خليل علي حيدر: جماعة «الإخوان» ارتكبت أخطاءً استراتيجية في مصر

نشر في 16-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 16-07-2014 | 00:02
«عصر التنظير والزعامات الدينية والحكم الفردي ولّى إلى غير رجعة»

شدد الكاتب والباحث الإسلامي خليل علي حيدر على ضرورة استيعاب الحدث الأهم في تصدع تيار الإسلام السياسي متمثلاً في انتهاء عصر التنظير والزعامات «الدينية» والحكم الفردي، لا سيما عقب ارتكاب جماعة «الإخوان» في مصر أخطاءً استراتيجية، معتبراً جذور هذا التيار ممتدة في الطبقات الشعبية والشرائح الوسطى في المجتمع ولديه تحالفات مع قوى مجتمعية متنوعة، بمعنى أنه يملك قاعدة جماهيرية كبيرة. وبشأن أحداث الفتنة التي تطل برأسها بين الحين والآخر في المجتمع، أكد أن ثمة أسباباً داخلية وأخرى خارجية تتمحور حول التقصير الحكومي في فهم طبيعة النسيج الاجتماعي وسبل الحفاظ على مكوناته، وكذلك غياب الدور الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني والنخب القبلية، إضافة إلى صراعات دولية في المحيط الإقليمي. وفي ما يلي نص الحوار.
لماذا بدأت تتلاشى مفاهيم التسامح والوئام والوفاق وتبرز المشكلات الطائفية والقبلية وغيرهما، لا سيما أن ثمة استقطاباً بدأ يسيطر على مؤسسات المجتمع؟

سببان أظنهما الأكثر تأثيراً في بروز القبلية والطائفية وهما: غياب الرؤية بعيدة المدى لدى الحكومة وخصوصاً تفهم أبعاد التلاحم الاجتماعي والتقارب بين مكونات المجتمع. وثمة تقصير من المجتمع نفسه وجمعيات النفع العام والنخبة القبلية وآخرين. ويمكن أن يقال الأمر نفسه عن الوضع الطائفي. كذلك يصدر بين حين وآخر تصريح أو يُمس بعض المقدسات أو الشخصيات الدينية، فيتوتر الجو والإعلام والإنترنت. ومثل هذه المجالات بحاجة ماسة إلى يقظة المواطنين وتصدي العقلاء لهذه الظواهر المؤسفة.

أما السبب الثاني فهو الصراع الإقليمي الخليجي والعربي عموماً، فالقضية البحرينية المؤسفة لا تزال ملتهبة والمشكلة السورية المحزنة، وما يرافقها من قتل ودمار وتوتر طائفي، لا تزال تتسبب في الاستقطابات المذهبية. ثمة مخاوف متبادلة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، ويشهد العراق القتل والجرائم الإرهابية... أدت هذه الأسباب إلى تسييس الاختلافات المذهبية ومحاولة البعض الاستفادة منها لتحقيق مكاسب في الانتخابات والسيطرة على بعض المؤسسات.

ما دور المؤسسات التربوية المحلية في تكوين نسيج اجتماعي محصن ضد الفتنة والتفتيت؟

تحدث كثيرون عن دور المدرسة ونظام التعليم العام والمؤسسات التربوية في تعزيز النسيج الاجتماعي. ولكن التعليم في الكويت يعاني مشاكل على الأصعدة كافة، وحتى إن تم تطوير المناهج سنبقى في مكاننا فالمشكلة تنحصر غالباً في أفكار المدرس وانحيازه ومدى تسامحه أو تعصبه ومدى احترامه لمختلف فئات الناس في الكويت.

وتؤدي التربية المنزلية في اعتقادي دوراً لا يقل خطورة وأهمية عن الكتب والمناهج. فالطفل الذي يسمع في منزله تعليقات سلبية وتهجماً ضد أي فئة كويتية أو أي جنسية، قد لا تجدي معه المناهج والدروس نفعاً. كذلك يؤدي بعض الأعمال التلفزيونية والبرامج والمسرحيات دوراً سلبياً في هذا المجال، للأسف.

