هل نثق بإيران... وماذا لو نكثت وعودها النووية؟

نشر في 07-02-2014
آخر تحديث 07-02-2014 | 00:01
استنتج مجلس علوم الدفاع في "البنتاغون" في الأسبوع الماضي أن وكالات الاستخبارات الأميركية "ليست منظمة أو مجهزة تماماً كي "تكشف متى تقوم الدول الأجنبية بصنع أسلحة نووية أو إضافة المزيد إلى ترسانتها الحالية.
 ويكلي ستاندرد يهرول الرئيس أوباما إلى تنفيذ الاتفاق المؤقت لستة أشهر الذي تم التوصل إليه مع إيران، والذي دخل حيز التنفيذ في الأسبوع الماضي، وهو يعمل الآن مع خمس دول عالمية أخرى من أجل التفاوض على اتفاقية طويلة الأجل تهدف الى منع ايران من تطوير قنبلة نووية، ويعتبر أوباما انفتاحه على إيران بمنزلة إنجاز حققته رئاسته، وقد تفاخر بالإعلان أن الدبلوماسية فتحت طريقاً نحو "مستقبل نستطيع التحقق فيه من أن برنامج إيران النووي سلمي الطابع وأنها لن تتمكن من صنع سلاح نووي".

وإذا افترضنا أن المفاوضات لم تتعرض لانهيار وتم إبرام نوع من الاتفاق الطويل الأجل فستظل لدينا أسئلة شائكة:

 السؤال الأول يتعلق بإذعان إيران: ما مقدار الثقة التي يمكن أن نوليها للإيرانيين إزاء عدم قيامهم بالمضي قدماً في برنامجهم النووي في منشآت سرية، كما فعلوا في الماضي؟ وإذا فعلوا ذلك ما مدى ثقتنا بقدرة وكالاتنا الاستخبارية على اكتشافهم؟

تمضي ثقة أوباما حول "قدرتنا على التحقق" وفقاً لحقيقة أن سجل الولايات المتحدة في كشف برامج نووية سرية هي متفاوتة في أحسن الأحوال، ويرجع ذلك ليس إلى كون وكالاتنا الاستخبارية غير مؤهلة- على الرغم من أنها كذلك في بعض الأحيان- ولكن لأن الهدف صعب بصورة استثنائية، وقد استنتج مجلس علوم الدفاع في "البنتاغون" في الأسبوع الماضي أن وكالات الاستخبارات الأميركية "ليست منظمة أو مجهزة تماماً كي" تكشف متى تقوم الدول الأجنبية بصنع أسلحة نووية أو إضافة المزيد إلى ترسانتها الحالية. والأكثر من ذلك أن قدرة تلك الوكالات على العثور على "مشاريع نووية صغيرة مصممة لإنتاج وتخزين ونشر عدد صغير فقط من الأسلحة" هي إما غير كافية وإما لا وجود لها في أغلب الأحيان.

تعود إخفاقات الاستخبارات في الميدان النووي الى فجر العصر الذري وتشمل الفشل في توقع أول تجربة لقنبلة ذرية سوفياتية في سنة 1949، وأول قنبلة هيدروجينية سوفياتية في سنة 1953 وأول تجربة نووية هندية في سنة 1974. وبعد حرب الخليج الأولى ذهل مجتمع الاستخبارات الأميركي لمعرفته أن العراق كان يبعد مجرد أشهر عن إنتاج قنبلة نووية. وفي الفترة التي سبقت حرب الخليج الثانية أخطأت وكالة الاستخبارات المركزية في الاتجاه المعاكس حيث أعلنت بثقة عالية- وفقاً لكلمات مديرها جورج تينيت- أن صدام حسين كان يطور أسلحة نووية، لكنه لم يكن يفعل ذلك، وقبل وقت قريب قامت كوريا الشمالية ببناء منشأة لتخصيب اليورانيوم لم تلحظها الاستخبارات الأميركية، على الرغم من التدقيق المكثف، الى أن أعلنتها كوريا الشمالية.

حالة سورية تتسم بصلة خاصة إزاء جهودنا الرامية إلى مراقبة ايران.

