تلد صغارها من تحت جلدها
للضفادع شهرة واسعة. فيتحول بعضها إلى أمراء، في حين يخرج السمندل من النار من دون ضرر يُذكر، حتى كاد سمندل ماء يبلغ البيت الأبيض عام 2012. أضف إلى هذه الانتصارات أن البرمائيات التي تبيض لا تعاني آلام الولادة، حدث موجع تذكّرك به والدتك وهي تبكي كلما نسيت عيد مولدها. وهذا ما اختبرته ذات مرة في المدرسة الثانوية. ولكن ثمة برمائياً يحيد تماماً عن هذا العرف التكاثري. كيف؟ الإجابة من «ويرد».
تمتص أنثى علجوم سورينام البيض داخل ظهرها. وهناك ينمو الصغار بأماكن قبل أن يخرجوا عبر جلد الأم إلى عالم يجب ألا ينسوا فيه عيد مولدها، حتى لو حدث ذلك في المدرسة الثانوية حين كانوا منهمكين بأشغال كثيرة.تبدأ حياة علجوم سورينام مع مناورة جنسية قديمة، فهذا ضفدع مائي بامتياز. لذلك يحظى بفرص التمتع بما يدعوه ديفيد كاناتيلا، عالم زواحف وبرمائيات من جامعة تكساس، عمليات تزاوج {بهلوانية}.
عندما يعشق اثنان من أنواع الضفادع هذه أحدهما الآخر، يمسك الذكر بالأنثى في وضعية تُعرف بالزواج التراكبي. يذكر كاناتيلا: {يمسك بها فيما تروح تتنقل في الماء. فتقوم بشقلبات ولا تكتفي بالجلوس في القاع. هذا غريب بالتأكيد بالنسبة إلى ضفدع، بما أن معظم الضفادع لا تتمتع بالمهارات المائية هذه}. (العلجوم نوع من الضفادع. ويشبه علجوم سورينام الضفدع العادي أكثر منه العلجوم، علماً أن الفارق بينهما غير دقيق وسخيف بعض الشيء).يضيف كاناتيلا: {قبل ذلك، يزداد جلد ظهر الأنثى سماكة بسبب التأثيرات الهرمونية}. وخلال التشقلب، تقذف الأنثى البيض الواحدة تلو الأخرى، فيخصبها الذكر. فيحط البيض على ظهر الأنثى، حيث يزداد الجلد {سماكة ويحيط بالبيض. وهكذا يصبح الأخير مغروزاً في جلدها}.تستمر هذه المناورات البهلوانية طوال أكثر من 24 ساعة. وتحمل الأنثى في النهاية نحو 100 بيضة في ظهرها. فينمو الصغار داخل جلدها طوال أشهر، ويتخطون مرحلة الشرغوف بالكامل.عندما تصبح صغار الضفادع مستعدة للخروج، تخرج الواحد تلو الآخر من ظهر الأم كما لو أنها كبسولات فرار تنطلق من المركبة الأم... التي تسير تحت الماء. لا شك في أن هذا ليس بالمشهد الجميل البتة، بل يُعتبر أحد أكثر المشاهد الطبيعية تأثيراً. لكنه يشير إلى قدرة كبيرة على التكيّف. فبدل أن تضع الأنثى بيضها في مكان آخر وتعرضها لخطر الموت، تحمل صغارها داخل جسمها وتبقيها بأمان، تماماً كما تفعل الثدييات التي تبقي صغارها في رحمها. وعندما تنتهي مرحلة التكاثر، تخلع الأنثى الجلد الزائد عن ظهرها، وتتابع حياتها بشكل طبيعي.ميزات هذه ليست الميزة الوحيدة التي ينفرد بها علجوم سورينام. يبدو جسمه مسطّحاً على نحو مذهل، حتى إن كاناتيلا، رجل كرّس حياته لدراسة البرمائيات، واجه صعوبة في وصفه. لذلك اكتفى بالقول إنه يشبه ضفدعاً دهسته سيارة على الطريق، أمر يمكنني تأكيده بما أنني رأيت ذات مرة ضفدعاً قضى على هذا النحو. ويبدو أن رأسه يزداد رقة إلى أن ينتهي بأطراف شبيهة بشفرة الموس.لكن هذا الشكل، على غرار خصائص جسم أي كائن حي، يُعتبر تكيّفاً مع بيئته. فيمضي هذا العلجوم يومه بالاختباء بين الأوراق في أسفل برك أميركا الجنوبية، مسكن يلائم تماماً جسمه المسطح الكثير الزوايا ولونه البني. يكون العلجوم بين الأوراق مستعداً لإطلاق هجوم غريب، بالنسبة إلى ضفدع على الأقل.اللافت أن علجوم سورينام يفتقر إلى لسان الضفدع الشهير. يسأل كاناتيلا: «ما الغاية من ذلك؟ يعتمد هذا البرمائي على الغذاء بالشفط. فعندما تسبح سمكة أو أي كائن آخر أمام الضفدع، يفتح فمه بسرعة كبيرة، ما يولد عملية شفط تسحب السمكة إلى داخله» من دون الحاجة إلى لسان.نرى هذه الظاهرة أيضاً في نوعين من البرمائيات الأخرى المذهلة في المحيط الهادئ، ونوعين من السمندل العملاق في اليابان والصين. يصل طول النوعين إلى 182 سنتمتراً تقريباً. وعلى غرار علجوم سورينام، يملكان رأساً ضخماً يعزز قوة الشفط. لذلك يُعتبران مكنسة الطبيعة الكهربائية.على غرار نوعي السمندل هذين، يملك علجوم سورينام عينين صغيرتين محيرتين. إذاً، كيف يستطيع رصد فريسته؟ يتمتع هذا البرمائي بخط جانبي، تماماً مثل سمك القرش: نظام من بنى الاستشعار الخاصة التي تستطيع رصد أي تغيير في ضغط الماء. ويعتقد كاناتيلا أنه يستخدمه في صيد الأسماك.اللافت أن شرغوف أنواع أخرى من الضفادع يتمتع بهذه الميزة أيضاً، إلا أنه يفقدها خلال عملية البلوغ. لكن علجوم سورينام، الذي يمتاز بمهاراته المائية، يملك أسباباً كثيرة للحفاظ عليها. ففي قعر البرك الموحلة التي يسكنها، يمنحه الخط الجانبي قدرات أهم من البصر خلال رصده الفرائس.بالإضافة إلى ذلك، يتحسس علجوم سورينام طريقه نحو الفريسة بواسطة أصابع غريبة غير متشابكة، لكل منها أربعة فصوص عند طرفها. وينقسم كل من هذه الفصوص بدوره إلى فصوص إضافية، كما لو أنها مجموعة كسيرية (fractals).يوضح كاناتيلا: {ما من ضفدع آخر يتمتع بمزايا حسية مماثلة. يبقى البرمائي جامداً تماماً، ويمد ذراعيه أمامه. وإذا مرّ أي كائن قربهما، أو حتى حرّك الماء حول تلك الفصوص، يدرك العلجوم أن ثمة كائناً ما في الماء}. فيفتح أداة الشفط.هذه هي حياة أحد أغرب الكائنات البرمائية في العالم وإحدى أكثر الأمهات محبة وتضحية، بعد والدتي التي سأتذكر عيد مولدها الشهر المقبل بالتأكيد. أو لعله كان الشهر الماضي. علي التحقق من ذلك.