«واتس آب»... لقاء على مقهى ريد روك

نشر في 25-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-02-2014 | 00:01
No Image Caption
قصة «شركة صغيرة... تطبيق كبير» في منطقة ماونتين فيو المريحة

يبدو أن الشركات الناشئة التي تصل بسرعة إلى جماهير عالمية وتقييمات بعدة مليارات من الدولارات، تنمو تقريباً مثل الأعشاب الضارة. فالمقاهي وأماكن العمل المشتركة في وادي السليكون وسان فرانسيسكو مليئة بأولئك الطامحين ليكونوا الفائز التالي بالجائزة الكبرى.

يعتبر مقهى ريد روك في منطقة ماونتين فيو المريحة، في كاليفورنيا، من الأماكن التي يقضي فيها أصحاب المشاريع الطموحين في وادي السليكون أوقاتهم.

كان جان كوم، المهندس الأوكراني الذي عمل في ياهو سابقا، زائراً عادياً. كان ذلك هو المكان نفسه قبل نحو ثلاثة أعوام، عندما وافق أول مرة على مقابلة جيم جوتز، صاحب رأس المال المغامر. هذا النوع من اللقاءات جزء من النشاطات اليومية في ثقافة الشركات الناشئة في وادي السليكون. لكن هذا اللقاء بالذات تبين أنه كان مصيرياً لكلا الرجلين. حينها واصلت شركة جوتز، سيكويا كابيتال، إنفاق ما يقارب 60 مليون دولار على شركة جان كوم لخدمة التراسل الفوري عبر الهاتف الخلوي التي تحمل اسم "واتس آب".

هذا الأسبوع، تبين أن ذلك اللقاء كان مفيداً جداً عندما اشترت "فيسبوك" خدمة واتس ـ آب مقابل 19 مليار دولار، مما يجعل حصة شركة سيكويا نحو 2.5 - 3 مليارات دولار.

مارك زوكربيرج، مؤسس "فيسبوك"، لم يتردد في كيل الثناء لجان كوم وشريكه المؤسس، بريان أكتون، حين قال بطريقة مغالية حتى بحسب معايير وادي السليكون: "لا يوجد أحد في تاريخ العالم فعل أي شيء مثل هذا من قبل".

عمل بطولي

كذلك وصف زوكربيرج عملهما البطولي، قائلاً: "بوجود 50 موظفاً في شركتهما، استطاعا بناء مُنتج وشبكة اتصال لديها ما يقارب نصف مليار مشترك فعّال خلال خمسة أعوام". وحتى "فيسبوك" نفسها احتاجت أكثر من ذلك بسنة لتصل إلى هذه النقطة المرحلية المهمة.

هذه الأيام، يبدو أن الشركات الناشئة التي تصل بسرعة إلى جماهير عالمية وتقييمات بعدة مليارات من الدولارات، تنمو تقريباً مثل الأعشاب الضارة. فالمقاهي وأماكن العمل المشتركة في وادي السليكون وسان فرانسيسكو مليئة بأولئك الطامحين ليكونوا الفائز التالي بالجائزة الكبرى.

وسواء كان الأشخاص الذين نجحوا يستحقون لائحة الأسعار المرتفعة – أو بإمكانهم الادعاء أن لديهم أعمالا مستدامة في عالم سريع الحركة – أم لا، فهذا أمر على وشك أن يتم اختباره.

ثورة الهاتف الخلوي

جيشان وجلب هذا الأسبوع إشارة ثانية على الجيشان الذي أحدثته الإنترنت عبر الهاتف الخلوي، مع أخبار حول خطط إدراج لشركة كينج للترفيه الرقمي في البورصة. وكشفت الشركة التي هي وراء لعبة الهواتف الذكية، كاندي كراش ساجا، أنها تخطط لجمع أكثر من 500 مليون دولار في عملية الإدراج في البورصة. وقال شخص مطلع على الصفقة "إنها تسعى لتقييم يفوق خمسة مليارات دولار".

