بينما نغفل نحن عن خطر الإسلاميين فإن أولادنا يعانون!

نشر في 10-06-2014
آخر تحديث 10-06-2014 | 00:01
 ذي تيليغراف نشر موقع وزارة الداخلية البريطانية رسالة من وزيرة الداخلية تيريزا ماي إلى وزير التعليم مايكل غوف، طرحت ماي فيها بعض الأسئلة الفظة عن الأمر الذي منع وزارته من التحرك في مرحلة أبكر للتحقيق بالتهم المتعلقة بتسلل الإسلاميين إلى المدارس في برمنغهام.

أدت هذه المسألة إلى جدل واسع، فلا يجوز أن تنشر أي وزارة هجومها على وزارة أخرى، وتم الاعتراف بهذا الخطأ ضمنياً: حُذفت الرسالة من الموقع الإلكتروني في اليوم التالي، ووفق التقارير المتداولة كانت تلك الرسالة بمثابة رد انتقامي من وزارة الداخلية. ويوم الاثنين قبل الماضي تحدث غوف في مجالسه الخاصة مع إحدى الصحف، لكن من دون تحفظ، ووفق ما ذكرته الصحيفة، كان يشعر بالقلق لأن المسؤولين في وزارة الداخلية ربما لا يأخذون جذور التطرف الإسلامي على محمل الجد، بل يفضلون التركيز على مظاهر العنف حصراً. ظهرت ماي حديثاً كمنافِسة محتملة لقادة حزب المحافظين، حتى إن البعض يصفها بـ"ماغريت تاتشر الجديدة"، ومن الواضح أنها لا ترحب بالكشف عن عدم شبهها بشخصية تاتشر كونها تميل إلى التأثر بآراء المسؤولين في وزارتها، ومن الواضح أيضاً أن غوف ما كان يجب أن يتكلم بهذه الطريقة. أترك لمحللي وستمنستر أن يناقشوا السياسة الداخلية لحزب المحافظين في هذا الموضوع، لكنه بالنسبة إلى بقية الناس، فإن المشكلة الأساسية تكمن في هذه المسألة بحد ذاتها، إلى أي حد تبدو المشكلة كبيرة مع التطرف الإسلامي، وما الذي يجعل التعامل مع هذا الموضوع مثيراً للجدل لدرجة أن يفرّق بين جميع الأطراف؟

لنتوقف لبرهة ونفكر ببعض الأنباء المتداولة في الأسبوعين الأخيرين: البحث عن 300 فتاة نيجيرية خُطِفْن على يد جماعة "بوكو حرام"؛ وإصدار الحكومة السودانية حكماً بالموت على امرأة حامل بتهمة الارتداد عن الإسلام؛ وجرائم قتل في المتحف اليهودي في بروكسل؛ وتبادل أسرى "طالبان" مقابل الجندي الأميركي المشبوه باو بيرغدال؛ والاشتباه في تزوير الانتخابات في منطقة "تاور هاملتس" الإدارية؛ واكتشاف أن بعض المجاهدين في سورية هم من المواطنين البريطانيين؛ وأخيراً توسّع الجدل حول مدارس برمنغهام.

تتعلق هذه القصص كلها بتوسع نطاق انتشار دين معين، أنا لا أوافق على تنامي عدد الأشخاص الغربيين الذين يعتبرون أن الإسلام عنيف في جوهره، حيث أثبتت جميع الديانات العظيمة أن الأحداث السيئة تنجم دوماً عن أشخاص سيئين (لنتذكر أن بعض الأتباع المسيحيين كانوا في حقبة معينة أكثر تعطشاً للدماء من المسلمين واليهود الذين اضطهدوهم). ما يحصل فعلياً هو أن "ملكية" الإسلام أصبحت محطّ خلاف.

للأسف، يبدو أن أعلى الأصوات في هذا الصراع تعود إلى الأشخاص الذين يحوّلون إيمانهم ضد العالم الغربي الحر، فوفق القصة التي يعرفونها، انهارت حضارة إسلامية مدهشة على يد المسيحيين واليهود والرجال البيض بشكل عام، ولا أحد يلوم البلدان المسلمة نفسها على سوء الحكم والفشل الاقتصادي، باستثناء أولئك القادة ("المنافقين") الذين يبيعون نفسهم للغرب.

وفق هذا الخطاب المبسّط، يكمن الحل في مفهوم الإسلام السياسي: هو يطالب بتطبيق الشريعة من دون تقبّل الديمقراطية أو المجتمع المدني الواسع، وليس مصادفة أن يُسمى فرع "القاعدة" في سورية (وهو الطرف الأكثر وحشية من بين جميع الفئات) "الدولة الإسلامية". الإسلام هو الحقيقة المُنزَلة، لذا يجب أن يقوم كل مسلم بفرضها وأن يحكم بقوة السيف عند الحاجة، وهذا المنطق الخاطئ بدأ يُشعِل العالم.

رداً على هذا التهديد (وهو الأبرز في الأوساط الرسمية)، يقضي الرد الغربي بالبحث عن "شركاء موثوقين" بين المسلمين لإبطال مفعول ذلك التهديد، إنها العقيدة التي يطبّقها المسؤول عن انفجار الوضع بين غوف وماي: تشارلز فار. كان فار، الذي نُقل إلى وزارة الداخلية من جهاز الاستخبارات السري، رئيس "مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب" البريطاني منذ عام 2007، فقد تولى منصبين مهمين: سكرتير وزارة الداخلية الدائم ثم المدير العام لمقر الاتصالات الحكومية البريطانية، وربما يستعد الآن ليصبح رئيس جهاز الاستخبارات المقبل. يبدو منصبه معقداً لأنه شريك المستشارة الخاصة لتيريزا ماي، فيونا كننغهام: تداخلت في هذا المجال المسائل الشخصية والرسمية والسياسية.

