عقوبات إيران بين صقور واشنطن وحمائمها
لن يساهم مشروع القانون بفرض عقوبات على طهران المطروح أمام مجلس الشيوخ الأميركي، والذي يحظى بنحو 59 راعياً حتى اليوم، في وقف مساعي إيران النووية، كذلك لن يمنعها من تمويل حزب الله أو دعم الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنه سينجح في تقريب الولايات المتحدة من الحرب ضد إيران.
أكّد الصقور في الشأن الإيراني طوال سنوات أن فرض العقوبات على إيران، مع التلويح باللجوء إلى القوة العسكرية، يستطيع وحده إرغام طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وها هي إيران اليوم جالسة إلى طاولة المفاوضات، ولكن لأسباب متعجرفة وعدائية لا يمكن تبريرها، قرر الصقور في الشأن الإيراني أن هذه لحظة مناسبة لفرض عقوبات إضافية على النظام الإيراني.لن يساهم مشروع القانون المطروح أمام مجلس الشيوخ الأميركي، والذي يحظى بنحو 59 راعياً حتى اليوم، في وقف مساعي إيران النووية، كذلك لن يمنع إيران من تمويل حزب الله أو دعم الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنه سينجح في تقريب الولايات المتحدة من الحرب ضد إيران، والأهم من ذلك أنه سيجعل إيران تبدو (حتى في نظر الكثير من حلفاء الولايات المتحدة) ضحية العناد أو العدوان الأميركي، ولا شك أن السماح لإيران، الدولة الراعية للإرهاب الأبرز في العالم، بلعب دور الضحية في هذا السيناريو سيشكّل إنجازاً. رغم ذلك، هذا ما يستعد مجلس الشيوخ الأميركي لفعله.أدوّن هذا بصفتي محللاً يملك وجهات نظر متشددة من برنامج إيران النووي. يحكم إيران اليوم قادة مستبدون يؤيدون قتل الأبرياء ويمولونه، ويقمعون النساء ومثليي الجنس والأقليات الدينية بأفظع الطرق، ويهددون بتدمير إحدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كذلك يُعتبر بعض «المعتدلين» في هذا النظام معتدلين فحسب عند مقارنتهم بمن ينكرون المحرقة النازية، ومن الضروري بالتأكيد منع النظام في طهران من اجتياز العتبة النووية: فوجود إسرائيل مهدد، شأنه في ذلك شأن أمن أصدقاء الولايات المتحدة العرب السنة في الشرق الأوسط. كذلك ستصبح مكانة الولايات المتحدة الدولية مهددة، في حالة طورت إيران أسلحة نووية.لكن تبقى المفاوضات، على الأمد القصير على الأقل، الوسيلة الفضلى لمنع إيران من اجتياز العتبة النووية، ولا يمكن تضييق الخناق على الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال هذه المحادثات بسبب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ لن تدفع أي ثمن لتسببها بانهيار المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فضلا عن ألمانيا). يذكر كولن هال، الذي كان، بصفته مساعد نائب وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط خلال ولاية أوباما الأولى، مسؤولاً عن إعداد كل الخيارات التي يقول الرئيس إنها ما زالت مطروحة على الطاولة: «تتجاهل هذه المجموعة الكبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ تماماً وجهات نظر الإدارة، المفاوضين الفعليين، سائر أعضاء مجموعة 5+1، المجتمع الاستخباراتي، وكل محلل يتناول الشأن الإيراني على وجه الأرض».