هل تعتقد أن الشعوب العربية تفهم جيداً مبادئ الديمقراطية ومكتسباتها وتستطيع التعايش ضمنها في الأجواء الراهنة؟

ثمة تساؤل يسبق الإجابة عن هذا السؤال، هل ستخدم الديمقراطية استقرار العالم العربي وازدهاره؟ ربما تبدو الإجابة صعبة ولكن لا أحد يدري بالطبع... فالديمقراطية عملية سياسية واجتماعية معقدة تحتاج إلى التفاهم والتسامح والأخذ والعطاء والإصرار والتنازل والشد والإرخاء، ولكن لا بد منها لدخول القرن الحادي والعشرين ونيل الاحترام الدولي. السؤال إذاً ليس في ما إذا كانت الديمقراطية تصلح لنا، بل: ماذا ينبغي علينا فعله لنغير في مجتمعاتنا وعقولنا وثقافتنا لتناسبنا، وماذا نختار إن رفضناها؟ هل شعوب العالم العربي في مصر وتونس وليبيا وسورية والعراق وغيرها قدمت التضحيات الكثيرة لتعود إلى الأنظمة الفردية والتسلط السياسي؟ الشعوب العربية بعد هذه الثورات، منذ 25 يناير 2011، أمام تحديات قاسية واختبار تاريخي عسير، فإما أن تثبت للمراقبين والمحللين وعلماء السياسة أنها شعوب متحضرة قادرة على تحمل مسؤولياتها المدنية والدولية، أو أنها عاجزة ومرهقة ولا تستطيع تحمل أعباء إدارة الدولة الحديثة ومؤسساتها واقتصادها وقوانينها وحرياتها ومطالب المرأة والعمال والفقراء والتجار والصناعيين والفلاحين. الديمقراطية راسخة مثلا منذ أكثر من 60 عاماً في دول أعقد بكثير وأشد تنوعاً من بلداننا، مثل الهند، وإسرائيل التي لم تتوقف فيها الحياة الحزبية منذ ظهرت رغم أن تركيبتها السكانية تعاني من مشاكل لا حصر لها. فهل يريد العرب أن يعلنوا على رؤوس الأشهاد أن الديمقراطية تصلح للهند وإسرائيل ولا تصلح لنا؟ ليعلن قادة العرب ومثقفو العالم العربي هذا الاعتراف وسيكون بعدها لكل حادث حديث.    

نظرية المؤامرة

يروج البعض لفكرة المؤامرة الهادفة إلى تقسيم بعض الدول العربية، هل ترى أن ثمة تقسيمات ستحدث فعلا؟

مشكلة العالم العربي الكبرى ليست المؤامرات بل التخلف والفقر والبطالة والأمية، وغير ذلك من علل. ثم لنسأل أنفسنا كما في بلدان العالم كلها: ماذا نستطيع أن نفعل إن حاول البعض أن ينفصل ويكون دويلة مثلا؟ ثمة وسائل وطرق وأساليب محلية ودولية، سياسية وعسكرية وغيرها للتعامل مع مثل هذه المطالب. ثمة جوانب من الواقع العربي لا تشملها المؤامرات كالتعليم، ورغم ذلك لا نهتم بها. من يمنع مثلا أي دولة عربية من إحداث تحولات ضخمة وعصرية في نظام تعليمها العام والجامعي، فتقوم بتحديثه وتبني مناهج تربط بين الجامعات والثانويات والإنتاج الاقتصادي التصديري والقضاء بشكل كامل، على الأنماط  التربوية الفاشلة التي لا تزال تجر العالم العربي إلى الوراء؟

من سيتآمر علينا إن قررنا البدء بثورة زراعية تنافس ثورة إسرائيل مثلاً، ونضاعف إنتاجية الفلاح في العالم العربي، أو دراسة نوعية الفواكه والمحاصيل التي يشتد عليها الاقبال الدولي؟

ماذا لو قررنا كأثرياء وملاك وحكومات إنشاء مراكز أبحاث لتطوير الأدوية والكيماويات ومشتقات البترول وإيجاد وسائل جديدة لتقطير ماء البحر وغير ذلك؟

لا بد من نمط تفكير جديد يخرجنا من ثقافة العجز وقلة الحيلة. ثمة تجارب كثيرة يمكن الاستفادة منها ولكن أين الراغب المتحمس.

اضطراب سياسي

تابعت الحركات الإسلامية في الوطن العربي على مدى سنوات طويلة، فهل ترى أن تنوع أفكار الحركات أحد أهم أسباب الفتنة بما تعتنقه من رؤى قد تتصادم أحياناً مع المجتمع وتسقط في فخ التشدد؟

اذا كان المقصود بـ «الفتنة» الاضطراب السياسي، فان لهذا الاضطراب أسباباً كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها. ثمة مشاكل مثل البطالة والانفجار السكاني وعدم تطور البنية التحتية في مجالات الإنتاج.

لا يلقى الريف في العالم العربي الاهتمام نفسه الذي تأخذه المدن، ويتركه الناس إلى المناطق الحضرية أو يهاجرون إلى اوروبا وغيرها. وتأتي خطورة الحركات الدينية من زاوية إيهام الناس بأنهم يملكون الحلول للمشاكل كافة، ثم يعجزون ويتعمق الاضطراب كما نرى في السودان مثلاً، وفي مصر.

