الصين تتجه إلى استعادة زخم نموها الاقتصادي عبر ثورة حضرية هائلة... فهل تنجح؟

نشر في 22-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 22-03-2014 | 00:01
بعد بداية الإصلاح الاقتصادي في الصين أصبح نظام الهيوكو أقل فعالية إزاء السيطرة على انتقال سكان الأرياف. وعمد ما يصل إلى 500 مليون شخص من سكان الأرياف الساعين إلى حياة أفضل لهم ولأطفالهم إلى التوجه إلى المدن والبلدات منذ سنة 1978 على الرغم من أن نصفهم لم يحصلوا على إذن رسمي بتغيير وضعهم السكني.
تسعى الصين الى زيادة عدد السكان في المناطق الحضرية بحوالي 91 مليون نسمة في غضون سبع سنوات. وهذا هدف طموح ولكن من غير الواضح ما اذا كانت الصين قادرة على تحقيقه.

لقد أسهمت استثمارات الأصول الثابتة (البنية التحتية والعقارات والمصانع) والصادرات، طوال العقدين الماضيين، في دفع النمو الاقتصادي الواسع في الصين. ومع فقدان زخم محركات التوسع هذه شرعت الحكومة الصينية في البحث عن مصدر جديد للتنمية. ويبدو أن بكين اختارت التحضير أو التوسع الحضري باعتباره المنقذ التالي لها في الميدان الاقتصادي. وخلال هذا الأسبوع أعلنت الحكومة الصينية عن نموذج أولي طموح يدعى «خطة التمدن الوطنية الجديدة 2014 – 2020 «. وتهدف هذه الخطة الى زيادة عدد سكان المناطق الحضرية من 53 في المئة من السكان اليوم الى 60 في المئة بحلول سنة 2020. (وهو المعدل الوسطي لدولة مقابلة متوسطة الدخل). وسوف يتطلب ذلك زيادة صافية تبلغ 91 مليون مقيم حضري خلال سبع سنوات (أو 13 مليوناً في السنة الواحدة).

والأكثر أهمية في هذا  الصدد هو أن الحكومة تأمل منح حوالي 120 مليوناً من المهاجرين الريفيين الذين يعيشون في الوقت الراهن في المناطق الحضرية حقوق سكن تامة ستخولهم لنيل خدمات حكومية اجتماعية مثل تعليم أطفالهم والضمان الصحي وإعانات تقاعد. وسيتطلب ذلك عملية اصلاح رئيسية في «هيوكو» الصين الفريد (نظام تسجيل العائلة) كما أن من غير الواضح ما اذا كانت الصين مؤهلة لذلك الهدف.

وكان نظام «هيوكو» الذي شرع في الخمسينيات من القرن الماضي بعد سيطرة الشيوعيين قد صمم للحد من الهجرة الريفية. وبموجب هذا النظام أصبح لدى الصين طبقتان من المواطنين: السكان الحضريون والريفيون. ويتمتع السكان الحضريون بخدمات حكومية كاملة تورث الى ذريتهم. وعلى العكس من ذلك فإن سكان الأرياف وأطفالهم لم يسمح لهم بالعيش في المناطق الحضرية أو التمتع بالخدمات المجانية المتاحة لسكان المناطق الحضرية.

وقد سمح ذلك النظام للدولة بتوفير مبالغ اجتماعية ضخمة كانت ستفيد الطبقة الفلاحية الواسعة في البلاد، ولكن النظام يميز ضد الفقراء والمحرومين.

بعد الاصلاح الاقتصادي

وبعد بداية الاصلاح الاقتصادي في الصين أصبح نظام الهيوكو أقل فعالية ازاء السيطرة على انتقال سكان الأرياف. وعمد ما يصل الى 500 مليون شخص من سكان الأرياف الساعين الى حياة أفضل لهم ولأطفالهم الى التوجه الى المدن والبلدات منذ سنة 1978 على الرغم من أن نصفهم لم يحصلوا على اذن رسمي بتغيير وضعهم السكني.

