكرسة لإبداع الكتاب الروس الكلاسيكيين بهدف اطلاع الشباب على ثقافة روسيا وعلاقاتها القديمة مع الشرق.

بدأت الأمسيات باحتفالية أدبية بمناسبة مرور 195 عاماً على ميلاد الكاتب الروسي تورغينيف في المركز الثقافي الروسي في الإسكندرية، افتتحتها مديرة دورات تعليم اللغة الروسية لاريسا عمر بكلمة أشارت فيها إلى أن إبداع تورغينيف وتأثيره لم يقتصرا على  الأدب الروسي فحسب، بل طاولا الأدب العالمي أيضاً، وركزت الأمسية على قصة «أسطورة شرقية»  التي تدور أحداثها في بغداد.

على المستوى الرسمي، التقى وزير الثقافة صابر عرب وفداً شعبياً روسياً، وكشف عن التحضير للقاءات وبرامج من شأنها تعميق أواصر التعاون بين البلدين، تستهلّ بالتنسيق بين المركز الثقافي المصري في موسكو والمركز الثقافي الروسي في القاهرة، والجمعية المصرية لخريجي الجامعات الروسية والسوفياتية لما لهم من دور في دعم التقارب الثقافي بين الشعبين.

بدوره ينظم المركز الروسي في القاهرة احتفالية كبرى في 18 ديسمبر المقبل، سيزاح الستار خلالها عن تمثال تشايكوفسي، أهدته كل من جمعية خريجي الجامعات السوفياتية والروسية في مصر والسفارة الروسية والمكتب الثقافي الروسي.

مؤثرات متبادلة

يرى الناشرون والأدباء أن المرحلة المقبلة ستشهد عودة حميدة وقوية للأدب الروسي، ولا غرابة في أن هذا الأدب هو الأقرب إلينا من أي آداب أخرى، إذ ثمة مؤثرات متبادلة بينه وبين الأدب العربي عموماً.

يقول الناقد الأدبي إبراهيم فتاح، إنه خلال ما يربو على أربعين عاماً، لا سيما في الفترة من أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، وجدت الثقافة الأميركية موطئ قدم في المنطقة العربية، ولفتت الأنظار إلى الحياة الأميركية، وصدّرت «الحلم الأميركي» إلى الشعوب العربية التي بدأت تتخلى عن ثقافات غربية سابقة وتنغمس في الثقافة البديلة التي تبدو أكثر حداثة وتطوراً وعصرنةً، مقارنة بثقافات غربية أخرى مثل الأوروبية والسوفياتية. غير أن عودة الأدب السوفياتي بقوة إلى القارئ العربي تمثل توازناً مطلوباً، لأننا أكثر ميلاً إلى تلك الثقافة الروسية، ولا يوجد أديب عربي إلا وتأثر بالأدب الروسي في بدايات حياته.

وترصد الباحثة في الأدب الروسي الدكتورة مكارم الغمري، عميدة كلية الألسن في القاهرة، التقارب بين الأدبين والمؤثرات العربية في الأدب الروسي، مشيرة إلى أن الأدب الروسي استلهم كثيراً من الصور الأدبية والرموز والأساليب من الأدب في البلاد العربية، واتضح ذلك من الترجمة الروسية لمدونة «جورج أمارتول» التي تعطي ملخصاً للتاريخ العام، وكان للمادة العربية حظها في هذه المدونة التي عرّفت بالقبائل العربية قبل الإسلام وأوردت معلومات عن بعض الأقطار العربية، بالإضافة إلى إنجاز ترجمة تتناول وصف مكة والمدينة المنوّرة.

بعد ذلك ازدادت المؤلفات التي ترجمت القرآن وشرحت الإسلام ووصفت الأقطار الإسلامية، لا سيما تلك الواقعة على حدود روسيا الشرقية والجنوبية.

أما “ألف ليلة وليلة” فتذكر د. مكارم أن روسيا تعرفت إليها بعدما ترجمت إلى الروسية عن الترجمة الفرنسية التي أنجزها غالان، وقد ظهرت أول طبعة لها في موسكو في 12 جزءًا (1763- 1771)، فلقيت نجاحاً، وتوالت الترجمات  الروسية  من روائع الأدب الغربي التي تستلهم الشرق، مثل “رحلة من باريس عبر مصر والمغرب وإسبانيا” لشاتوبريان، وقد ترجم إلى الروسية عام 1815 وحاز شهرة في الأوساط الثقافية في روسيا في النصف الأول من القرن الماضي، كذلك  حقق “الديوان الغربي- الشرقي” انتشاراً وشعبية واسعة لدرجة أن اسم بطلته زليخة العربية شاع في المؤلفات الأدبية الروسية التي تستلهم الشرق، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كذلك حازت أسماء فاطمة وليلى إعجاب الأدباء الروس. فنجد ليرمونتوف- مثلا- يقتبس الاسم العربي ليلى في مؤلفه “الحاج إبريك”.

ولم يقتصر الاقتباس على الأسماء العربية بل تعداه إلى أسماء المدن العربية، وإلى اقتباس أبيات من الشعر العربي تصدر بها المؤلفات الأدبية الروسية التي تستوحي الموضوعات العربية.

back to top