هل ترى أن ثمة علاقة جيدة بدأت تتأسس بين العالم الإسلامي وبين الغرب، وأن الطرفين تخلصا من تبعات أحداث 11 سبتمبر؟

بدأت في اعتقادي مرحلة جديدة من العلاقات بين العالم العربي وبين الغرب بعد  الثورات العربية التي ساعد الغرب في إنجاح بعضها على نحو فاعل ومباشر، كما في ليبيا التي ما كان لها أن تسقط نظام القذافي الدموي لولا دعم الطيران.

ولا شك في أن أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت مفاجأة عربية وعالمية مروعة، فقد أنزلت بالعالم العربي دماراً لا يوصف على الصعيدين الإعلامي والسياسي وغير ذلك.

وبالنسبة إلى انتشار التطرف بين الشباب، علينا أن نتذكر أن هذا التطرف كان واسع الانتشار منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما اغتيل الرئيس السادات وانتشر العنف في مصر ثم بدأت مرحلة العرب الأفغان والثورة الإيرانية وبرز تنظيم القاعدة لاحقاً.

ما موقف المجتمعات المدنية من الحركات الدينية في المستقبل القريب أو البعيد بعد تصدع تيار الإسلام السياسي في بعض الدول ووصمه بالإرهاب؟

أهم درس ينبغي استيعابه من تصدع تيار الإسلام السياسي أن عصر التنظير والحلول السهلة والزعامات ذات الهالة الدينية قد انتهى وعلينا جميعاً في مصر وغيرها أن نتفهم إمكاناتنا ومشاكلنا ونضع لها الحلول. مثلاً، أوهم التيار الديني الناس لأكثر من 80 سنة في مصر بأنه أفضل من يدير البلاد ثم رأينا جماعة {الإخوان}ترتكب أخطاءً استراتيجية أولها استعجالها في الهيمنة على مصر، وثانيهما انتقالها الفوري إلى تسوية الحساب مع الخصوم والمنافسين، وثالثها فقر الجماعة الشديد في القيادات والزعامات وهكذا.

ثمة فراغ اليوم في مصر والشباب الذين اشعلوا الثورة لم ينظموا صفوفهم ولم يستوعبوا مسؤولياتهم، والأيام تتوالى وتتراكم التحديات.

تفكك وانقسام

هل نعيش زمن الفتنة الكبرى بعد ثورات الربيع العربي؟

المشهد العربي معقد بالفعل ولا شك في أن للعالم الغربي مصالحه واستراتيجياته. ولكن ماذا نريد نحن أمام كل ما يحدث من متغيرات؟ مثلاً، مصر اليوم أمام مفترق طرق اقتصادياً وسياسياً وتنموياً. المطلوب تغيير نظام التعليم العام والجامعي وتبني نظم الدول الآسيوية المتقدمة. فهل المدرسون المصريون وأساتذة الجامعة والجهاز الإداري على استعداد لذلك؟ ينبغي مثلا بناء اقتصاد مصر على أسس جديدة، وكذا في تونس وليبيا، وإقامة حياة إنتاجية جديدة. فهل نرى بداية استعداد لها؟

الجماهير في مصر وتونس وليبيا قالت في مسيراتها بصوت عال إنها تريد أن تعيش كما يعيش الناس في أوروبا. هل سيتحقق هذا الحلم من دون تغيير ثقافي واجتماعي مثلا؟

هل اهتزاز الثقة بين المجتمعين العربي والغربي دفع برأيك كثيراً من شباب المسلمين إلى التطرف والانحراف في الفكر انتصاراً لدينهم كما يعتقدون مما أدى إلى فتنة في المجتمع لا نزال نعاني منها؟

 

لن يسقط في العالم العربي أي بناء قوي يلتف الشعب حوله ويقتنع الناس بجدواه وينجح في الاختبار السياسي والاقتصادي. التفكك والانقسام في العالم العربي ليسا من نتائج مخططات الغرب، بل من إفرازات مراحل القمع والتسلط القومي والمذهبي والعسكري وغير ذلك... وهذه كلها مشاكل بحاجة إلى حلول ومكاسب وتنازلات وأخذ وعطاء وتعديلات دستورية قبل أن تصل الأمور إلى الصدام والتدخل العسكري والانفصال. إنها عملية صعبة، وما يحدث في السودان من انقسام وحرب بين الانفصاليين دليل على هذا. علينا المبادرة بحل المشاكل وإشراك أطياف الشعب الدينية والعرقية والمهنية كافة، ففي ذلك خير ضمان للحد من تطرف العناصر الانفصالية أو التطرف الفكري عند الشباب.