موقع «الكبر»

بحلول أواخر التسعينيات من القرن الماضي كشفت الاستخبارات الأميركية عن مؤشرات طفيفة تفيد بأن سورية ربما كانت تشرع في نوع ما من مشروع نووي، ولكن وكالة الاستخبارات واجهت صعوبة في تفسير الدليل الذي كانت تجمعه، وقد اعتقدت أن كوريا الشمالية كانت تساعد سورية عبر مشروع مشترك يشمل خبراء نوويين من كوريا الشمالية، ولكن كما أوضح أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية في إيجاز صحافي "ليست لدينا أي تفاصيل حول طبيعة أو موقع المشاريع المشتركة". وبحلول سنة 2003، خلصت الاستخبارات الأميركية إلى نتيجة مفادها أن الأنشطة شملت أعمالاً في مواقع "ربما كانت داخل سورية" ولكن أجهزة الاستخبارات "لم تعلم أين على وجه التحديد". ثم اتضحت الرؤية: "لدينا هذا الدليل وهو يكاد يكون على شكل سحابة وهكذا ثمة أشياء تجري هنا ولكن من دون دقة كبيرة حولها".

وبحلول سنة 2005 حققت الولايات المتحدة مزيداً من التقدم إزاء تحديد ما كان يجري، فقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية "بناء غير محدد قيد الإنشاء" يقع في واد ضيق إلى الشرق من سورية على مقربة من نهر الفرات عند "الكبر"، لكن محللي الاستخبارات الأميركية لم يتمكنوا من إضافة المزيد غير ذلك، وكان كل ما لديهم مجرد صور لبناء "مكتمل من الخارج" ولكن كان "من الصعب معرفة الغرض من بنائه من خلال النظر إليه".

وتمثلت إحدى المشكلات في عدم إمكانية التأكد عبر الجوانب الخارجية بأنه مفاعل نووي- من خلال مظاهر مثل نظام إمداد كهربائي ضخم وتهوية واسعة ونظام تبريد- وهو الأكثر أهمية. وكانت المشكلة الأخرى هي أنه على الرغم من أن البناء يشابه كثيراً مفاعل كوريا الشمالية للبلوتونيوم في يونغبيون لم يتمكن خبراء التصوير من ذوي المهارة العالية من ربط النقاط بين المنشأتين، تلك لم تكن غلطتهم لأن سورية عمدت إلى إقامة جدران ساترة وسقف مزيف لإخفاء شكل البناء والملامح النموذجية لمفاعل نووي. والمعدات الفائقة التقنية التي كلفت مليارات الدولارات لدى الاستخبارات الأميركية أحبطتها تقنيات متدنية التكلفة قديمة في الحروب: التمويه.

وفي سنة 2007 فقط وعندما أصبح المفاعل جاهزاً لتزويده بوقود اليورانيوم استنتجت الاستخبارات الأميركية أن سورية بنت مفاعلاً يتم تبريده بالغاز، ولكن ذلك لم يكن حصيلة جهودها بل بدليل لا يقبل الجدل وفرته إسرائيل: صور من الأجزاء الداخلية للبناء، وهكذا تمكنت سورية من دون أن نراها من الاقتراب بشدة من امتلاك مولد عامل للبلوتونيوم المكون للقنبلة النووية.

وقد كتب وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس في كتاب له يقول "كان ذلك فشلاً كبيراً بالنسبة إلى وكالات الاستخبارات الأميركية"، ولاحظ غيتس أن "سورية كانت لسنوات هدفاً يتسم بأولوية بالنسبة إلى الاستخبارات الأميركية، وأن الكشف المبكر عن مفاعل نووي كبير قيد الإنشاء في مكان مثل سورية يفترض أن يكون نوعاً من العمل الاستخباراتي الذي تتقنه الولايات المتحدة". ومن الواضح أن هذا الفشل صدم غيتس ودفعه إلى طرح سؤال على الرئيس بوش "كيف يمكن أن نظن بوجود أي ثقة على الإطلاق في تقديرات المدى الذي مضت إليه برامج كوريا الشمالية وإيران أو برامج محتملة أخرى؟".

