رجل أوروبا السقيم قد يستعيد عافيته

نشر في 19-01-2014
آخر تحديث 19-01-2014 | 00:01
 ذي إندبندنت لا تحكموا  مسبقاً على الاقتصاد الفرنسي بالسلب، وإذا شعرتم بميل إلى ذلك، خصوصاً أن فرنسا المرشح الأبرز اليوم لنيل لقب "رجل أوروبا السقيم"، فتأملوا ما يلي: بلغت فرنسا حالة الركود الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، فقدّم الرئيس الاشتراكي الجديد استراتيجية اقتصادية سياسية: إنفاق عام أكبر، وضرائب أعلى، وزيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور والمساعدات الاجتماعية، والمزيد من التدخل في كيفية تنظيم الشركات أعمالها.

لكن النتيجة كانت كارثية: ارتفعت البطالة إلى 12% وازداد الركود حدة، لذلك بدأ الرئيس بعد 18 شهراً بتطبيق تبدّل في السياسة، مخفضاً الإنفاق العام ومخففاً الضرائب. وبحلول نهاية عهده، كان قد تخلى عن كامل برنامجه الأساسي، فتجاوب الاقتصاد مع هذا التبدل بتدل مماثل، ودخل في مرحلة طويلة من النمو المتواصل.

لربما أدركتم أن الرئيس الذي أتكلم عنه ليس فرانسوا هولاند بل فرانسوا ميتران، الذي لم يتسلم رئاسة فرنسا عام 2012، بل عام 1981، وتبدو أوجه الشبه بين فرانسوا السابق وفرانسوا الحالي غريبة: تشابه في الأسماء، الحياة الشخصية (على ما يبدو)، والأهم من ذلك، السجل الاقتصادي.

لذلك ينشأ هنا السؤال: هل يُجري الرئيس هولاند تبدّلات جذرية كافية في برنامجه الرئيس ليعيد إنعاش الاقتصاد الفرنسي؟ لن نعرف الجواب في الوقت الراهن. ويعود ذلك إلى أننا نحصل اليوم على الفكرة الأولوية عن التغييرات المقترحة في السياسة، وأننا لا نعمل ما سيكون عليه رد فعل الاقتصاد. لكننا نستطيع الجزم، في رأيي، بأن أسس قوة الاقتصاد الفرنسي لا تزال متينة، وأنه ما من سبب يمنع الاقتصاد من التعافي مع تطبيق سياسات منطقية حكيمة.

تشمل أسس قوة الاقتصاد هذه عدم امتلاك قطاع تصنيع كبير (يضاهي القطاع البريطاني حجماً)، ولا شك أن بعض أجزائه ستتقلص، مثل قطاع إنتاج السيارات الشعبية، إلا أن أجزاء أخرى ستنمو، مثل الكماليات، كذلك تتمتع فرنسا بقطاع تكنولوجيا عالية قوي وشركات أدوية وأغذية ومشروبات متينة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو توازن قطاع الخدمات مختلفاً عما نراه في المملكة المتحدة، مع تركيز أكبر على السياحة واهتمام أقل بالقطاع المالي، لكن قطاع الخدمات سيكون العامل الرئيس في التعافي بفرنسا كما في بريطانيا، ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن فرنسا، على غرار المملكة المتحدة وبخلاف الدول الأوروبية الأخرى، تملك معدل ولادات عاليا، مما يعزز احتمال ازدياد عدد سكانها.

ولكن لمَ تصل نسبة البطالة في فرنسا إلى 11% تقريباً، في حين أن معدل البطالة في بريطانيا لا يزال 7%؟ ولمَ تُعتبر لندن، نظراً إلى عدد سكانها الفرنسيين، سادس أكبر مدينة فرنسية؟ تكمن المفارقة في أننا نصدر المتقاعدين البريطانيين إلى فرنسا كي يستفيدوا من برنامج الرعاية الصحية، في حين أننا نستورد الشبان المؤهلين ليستفيدوا من سوق العمل البريطانية. وتُظهر تجربة ثمانينيات القرن الماضي أن هذا يعود إلى إخفاق في السياسة، وأن من الممكن تصحيحه، ولا تشّكل بريطانيا النموذج الأفضل، بل ألمانيا. فقد واجهت هذه الأخيرة مشاكل مماثلة في مطلع العقد الماضي، حين لُقّبت بدورها "الرجل السقيم"، مع تخطي نسبة البطالة فيها الـ12% عام 2005، ثم دفعتها سلسلة من الإصلاحات، وخصوصاً في سوق العمل والنظام الضريبي، إلى تحقيق النجاحات التي تشهدها اليوم.

أمام فرنسا اليوم مهمة مزدوجة: أولاً، عليها أن تتوصل إلى طريقة للحفاظ على خدمات عامة جيدة، مخفضة في الوقت عينه الإنفاق الذي يبلغ راهناً 57%، علماً أن هذه النسبة الأعلى في أي اقتصاد كبير حول العالم. وثانياً، يجب أن تصلح تشريعاتها الضريبية والعمالية كي تخفض البطالة. إذاً، تواجه فرنسا مسألة مالية وأخرى تشريعية: ترتبط الأولى بالحسابات والسياسة والثانية سياسية صرفة.

في المسألة الأولى، لعل أفضل ما يستطيع شخص غير معني بالموضوع فعله تحديد المسار الذي تمكنت عبره دول أخرى، خصوصاً ألمانيا والسويد، من خفض الإنفاق مع الحفاظ على الخدمات، ولا شك أن هاتين الدولتين كلتيهما تعرضتا للانتقاد، ألمانيا لإهمالها الاستثمار في البنية التحتية العامة والسويد للحد من الإنفاق في مجال التعليم من بين أمور أخرى. ولكن في كلتا الحالتين، جرى الحفاظ على البنية الأساسية لخدمات الدولة.

أما في المسألة الثانية، فيُعتبر النموذج الأفضل الإصلاحات في ألمانيا التي شملت إنشاء ما يُعرف بـ"الوظائف الصغيرة"، وظائف تكون عادةً بدوام جزئي، أجرها متدنٍّ، وتُعتبر خارج البنية المحمية لسوق العمل الألمانية التقليدية. ويعود قرار تحديد حد أدنى للأجور أخيراً في ألمانيا في جزء منه إلى الانتقادات التي تعرضت لها هذه المقاربة. صحيح أن المستشار الديمقراطي الاجتماعي الذي روّج لتلك الإصلاحات، غيرهارد شرويدر، خسر منصبه، إلا أن كثيرين حصلوا على وظائف ما كانوا لينالوها لولا تلك الإصلاحات، وإذا كانت هذه السابقة لا تستهوي الرئيس فرانسوا هولاند، فلا شك أن عهد سلفه الطويل قبل نحو 30 سنة سيشكّل مصدر جذب أقوى.

Hamish Mcrae

back to top