هل تستطيع اليونان استعادة سمعتها؟

نشر في 10-01-2014
آخر تحديث 10-01-2014 | 00:01
لايزال دائنو اليونان من الاتحاد الأوروبي يحتفظون بكل الأوراق على الطاولة، ومع ما توفره الرئاسة لليونان من فرصة لمعاملتها كلاعب ند، فإن الخيار الأفضل أن تتفادى أثينا رفع صوتها عالياً بل التأكد ببساطة من تقدم الاجتماعات بصورة سلسة.
 ذي تيليغراف لم يعرف عن بيروقراطيي بروكسل حس الدعابة، وينسحب الشيء ذاته على السياسيين الألمان أو مديري التمويل في منطقة اليورو، لكن يمكننا الصفح والتسامح مع أي شخص في "ساحة السنتاغما" في العاصمة اليونانية أثينا في الوقت الراهن إذا فكر في أن هناك بين هيئة موظفي الإدارة العليا في الاتحاد الأوروبي من هو لديه مشاعر صريحة لإيذاء الآخرين.

بعد خمس سنوات من تحول ذلك الميدان إلى ساحة قتال بين الشرطة اليونانية والمحتجين المناوئين لخطط التقشف، بدأت أعمال الإصلاح في ميدان المظاهرات خلال الأسابيع الأخيرة، ولا تمثل تلك العملية نهاية سنوات التقشف في اليونان- وهي بعيدة عنها- بل بداية لشيء آخر يختلف عمّا يفترضه شخص ما في إدارة المراسم والجدولة في بروكسل من قبيل الدعابة بوصفها نكتة "العام الجديد"... وإلا فكيف لنا أن نصف تسلم اليونان المثقلة بالديون رئاسة الاتحاد الأوروبي بعد خمس سنوات كادت أن تدفع خلالها المشروع الأوروبي برمته إلى الحضيض؟

الجواب، مثل معظم الأشياء الأخرى في بروكسل، يتلخص في لفظة البيروقراطية: فرئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي مسألة تناوبية، تنتقل بين الدول الـ28 في الاتحاد كل ستة أشهر، ولكن بينما تقوم الدولة التي تتولى الرئاسة، من الوجهة الفنية، بمهام تزيد قليلاً على استضافة الاجتماعات الرئيسية للاتحاد، فإن الأشهر الستة المقبلة تعتبر بالنسبة إلى اليونان فرصة مهمة من أجل توجيه أوروبا نحو أجندة نمو في حين هي تحاول جاهدة الخروج من أزمتها.

وعلى أي حال، يرى آخرون أن رئاسة اليونان أشبه بتكليف الفتى الشرير في المقعد الخلفي من قاعة الدرس بمنصب مراقب المدرسة، ويقول عضو البرلمان الأوروبي عن حزب المحافظين البريطاني، دانييل هانان، وهو من أبرز المشككين في المشروع الأوروبي: "إنها مفارقة غريبة، لأن اليونان، وفقاً لحسابات الاتحاد الأوروبي، غير قادرة على حكم نفسها- وقد وضعها تحت إشراف الترويكا التي تضم اللجنة الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ومع ذلك فهي تتبوأ منصب رئاسة الاتحاد الأوروبي". تلك المسألة ربما توفر مادة تسلية بالنسبة إلى البعض، لكنها ستكون أقل إمتاعاً بالنسبة إلى قادة أوروبا، خصوصاً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يشبه  العديد من اليونانيين دورها في إملاء شروط قاسية لخطة إنقاذ اليونان بمبلغ 200 مليار جنيه إسترليني، بدور هتلر.

ومن المتوقع انعقاد ما لا يقل عن 14 اجتماعاً وزارياً رئيسياً في أثينا خلال الأشهر الستة المقبلة، ما يعني المزيد من الرحلات المزعجة لوزراء ألمان إلى دولة اجتذبت مراراً احتجاجات شعبية عدائية. وفي الأسبوع الماضي فقط تعرضت السفارة الألمانية لهجمات بنيران كلاشينكوف من قبل مجهولين.

والأسوأ بالنسبة إلى الزوار الكبار أن الإقامة قد تكون دون مستويات بروكسل، كما أن أثينا التواقة إلى إظهار جديتها حيال إجراءات التقشف قررت استضافة "رئاسة إسبارطية" يكاد يختفي معها قطار أوروبا.