إذا انهارت هذه المفاوضات (وانهيار المفاوضات هو هدف بعض الصقور الأكثر تشددا)، يكون البديل الوحيد المتبقي لوقف إيران توجيه ضربة عسكرية وقائية لها تنفذها الولايات المتحد أو إسرائيل (لن تتجرأ الدول العربية، التي تتوق إلى ضربة عسكرية أميركية، على المخاطرة وضرب إيران هي بنفسها). لكن هذه العملية العسكرية قد تنتهي بكارثة. صحيح أنها قد تؤخر برنامج إيران النووي (إلا أنها لن تدمره)، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى انهيار كامل العقوبات التي لا تزال قائمة. علاوة على ذلك، قد توحّد هذه الضربة الشعب الإيراني وراء قائد إيران غير المنتخَب، آية الله علي خامنئي. وهذه بالتأكيد نتيجة سيئة، كذلك سيبرر هذا الاعتداء من بعض النواحي خوف إيران وسعيها إلى تطوير سلاح نووي، فباستطاعة هذا النظام الادعاء بحقٍ بعد التعرض لاعتداء أنه بحاجة إلى الدفاع عن نفسه ضد أي اعتداءات إضافية. نتيجة لذلك، يجب الامتناع عن التفكير في أي حملة عسكرية، إلا إذا أخفقت كل السبل الأخرى، وشارفت إيران على تطوير سلاح نووي يمكنها استعماله. كما كتبتُ مسبقًا، ثمة احتمال كبير أن تخفق المفاوضات التي ستبدأ قريباً في جنيف، فقد واجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقبات كبيرة خلال سعيهم للتوصل إلى اتفاق مؤقت، اتفاق لم يلغِ التقدّم الذي حققته إيران في برنامجها النووي، ومنحها بعض الراحة من العقوبات، ومن المستبعد، على ما يبدو، أن ترضى إيران بتفكيك أهم عناصر برنامجها النووي، علما أن هذا أحد مطالب الغرب الرئيسة. حتى أوباما، الذي يعتبره نقاده سياسيّا ساذجا يتوق إلى عقد صفقة، أقر بأن فرص النجاح والفشل متساوية.إذا، لمَ ندعم المفاوضات؟ أولا: قد تنجح في النهاية. فلم أقابل محللين كثرًا اعتبروا أن فرص نجاحها معدومة. ثانيا: إذا قررت الولايات المتحدة ذات يوم أن عليها تدمير منشآت إيران النووية، يجب أن تقوم بذلك بدعم دولي واسع. وما من وسيلة لبناء دعم مماثل إلا باستنفاد كل الخيارات الأخرى، ما يعني السعي بطريقة محدودة زمنيّا وواعية، إنما دؤوبة وجدية، لعقد تسوية سلمية.لا شك أن التوصل إلى تسوية سلمية تمنع إيران من تطوير أسلحة نووية سيزداد صعوبة مع تمرير مجلس الشيوخ الأميركي العقوبات. يذكر القادة الإيرانيون أنهم سينسحبون عن طاولة المفاوضات إذا مُررت عقوبات إضافية. لا أصدّق ذلك، فقد وافق النظام على التفاوض لأنه يحتاج إلى تخفيف العقوبات ليعيد إحياء اقتصاده، لا لأنه يريد التخلي عن طموحاته النووية؛ لذلك يصعب على إيران الانسحاب بالكامل من هذه المفاوضات، لكن خطوات مجلس الشيوخ المتسرعة ستقوي موقف المتشددين في طهران، معززةً روايتهم عن «الشيطان الأكبر». يشير كال إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف سيجدان نفسيهما في مأزق. ويضيف: «حتى إذا لم تنهر المفاوضات، فسيُضطر روحاني وظريف إلى المقايضة والتفاوض بحزم أكبر لأنهما سيُرغمان على الدفاع عن نفسيهما أمام المتشددين الذين سيعتبرون أنهما تعرضا للخداع».ستتجلى التداعيات الأكثر خطورة لعقوبات مجلس الشيوخ في أماكن مثل طوكيو، وبكين، وسيول، ونيودلهين ولكي تنجح العقوبات، يجب أن تتمتع بدعم القوى الصناعية الأخرى في العالم، ولكن إذا قررت دول مثل الصين والهند أن الولايات المتحدة تبذل جهوداً مركزة لتخريب المفاوضات، فستتراجع حماستها للالتزام بالعقوبات.قد يحين وقت نُضطر فيه إلى فرض عقوبات إضافية على إيران، ربما بعد ستة أشهر من المفاوضات العقيمة (لا بد من الإشارة إلى أن إيران ستخضع خلال هذه الأشهر الستة إلى المراقبة عن كثب للتأكد من أنها جمدت حقّا برنامجها النووي). فقد يتضح لنا في مرحلة ما بعد شهرين أو ثلاثة أن هذه المفاوضات ستفشل، وعندئذٍ يكون من الملائم فرض المزيد من العقوبات، ولكن في الوقت الراهن، سيبدو فرض عقوبات جديدة في مستهل المفاوضات عملا استفزازيا وتصعيديا سيقوّض بالتأكيد محاولة منع إيران من تطوير أسلحة نووية من دون اللجوء إلى الحرب.