هل سيعود تيار الإسلام السياسي إلى الساحة؟

هذا من أفضل الأسئلة الموجهة إلى الواقع والمستقبل العربي. لقد فقد الإسلام السياسي الكثير من هيبته ورونقه ومن عطف الجماهير. وفي دول عدة بما فيها دول مجلس التعاون باتت قطاعات لا يستهان بها من الناس تفكر بشكل واقعي وتدرك أن مجرد رفع الشعارات والمظاهر الدينية لا يعني تقديم أفضل الحلول أو تسليم البلاد إلى أيد أمينة نحن الان في تقدم هائل على صعيد التعامل مع التيار الديني مقارنة بما كانت عليه الحال عام 1980 مثلا وحتى عام 2000.  ثمة نضج لدى قطاعات واسعة وكثيرون اكتشفوا محدودية حلول الإسلاميين ومبالغات شعاراتهم.

لكن الإسلام السياسي من  جانب آخر،  تيار قوي جداً وجذوره ممتدة في الطبقات الشعبية والشرائح الوسطى وغيرها، فضلاً عن أنه متحالف مع قوى نقابية وقبلية وطائفية وعشائرية .يضاف إلى ذلك أن المرأة العربية لا تزال تتعاطف معه في الجامعات وغيرها. لذلك أعتقد أن ثمة قطاعات عريضة في المجتمع لا تزال تؤيده وتتعاطف معه.

غياب العدالة

هل أدى غياب العدالة الاجتماعية وظلم بعض الحكام  إلى سرعة انتشار الفتن ومظاهر التطرف في البلاد العربية والإسلامية؟

أدى غياب العدالة الاجتماعية وظلم الانظمة دوراً واضحاً، ولكن ينبغي أن نلاحظ أن الفقر والجوع والظلم وغيرها مظاهر موجودة في دول كثيرة من دون أن تظهر فيها جماعات تكفيرية وإرهابية وأحزاب متشددة.نعاني مشكلة في ثقافتنا السائدة وتعليمنا وفي الأفكار الدينية التي نتحمس لها. من مشاكل الثقافة العربية أننا لا نملك حق مناقشة الكثير من القضايا والأفكار خشية الوقوع تحت طائلة القانون. تصول هذه الجماعات وتجول وتقول في الآخرين وأفكارهم ما تحب وتشتهي، ولا يستطيع أحد أن يرد عليها. اذا ثمة قضايا ترفع على إعلاميين ومثقفين وقد يهدد بعضهم في عمله وحياته.

ثمة خلط في المفاهيم عند بعض الناس بين الفتنة والثورة والعصيان المدني والحرب الأهلية، فكيف تكشف لنا الفروق بين هذه المفاهيم من منظور الممارسة الاسلامية؟

قد لا يكون تعريف هذه المصطلحات بالسهولة المتصورة، إذ تختلف بين من يعارضها وبين من يعاديها. نحن بحاجة إلى تعاون بين السياسيين والقانونيين ورجال الدين والمؤرخين للخروج بتعريف دقيق لكل منها، ولست متأكداً من وجود تعريف إسلامي لكل منها. ما تعريف حرب الجمل وحرب صفين والحرب بين العباسيين والأمويين مثلاً؟

كلمة أو رسالة أخيرة توجهها إلى الشعوب العربية والإسلامية والحكام على حد سواء فمادا تقول فيها؟

اللافت أن متوسط دخل الفرد في العالم الإسلامي لا يزيد عن الألف والألفين دولار سنوياً ومتوسط دخل الإنسان في البلدان  الأوروبية والغربية المتقدمة نحو 30 أو 40 ألف دولار.

وثمة 20 دولة عربية و40 أو 50 دولة إسلامية لا توجد بينها دولة واحدة ضمن البلدان المتقدمة، والانتقال إلى صف البلدان الثرية المتقدمة لا يحتاج إلى تصدير البترول بكميات كبيرة بل إلى أي معدن او محصول للتصدير بكميات أكبر لتوفير العملات الصعبة وتحقيق الرخاء الاقتصادي، لأن ثروات اليابان وكوريا وسنغافورة هي عقول أبنائها والنظام التعليمي العصري والاقتصاد القائم على تصدير الإلكترونيات والآليات. ذلك كله حقق لهم الرخاء والانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة. وعلينا أن نعي الدرس ونهتم ببناء الإنسان عقلاً وجسداً وروحاً، فهو الثروة الحقيقية القادرة على الانتقال ببلادنا إلى الصفوف الأولى في الدول المتقدمة. لكن لا نزال نكدس المليارات ونصرف غيرها ودولنا تزخر بالإمكانات ومن دون فائدة.

back to top