تونس... هل هي نمر العالم العربي؟

نشر في 20-11-2013
آخر تحديث 20-11-2013 | 00:01
تقوم تونس بتصنيع أجزاء من طائرات الإيرباص، كما أنها تفاوضت مع الاتحاد الأوروبي منذ زمن طويل حول اتفاق تجارة حرة، وقادرة على التصدير له من دون تعرفة، وتعد أول «عضو» واقعي في الاتحاد الأوروبي من بلدان العالم العربي.
 ذي تيليغراف بدأ الربيع العربي في تونس عندما أشعل بائع جوال شاب النار في نفسه قبل ثلاث سنوات، بعد أن دفعه ابتزاز الشرطة إلى حالة من اليأس المدمر. وتتزايد الأخطار بسرعة بشكل انتهت معه في البقعة ذاتها إلى حد كبير، وربما بالطريقة ذاتها.

انهارت محادثات «الإنقاذ الوطني» بين المجموعة الإسلامية الحاكمة وأنصار الدولة الليبرالية، في الوقت الذي يبدي فيه العالم تجاهلا لما يحدث بشكل كبير.

وتعيش ليبيا المجاورة حالة تقترب من الفوضى، عبر سلسلة من الممارسات التي يقوم بها أمراء الحرب وقادة التيارات السلفية. وفي مصر أطاح الجيش بعنف حركة «الإخوان المسلمين» بدعم من طبقة المثقفين والحركة النسائية- وهي ثورة مضادة وضعت الغرب أمام ورطة أخلاقية لا تحتمل.  تبدو تونس كواحة تتمتع بقدر أكبر من التوافق، لكنها أقل سلاماً مما كانت عليه. وحسب رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي فإن «تونس هي الدولة الوحيدة التي يمكن إنقاذها، ولكن ذلك لم يتحقق بعد». بدأ الجهاديون بمهاجمة المنتجعات السياحية، وهي قطاع يحقق للبلاد 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد انفجرت أول قنبلة انتحارية في مونستير في شهر أكتوبر الماضي، وحدثت الثانية في سوسة- على الرغم من أنهما كانتا من فعل هواة ولم يتعرض أي أجنبي لأذى. ثم أغلق «فرانس كلوب ميد» منتجعه في مدينة الحمامات وهبطت الحجوزات بقوة.  وقال وزير المالية إلياس فخفاخ إن «السياحة تعاني، لكن هذا السلوك المتطرف غريبٌ على الجسد التونسي، ولم يسبق لنا أن واجهنا مثل هذه المشكلة من قبل، لكن لدينا الآن خطة عسكرية، ودعم قوي جداً من الجزائريين حول كيفية التعامل مع الشبكات الإرهابية، لذلك نظن أنها آخر عملية للإرهابيين، وتلك نهاياتها وليست بداياتها».

الوقائع العملية هذا ما تظهره الأحداث على الأرض، فقد قتل تسعة من رجال الشرطة على يد متشددين في أواخر شهر أكتوبر الماضي، وتم تمديد حال الطوارئ ثمانية أشهر، كما أحرق رجل نفسه خارج إحدى الوزارات في الآونة الأخيرة.  وقال السبسي إن مجموعة الدول الثماني لم تنفذ وعدها في دوفيل بتقديم مبلغ 38 مليار دولار بموجب «خطة مارشال» (على ثلاث سنوات) إلى بلدان الربيع العربي. وأضاف «لم تتسلم تونس أي شيء، وليس في وسعك إخراج البلاد من أزمة من دون دعم واسع».

تونس ليست هي الحالة الأسوأ قيد الدراسة، فهي على خلاف مصر التي شهدت انهياراً في احتياطياتها في الأساس وبلغ عجز الميزانية بها 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وخرج الدين العام عن السيطرة. لكن تونس قد تتأثر عندما تصل مصر إلى طريق مسدود.

ويقول إريك بيرغولف من البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية إن كل دول الربيع العربي على حد السكين» ويمكن لهزة خارجية أن تدفع هذه الاقتصادات الهشة إلى توقف مفاجئ يفضي إلى فقر مدمر». وقد دعا البنك إلى وضع خطة انقاذ عملاقة بمبلغ يصل إلى 40 مليار دولار في السنة.

وكان أول مؤشر على تخفيف شراء السندات من قبل مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي كافياً لإحداث هزة مدوية في شتى أنحاء المنطقة، وعندما يبدأ المجلس بصورة جدية بتقليص سيولة الدولار، فإن شمال إفريقيا قد تكون أول منطقة تشهد أول سقوط لأحجار الدومينو.

أوراق تونس الرابحة

لدى تونس مجموعة من الأوراق الرابحة تتمثل في تقاليدها التجارية الفينيقية، وأنها تضم أكثر شعوب شمال إفريقيا تعليماً وثقافة، مع تحقق مبادئ مساواة المرأة بموجب القوانين منذ عام 1956، علاوة على مجتمع مدني راسخ. كما أن الاتحادات العمالية النقابية المتحالفة مع النقابات المهنية للمهندسين وأساتذة الجامعات والمحامين تبدو في عملها كما لو كانت حَكماً يفصل في النزاعات وتحاول تهدئة المشاعر السياسية، لكن الهدف المراد بالغ الصعوبة.