لا يحب فار طريقة تعامل ديفيد كاميرون مع التطرف الإسلامي، وهذا ما قاله في خطاب ميونخ في عام 2011، فهو يفضل ألا يطرح أسئلة كثيرة عن إيديولوجيا الشركاء المسلمين المحتملين طالما يمكن الاستفادة منهم لكبح أعمال العنف، وهو يظن أن المسؤولين الأكثر اعتدالاً يكونون بشكل عام الأقل "مصداقية" بين المسلمين، ومن وجهة نظره، يُفترض أن تسمح الاستراتيجية الحكومية الوقائية لمكافحة الإرهاب له ولزملائه الخبراء بعقد صفقات مع بعض الأشرار لضمان تهدئة هؤلاء المجانين.

يمكن أن نتفهم موقفه، إنها وجهة نظر تقليدية لا سيما بين المسؤولين الذين يتمتعون بالخبرة في العمل الاستخباري ولديهم معارف في الشؤون الخارجية أكثر من المسائل المحلية. أدرك جهاز الاستخبارات البريطاني في الحقبة الاستعمارية أهمية تجنب المشاكل والانقسام وفرض نظام الحكم، وتفضيل مقابلة الزعيم حتى لو كان شريراً، ولا شك أنه أمر مزعج بالنسبة إلى المسؤولين أن يقوم السياسيون "الموجودون اليوم والغائبون غداً" والأقل معرفة منهم بممارسة حقهم الديمقراطي وإملاء ما يجب فعله. لكن ثمة فرق شاسع بين الحقبة الاستعمارية والوضع الراهن. لقد عقدنا صفقات استعمارية وما زلنا نبرم صفقات مماثلة في مجال السياسة الخارجية، مع أننا نعرف أننا قد نُطرَد جميعاً إذا ساءت الأوضاع، وها قد ساءت الأوضاع اليوم في بريطانيا، وأصيب عشرات آلاف المسلمين البريطانيين بعدوى العقائد التي تعلّمهم أن يكرهوا البلد الذي أصبحوا مواطنين فيه.

ستكون وجهة نظرنا ضيقة جداً إذا اعتبرنا أن المشكلة تتعلق بأعمال العنف حصراً، وإذا تعلّم البعض أن يعتبروا بريطانيا جزءاً من مؤامرة اضطهاد المسلمين، وأن يكرهوا ويحاولوا إبقاء النساء بعيداً عن الحياة الاجتماعية، وأن يركزوا على الاختلاف، فلا يمكن فعل الكثير لمنعهم من تقبّل أعمال العنف التي تُرتكب باسم الإسلام، وإذا كنت شاباً فقد ترغب في ممارسة العنف بنفسك: "السم سيملأ مجرى الدم كله ببطء"!

يكمن جزء من السم في الجهود الحثيثة لإنكار أو إخفاء المشكلة، فبعد اعتداءات 11 سبتمبر، حتى بعد تفجيرات لندن، أتذكر أن الأشخاص الذين ربطوا بين كلمة "مسلم" و"التطرف" علناً واجهوا انتقادات لاذعة. طالب المجلس الإسلامي البريطاني جدياً بمنع إقامة هذا النوع من الروابط، إذ تعيق حجة مماثلة اليوم كل جهد للتحقق مما يحدث في القطاع العام، ونسمع أنه من غير المقبول أن نوجّه أصابع الاتهام إلى التطرف الإسلامي، بل من الأفضل أن نثبت قدرتنا على "احتضان" الآخرين.

سنكتشف يوم الاثنين ما حدث في 21 مدرسة رسمية علمانية في برمنغهام، وأتوقع أن تكشف تقارير هيئة "أوفستيد" الجديدة أن الهيئة السابقة لم تقم بواجبها على أكمل وجه. هل استعانت بمحققين (منهم مسلمون أحياناً) لم يطرحوا أي أسئلة استقصائية؟ وهل أدى حكمها الغبي بإعطاء إشعار مسبق إلى منح المدارس الوقت الكافي لإطفاء مكبرات الصوت التي تبث الدعوة إلى الصلاة؟ وهل قامت بالتحقيقات اللازمة لمعرفة ما إذا كان الأساتذة الذين استعانت بهم بعض المدارس هم من أعضاء المساجد الديوبندية المتشددة أو من مجلس المحافظين في مدارس أخرى يطغى عليها المسلمون؟

أتساءل عما يجب أن نستنتجه عن المنهج الدراسي! هل كان يشمل علم الأحياء التطوري؟ وهل كانت صفوف الرقص أو الغناء مسموحة؟ وهل تم فصل الطلاب بحسب جنسهم، إذ جلست الطالبات في الخلف ولم يكن يُسمَح لهن بطرح الأسئلة؟ وكيف تم التعامل مع الأساتذة والأهالي والطلاب غير المسلمين؟ وهل حصل تبادل للزيارات الثقافية مع مكة؟ وهل استثنت تلك الزيارات الطلاب غير المسلمين؟ وهل تم توفير صفوف عن الدين المسيحي خصوصاً للزوار الخارجيين؟

لقد أصبحنا الآن معتادين للأسف على هذا الاكتشاف المؤلم: تعرّض الأولاد للاستغلال في نظام الدولة (في بعض المدارس والمستشفيات ودور الأيتام). حين يُفضَح هذا النوع من الحقائق، يسود إجماع تام على أن إغفال السلطات عن هذا الوضع هو أمر مشين. خطر التطرف الإسلامي له أثر مشابه، فهو بدوره شكل من أشكال استغلال الأولاد، لكننا ما زلنا لا نجرؤ على مواجهته.

*تشارلز مور

back to top