تردد بوش

كان ذلك هو السؤال الصحيح لطرحه في سنة 2007 ويظل السؤال الصحيح الذي يطرح حول إيران اليوم؟

ومن البارز بصورة خاصة أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت غير هيابة إزاء خطئها وإهمالها، فبعد أن قدمت إسرائيل للولايات المتحدة صوراً عن الأجزاء الداخلية من مبنى "الكبر" أبلغت وكالة المخابرات المركزية الرئيس بوش أنها تثق بشدة بأن المبنى كان مفاعلاً نووياً، لكنها تشعر بقدر قليل من الثقة إزاء انهماك سورية في مشروع يهدف إلى تطوير أسلحة نووية. ويرجع السبب في هذا التقدير إلى أن وكالة المخابرات عمدت إلى تمشيط سورية ولم تتمكن من تحديد أي مكونات أخرى تدخل في برنامج نووي، ولم يكن ذلك استنتاجاً من دون عواقب، وفي عواقب إخفاق الاستخبارات حول أسلحة الدمار الشامل التي أفضت إلى حرب الخليج الثانية تردد الرئيس بوش في ضرب المفاعل السوري من دون تقييم راسخ تماماً من وكالة المخابرات المركزية يدعم موقفه. لكن إسرائيل لم تكن على هذا القدر من التردد، حيث قامت بتدمير المفاعل بغارة جوية في السادس من سبتمبر سنة 2007.

ماذا يعني ذلك كله بالنسبة إلى تعاملنا مع إيران؟ في ما يتعلق بايران تذكرنا القضية السورية بقدرة الدول على الحصول على القدرة النووية بصورة سرية، وهو ما قالته وكالة المخابرات الأميركية نفسها عن فشلها في هذا الصدد. ولكن يبدو أن الرئيس أوباما لا يأخذ ذلك التذكير بكثير من الجدية. حتى مع تمكن المفتشين من التجول بحرية في إيران فإن قدرة الاستخبارات الأميركية على مراقبة دولة تبلغ مساحتها 10 أمثال مساحة سورية تظل موضع شك، ولكن مع الاتفاقية المبدئية مع إيران التي أبرمها الرئيس أوباما في شهر نوفمبر ليس من حق مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية التجول بحرية، ويبدو أن عملهم سوف يقتصر على المنشآت النووية التي تعرف عنها تلك الوكالة من قبل.

وفي أي اتفاقية ذات أجل أطول مع إيران سوف تظل شروط التحقق المجدية إلى حد كبير مهمة تماماً، ولكن حتى في الحالة غير المحتملة المتمثلة بقدرة الولايات المتحدة وشركاء التفاوض على إقناع ايران بمنح المفتشين إمكانية غير محدودة للوصول إلى مواقع نووية محتملة على أراضيها فإن قدرتنا على اكتشاف انتهاكات سوف تظل محدودة. وقد يكون من الصعب إخفاء مبنى كبير مثل مفاعل نووي عن عدسات الأقمار الاصطناعية الأميركية وذلك على الرغم من أن سورية وجدت ذلك سهلاً بما فيه الكفاية لبعض الوقت، ومن الأسهل كثيراً إخفاء منشآت تضم أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، والتي يمكن أن تكون تحت سطح الأرض ولا تحتاج إلى منشآت تبريد يتطلبها المفاعل، وقد يفاخر قادة وكالات التجسس لدينا بأنواع من المعلومات جمعوها واشتهروا بإنجازها بصورة "فائقة" لكن التاريخ يظهر لنا أن أدواتهم محدودة وسجلهم متفاوت.

طوال أكثر من 20 سنة انتهكت إيران اتفاقات الحماية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقامت بتطوير منشآت نووية سرية، وحاولت تضليل الغرب حول مدى ووتيرة أنشطتها. وبينما يزن الشعب الأميركي قيمة اتفاقية مع نظام يتمتع بسجل من الغش في الاتفاقات الدولية- ناهيك عن الكذب وإثارة الكراهية والترهيب والقتل- يتعين على الأميركيين فهم أن الاتفاقية إذا انتهكت فإننا قد لا نعرف ذلك إلا بعد أن يكون الأوان قد فات على تصحيح إهمالنا؛ لأن ايران- عند تلك النقطة- تكون حققت هدفها المروع.

Gabriel Schoenfeld

back to top