قد لا يكون موظفو شركة كينج البالغ عددهم 665 شخصاً قادرين على مماثلة الإنتاجية المذهلة لفريق عمل "واتس ـ آب" الصغير، لكنهم مع ذلك وصلوا إلى مستوى أعلى بكثير من نظرائهم في شركة زينجا، وهي شركة ألعاب ناجحة ازدهرت على الإنترنت القائمة على أجهزة الكمبيوتر الشخصي قبل أن تُهيمن الهواتف الذكية. لكن لأن لدى كينج 400 مليون زائر شهرياً، فإن الشركة لديها 600 ألف مستخدم لكل موظف، أي أعلى بكثير مما وصلت إليه شركة زينجا قبل اكتتابها العام الأولي، حين كان لديها 125 ألف مستخدم لكل موظف. وحصلت شركة سوبرسيل، وهي المطور الفنلندي لتطبيق لعبة كلاش أوف كلانز، على إيرادات تقارب 900 مليون دولار العام الماضي بوجود 132 موظفاً فقط.

وسائل الإعلام الاجتماعي

لقد كان أحد العوامل وراء نجاح شركات مثل واتس  آب وكينج هو النطاق الهائل للإنترنت عبر الهاتف الخلوي، الأمر الذي جعل من الممكن الاستفادة من جماهير أكبر بكثير من تلك التي كانت متاحة من خلال أجهزة الكمبيوتر. وتأثرت أيضاً بالشعبية المنتشرة بسرعة، التي عززتها وسائل الإعلام الاجتماعي.

مع ذلك، حتى إن أضافت طفرة الهواتف الذكية بُعداً جديداً على القصص الكلاسيكية لنجاح الإنترنت السريع، إلا أن النمط ليس جديداً.

يقول مايكل كوزومانو، وهو أستاذ في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا: "هذا مجرد جزء من الإنترنت - حيث لديها مجال مذهل من اقتصاديات الحجم والتكاليف الهامشية التي لا تكاد تكلف شيئا".

ويضيف أن "بعض الشركات في هذا العالم تخلق قيمة هائلة، حتى لو كانت عوامل جاذبيتها تبدو عابرة القيمة في قاعدة البيانات – هذا أمر مختلف عن تصنيع السيارات".

وسيلة للكسب المالي

والمشكلة، كما أظهرت طفرة الإنترنت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، هي أن الزبائن يمكن أن يكونوا متقلبين. فالشركات التي تمكنت من جذب مستخدمين إلى خدمات مجانية غالباً ما فشلت في العثور على وسيلة لكسب المال، أو أنها خسرت هؤلاء المستخدمين بسرعة أمام شركات منافسة. لذلك لم يستمر سوى عدد قليل جداً من شركات الإنترنت لتصبح شركات دائمة.

ومع المستوى العالي لقيمة عملية استحواذ "فيسبوك" على "واتس آب"، تكون الإنترنت عبر الهاتف الخلوي بلغت الآن سن الرشد.

وما يغذي مثل هذا النوع من التقييمات المرتفعة هو خوف المستثمرين من أن يفوتهم القطار. فقد تأسست "فيسبوك" و"غوغل"، التي قدمت محاولاتها الخاصة للاستحواذ على "واتس آب"، عندما كانت الإنترنت عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصي تسيطر على عالم الإنترنت. والآن تسارع الشركتان لإعادة تشكيل خدماتهما من أجل حقبة من المرجح أن يستفيد المستخدمون فيها من تطبيق الهاتف الخلوي ذي المواصفات القليلة، أكثر بكثير من تصفّح موقع إلكتروني كامل المواصفات. ولديهما الأموال وأسعار الأسهم المرتفعة لمساندة طموحاتهما.

قوى خارجية

لقد ساعدت قوى خارجية أيضاً على دفع الأسعار الرئيسية لصفقات مثل "واتس آب" إلى طبقات الجو العليا. كذلك عزز الفائض العالمي من الأموال الرخيصة، إلى جانب عدم وجود بدائل بالنسبة للمستثمرين المتشوقين للنمو، أسعار الأسهم لشركات مثل "فيسبوك" و"غوغل".