يذكر أن القيادي اليساري شكري بلعيد قد أُغتيل في شهر فبراير الماضي من قبل جهاديين، كما قتل أحد أعضاء البرلمان البارزين في شهر يوليو ويتعرض «حزب النهضة الحاكم»، الذي انتخب في ما يشبه الفورة بعد «ثورة الياسمين»، لاتهامات بأنه أخفق في قمع السلفيين، بل إنه يساير وجهات نظرهم. وقد فشل في طرح دستور جديد للبلاد حسب المتفق عليه. وحاول تمرير «قانون التكفير» الذي اعتبر هجوماً على حرية التعبير، فضلاً عن إصراره على اعتبار الإسلام دين الدولة.  من جهته يتهم «حزب النهضة» اليسار العلماني بالتآمر لاستعادة حكم بن علي الفاسد والتآمر مع الجيش من أجل إقامة سلطة على غرار الأسلوب المصري. الإسلاميون المعتدلون لديهم ما يبرر مخاوفهم. فقد سُحقوا طوال سنوات وأمضى بعضهم 20 عاماً في السجون، ولم يطلق سراحهم إلا في أعقاب «الربيع» الأخير.

ويرى الوزير فخفاخ أن بلاده تتقدم بهدوء نحو ثورة السوق الحرة وتتعلم من الدول الإسلامية الصاعدة في ماليزيا وتركيا، قائلاً «لدينا إمكانية التحول إلى سنغافورة المنطقة، وفي وسعنا تكوين قصة جاذبة للغاية».

قاعدة تصنيع

يوجد في تونس أعلى قاعدة تصنيع في شمال إفريقيا (20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) وتقوم بتصنيع أجزاء من طائرات الإيرباص من طراز «إيه 320» في منطقة المغيرة، كما أنها تفاوضت مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل منذ زمن طويل بشأن اتفاق تجارة حرة، وهي قادرة على التصدير من دون تعرفة إلى أوروبا، وتعتبر أول «عضو» واقعي في الاتحاد الأوروبي من بلدان العالم العربي، ولكن مع تدرج في هيكل الأجور يصل إلى خمس مستواها في أوروبا. وفي وسع تونس أن تصبح النمر الاقتصادي الناجح إذا استطاعت تصحيح أوضاعها السياسية. وتقضي الخطة أن تصبح تونس بالنسبة إلى أوروبا مثل صناعات «ماكيلادورا» المكسيكية بالنسبة للولايات المتحدة، لكن مع مزيد من الأدمغة. وبدلاً من الاعتماد على التجميع المتدني المستوى فهي تهدف إلى ارتقاء درجات أعلى في السلم وبلوغ بعض المواقع الايرلندية في خدمات الأوفشور المتعلقة بتقنية المعلومات. وتلك هي الوسيلة الوحيدة من أجل استيعاب العدد الهائل من الخريجين العاطلين عن العمل الذين يبلغ عددهم 250 ألفاً من إجمالي السكان البالغ عددهم 11 مليوناً.

قصة نجاح

يتعين على البلاد التحرك بسرعة، فقد كان الافتراض أن التعليم سيحصن الشباب ضد إغراء السلفيين. لكن الصورة التي برزت، عبر مئات من التونسيين الذين ذهبوا إلى الجهاد في سورية ومنهم كثيرون من حملة الشهادات الجامعية تؤكد أن ما ينقصهم كان هو العمل. ويقف صندوق النقد الدولي حتى الآن إلى جانب تونس، وقد وافق لها في يوينو على خط ائتمان احتياطي قيمته 1.75 مليار دولار بشرط أن تقلص تونس نوعين من العجز: في الحساب الجاري ونسبته 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و7 في المئة عجزاً في الميزانية – وكلاهما عند مستوى الخط الأحمر. وقد عمد قادة ما بعد الثورة إلى إخفاء الأزمة من خلال تقديم مبالغ مالية سخية بدا أكثرها وضوحاً في تلك الزيادة  التي بلغت نسبتها 300 في المئة في حجم المساعدات المقدمة منذ مطلع سنة 2011، والتي أهدر أغلبها على الوقود كوسيلة متخلفة لتحويل المساعدات إلى فئات قائدي السيارات. وكان صندوق النقد الدولي على حق في مطالبه التقشفية، غير أنها صدمة تقشف تأتي في خضم أزمة إقليمية طويلة.

ما من سبب يحول دون أن تصبح تونس وهي قطاع صغير من بلدان المغرب العربي، ومهد قرطاج، ديمقراطية مزدهرة حتى إذا انحرف مسار الثورات الأخرى. كما كان حال كوستاريكا في تجاوز حروب أميركا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي. وسوف يكون ذلك يمنزلة رأس حربة ورداً مفحماً على أولئك الذين يزعمون بصورة ارتجالية أن الثقافات العربية تفتقر إلى الكفاءة والقدرة على استيعات التنوير العقلاني.

لكن سيكون الحال أكثر سهولة ما لم ترتكب الدول الأوروبية المتوسطية المطلة على البحر الأبيض خطأً شديداً بتبنيها سياسات تقود الجميع إلى عقد من الكساد، وما لم يتجاهل الغرب «الربيع العربي» ويتخلى عن شعوبه. ويقول وزير المالية التونسي في ما يشبه التوبيخ «إن العالم في حاجة إلى قصة نجاح، ولو واحدة على الأقل، من الربيع العربي».

back to top