وبسبب النظام المشار اليه فإن المعدل الفعلي للتمدن في الصين يبلغ 36 في المئة (المعدل الاسمي هو 54 في المئة). ومن بين الـ 700 مليون شخص الذين يعيشون في المناطق الحضرية يوجد حوالي 230 مليوناً من مهاجري الأرياف الذين لا يعتبرون بشكل رسمي من سكان المناطق الحضرية بحكم حقوق المواطنة والفرص الاقتصادية. ومن دون حقوق سكن حضرية قانونية يتعين على العامل الريفي المهاجر دفع رسوم من أجل تعليم أولاده في مدارس دون المستوى القياسي. كما أنه لا يستطيع الحصول على ضمان صحي أو اعانات تقاعد توفرها الحكومة. وليست لديه بالتأكيد وسيلة أو حافز لشراء شقة (1 في المئة فقط من المهاجرين يملكون سكناً).

ويعمل نظام الهيوكو على الحد من الحركة الاجتماعية لمهاجري الريف وأولادهم، كما يخفض الاستهلاك الاقتصادي، لأن على المهاجرين أن يدفعوا مبالغ كبيرة من دخلهم للحصول على الخدمات العامة.

ومن حسن الحظ أن القيادة الصينية اعتبرت اصلاح نظام الهيوكو أولوية قصوى. وبحسب خطة التحضير التي نشرت أخيراً فإن مهاجري الريف الذين يعملون ويعيشون في بلدات ومدن يقل عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة لديهم فرصة في الحصول على حقوق اقامة كاملة بحلول سنة 2020. وسيستمر تنفيذ النظام المذكور في المدن التي يتجاوز عدد سكانها الثلاثة ملايين نسمة في الوقت الراهن. (يوجد في الصين 38 من مثل هذه المدن التي تشمل بشكل تقريبي كل العواصم الاقليمية والمدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي).

ويمثل التمويل الصعوبة العملية في اعطاء 120 مليوناً من مهاجري الريف حقوق اقامة حضرية. ويقدر الباحثون الصينيون ان تكلفة اعطاء المهاجر حقوق اقامة حضرية كاملة تصل الى حوالي 100000 يوان (ما يقارب 16400 دولار). وعلى أي حال، يمكن توزيع هذا المبلغ على عدة سنوات. وحسب حسابات البروفسور كام وينغ تشان من جامعة واشنطن فإن اسكان 20 مليوناً من المهاجرين في السنة، كما تتصور خطة الصين الجديدة، يعني تخصيص 50 مليار يوان (أو 8.2 مليار دولار) سنوياً على شكل خدمات اجتماعية اضافية ( 0.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي و0.4 في المئة من الانفاق العام).

وعلى الرغم من أن الصين تستطيع تحمل المخصصات الاضافية فإن من غير الواضح اي جزء من الدولة سوف يتكفل بذلك. وتوفر «خطة التحضير الوطنية الجديدة» خطوطاً ارشادية غامضة فقط  -- يفترض في تمويل الاصلاح أن يتم عبر ثلاثة مصادر: تحويلات مالية من بكين وضرائب محلية واصدار سندات من الحكومات المحلية.

ما يثير قلق المراقبين بقدر أكبر هو نقص الحوافز بالنسبة الى المسؤولين المحليين لتبني هذا الاصلاح. مهاجرو الريف لا يملكون قوة سياسية، وهم محرومون من الوجهة الاجتماعية الاقتصادية. ومثل كل أبناء الشعب الصيني ليس لديهم حق تصويت. ومن أجل نجاح الاصلاح المقترح سوف يتعين على بكين اعطاء مهاجري الريف قوة سياسية كافية من أجل مساءلة الحكومات المحلية. وهكذا شأن كل الاعلانات الاخرى التي تعد بالاصلاح تستحق حملة التحضير الجديدة الثناء، ولكن نجاحها يظل في عالم المجهول بصورة تامة.   

* (مجلة فورتشن)

back to top