لذلك كانت "فيسبوك" قادرة على نشر أموال استحواذ وافرة، بحيث تم الدفع لنسبة 75 في المئة من صفقة "واتس ـ آب" بواسطة أسهم جديدة. لكن لو تمت تلك الصفقة بالشروط نفسها قبل عام، عندما كان سعر أسهمها منخفضاً، لكانت قيمتها نحو نصف ذلك المبلغ فقط.

وسواء أكان المبلغ المدفوع كبيراً أم لا، فهذا أمر آخر. فمع ظهور متاجر التطبيقات على الهاتف الخلوي والشبكات الاجتماعية المنتشرة بسرعة والوسائل الجديدة منخفضة التكاليف لبناء شركات التكنولوجيا، فقد انهارت العوائق أمام الدخول في مجال أعمال الإنترنت عبر الهاتف الخلوي.

أصحاب المشاريع

وأدى ذلك إلى فتح المجال لأصحاب المشاريع الفورية، مثل جاريد هيكت وستيف مارتوتشي. وأوجد الأصدقاء في وادي السليكون تطبيق جروب مي، وهو تطبيق الرسائل الخاص بهم، في جلسة واحدة استمرت طوال الليل وضعوا فيها البرنامج عام 2010.

ويقول هيكت الآن: "لقد قمنا ببنائه ومن ثم أصبح نابضاً بالحياة، وبدأ الناس باستخدامه في اليوم التالي". وبعد أكثر من عام بقليل، باعوا الشركة إلى "سكايب" مقابل 85 مليون دولار.

لكن "واتس آب"، الذي تم تشكيله قبل ذلك بأشهر فقط، واصل إثبات المدى الذي يمكن أن تصل إليه تطبيقات التراسل عبر الهاتف الخلوي الجديدة – ومدى التهديد الذي يمكن أن تشكله هذه التطبيقات على شركات الإنترنت القوية القائمة.

* (فايننشال تايمز)

 تقييم العاملين بعد الاستحواذ

• 345 مليون دولار قيمة العامل في "واتساب": وعدت "فيسبوك" بإعطاء كل واحد من موظفي "واتساب" البالغ عددهم 55، أسهماً مقيّدة بمتوسط يبلغ 55 مليون دولار في حال استمروا في العمل في الشركة بعد الصفقة.

• 22.7 مليون دولار قيمة العامل في "سوبرسيل": دفعت شركة سوفتبانك 1.5 مليار دولار مقابل 51 في المئة من شركة سوبرسيل الفنلندية، التي كان لديها 132 موظفاً في نهاية عام 2013. وتحقق لعبتاها على الهاتف الخلوي إيرادات بقيمة مليوني دولار يومياً.

• 77 مليون دولار قيمة العامل في "انستغرام": كان استحواذ "فيسبوك" عام 2012 على خدمة انستغرام التي لديها 13 موظفاً الإشارة الأولى إلى أنها يمكن أن تدفع كثيرا من المال مقابل تطبيق ناجح لفريق عمل صغير.

الفتى الملك

يقول مؤلف كتاب "الشركة الناشئة المرنة" إريك رايز،  وهو كتاب رائج في وادي السليكون يقدم توجيهات لأصحاب المشاريع عن كيفية بناء شركاتهم بأقل تكلفة وأكبر كفاءة ممكنة، إن نجاحها بين عشية وضحاها تقريباً هو "خير مثال على أنه لم يعُد هناك بالفعل أي حواجز".

وحتى زوكربيرج، الذي واجه خطر فقدان جمهوره لهذا الجيل الجديد من خدمات التراسل عبر الهاتف الخلوي، لم يكن لديه خيار سوى الدفع. ويقول عنه "إنه الفتى الملك، لكن يبدو أنه يُركز تماماً على التأكد من أن أي شخص آخر لن يصبح فيسبوك التالي".

لكن لأن إنشاء شركة إنترنت لم يكن قط أرخص مما هو عليه الآن، لايزال تحقيق فاعلية الشبكة التي تنقل التطبيق الواعد إلى إقبال عالمي بالصعوبة نفسها تماماً.

ويقول كوزومانو: "ليس من السهل أبداً إنشاء منصة لديها 450 مليون مستخدم. هذه حالات نادرة جداً". ويضيف أنه حتى "غوغل، التي تسيطر على واحد من أكبر جماهير الإنترنت، فشلت في إحياء شبكتها الاجتماعية "غوغل بلاس" الخاصة بها.

وهذا يساعد على تفسير استعداد "فيسبوك" للدفع مقابل "واتس آب". ونظراً للنمو الثابت لخدمته، فإن زوكربيرج يعتقد بوضوح أنه في موقع أفضل من معظم الشركات لتقييم فاعلية مثل هذه الشبكات. وهو يتنبأ بأن قاعدة مستخدمي "واتس آب" ستصل بسرعة إلى مليار، بقدر النمو السريع لجمهور "فيسبوك" منذ عدة أعوام.

بعد ذلك، لا حد للانطلاق والتوسع. ويتوقع ديفيد إبرسمان، كبير الإداريين الماليين في "فيسبوك"، أن يرتفع عدد الهواتف الذكية المستخدمة من 1.5 ـ 2 مليار جهاز اليوم إلى خمسة مليارات. وتقول "فيسبوك"، إنها من خلال التركيز على إنتاج تجربة أبسط وأسرع، وضع "واتس ـ آب" نفسه في موقع ليصبح خدمة التراسل المهيمنة بالنسبة لهذا الجمهور العالمي الجديد.

وحتى لو كانت هذه التوقعات الجريئة مؤكدة، فلايزال عليه إيجاد وسيلة لجعل "واتس آب" يدفع كامل مصاريفه،  وهذا ليس بالأمر السهل بالنسبة لخدمة أساسية كان مؤسسوها يجادلون بقوة ضد استخدام الإعلانات.

«فيسبوك» يراهن على الربح

في الوقت الراهن وجّهت "فيسبوك" أنظارها فقط إلى تعزيز موقع التطبيق في مجال التراسل عبر الهاتف الخلوي. ومع السيطرة على انتباه مستخدميه الذين لا يستطيع حتى "فيسبوك" منافسته فيهم – 70 في المئة من مستخدمي "واتس ـ آب" يستخدمون الخدمة يومياً – فهو يراهن على أن التطبيق سيصبح في يوم ما تجارة رابحة تلقائياً.

في الوقت نفسه لا يوجد نقص في المناضلين، الموجودين في مقاهٍ مثل ريد روك وأماكن العمل المشتركة التي يستخدمها أصحاب المشاريع في وادي السليكون وسان فرانسيسكو، الذين يأملون في إثبات أن زوكربيرج مخطئ.

ومن بين هؤلاء راهول جاسْوَا ومايكل باتشاند، وهما من أصحاب المشاريع للمرة الأولى كانا قد أمضيا أكثر من عام في العمل على تطبيق كال بال، وهو تطبيق يُتيح للمستخدمين إرسال الرسائل من داخل التقويمات الخاصة بهم. وهما يقولان: "في يوم ما سيتم وضع الخدمات مثل "واتس آب" جانباً، لأن الأشخاص ينجزون أكثر اتصالاتهم من خلال التطبيقات الداخلية."

وهما الآن مشغولان بتعديل خدمتهما على أمل العثور على صيغة حسب رغبة الجماهير. ويقول جاسْوَا ان  "الفرق بين التقاط البرق في زجاجة أو عدمه يكمُن في إجراء بعض التعديلات هنا وهناك".

وبعد دفع مبلغ كبير مقابل "واتس آب"، يأمل زوكربيرج ألا ينجح عديد من الآخرين في التقاط الشرارة بعيدة المنال. حتى مع وصول القيمة السوقية لأسهم "فيسبوك" إلى مستوى قياسي بلغ 177 مليار دولار الأسبوع الماضي، فإن قدرته على الاستمرار في نشر الأسهم للتخلص من المشكلات ستثبت في نهاية المطاف أنها محدودة.

back to top