ويقول نائب وزير الخارجية اليوناني ديميتريس كوركولاس "نحن لن نقدم لضيوفنا هدايا، بل أقلاماً ودفاتر كي يدونوا فيها مطالبنا".

لكن هل سيلمس الدبلوماسي الزائر المزود بدفاتر لتدوين ملاحظاته الكثير من التغييرات نحو الأفضل التي طرأت على اليونان؟ ثم إن البطالة، التي لم تعد ترتفع، لا تزال عند 28 في المئة، على الرغم من هجرة النوعية الأفضل والألمع من اليونانيين إلى الخارج أملاً في تحقيق وضع أفضل. وبعد خمس سنوات من التقشف، بدأ الثمن الذي يسدده المواطن اليوناني العادي يتضاءل. وخلال فصل الشتاء الحالي، ولأول مرة طوال عقود من الزمن، عاد الضباب الدخاني (مزيج من الدخان والضباب) إلى التصاعد والبروز في سماء أثينا بسبب عجز البيوت عن سداد فواتير الكهرباء واللجوء إلى إحراق القمامة للتدفئة.

ولكي نرى مدى تقدم اليونان يتعين على المرء أن يتذكر مدى تخلفها، وزيارة تلك الدولة إبان ذروة مصاعبها قبل عامين كانت أشبه بالسفر إلى بريطانيا خلال أسوأ فترات عقد السبعينيات من القرن الماضي- فقد اندلعت الإضرابات وأعمال الشغب في كل مكان، وعاد اليمين المتطرف إلى زخم التمرد وظنت اتحادات العمال اليونانية، التي كانت رواتبها الضخمة سبباً رئيسا في نضوب الأموال العامة، أنها تحكم البلاد.

في أوساط اليونانيين العاديين التقيت قبل سنتين كرياكوس ياكومي، وهو مدرس لغة إنكليزية أبرز كيفية تأثير الأزمة على الطبقة المتوسطة اليونانية، وقد تراجع عمله إلى حد كبير نتيجة عجز اليونانيين عن تحمل نفقات تعليم أبنائهم، كما عمد مع زوجته وبصورة متزايدة إلى شراء ملابس مستعملة.

وهو أفضل حالاً بقدر طفيف الآن ولم يضطر إلى شراء ملابس جديدة منذ ثلاث سنوات ويحقق دخله بشكل رئيسي من خلال تعليم اللغة الإنكليزية إلى الطلاب الأجانب عبر برنامج "سكايب" في مقابل جزء مما كان يحصل عليه من التلاميذ اليونانيين. ويقول ياكومي إن الشيء الجيد الوحيد تمثل بخفض الحكومة لفواتير الكهرباء بنسبة 70 في المئة، وهو القرار الذي جرى تطبيقه من أجل القضاء على مشكلة تصاعد الضباب الدخاني في أنحاء أثينا.

"أشياء بسيطة من هذا النوع ساعدت لأن الضباب الدخاني عندما يملأ الجو في الليالي الباردة يوحي بالفقر كما كانت الحال في بريطانيا في القرن التاسع عشر، ويتسبب أيضاً في صعوبات في التنفس، واليونان لم تخرج بعد من لائحة العناية المركزة، على الرغم من أنني أعتقد أن الأمور وصلت إلى نقطة لن تزداد سوءاً بعد الآن".

هل ستحقق رئاسة اليونان للاتحاد الأوروبي أي تقدم؟ "ربما، وهي ستظهر قدرة اليونان على التغلب على المعضلات حتى الآن، مع الأمل في الحصول على القليل من التعاطف من دول أخرى واستعادة ثقة تلك الدول. ونحن في حاجة إلى قدوم الألمان أيضاً إلى هنا والاعتراف بأخطائهم بدلاً من توجيه الاتهام". وفي حقيقة الأمر فإن انتقادات ألمانيا والترويكا الأوروبية لن تنتهي على الأرجح. وبينما أسهم تبني الحكومة لإجراءات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي في طمأنة الأسواق فإن تكلفة الاقتراض الحكومي هبطت من 36 في المئة إلى حوالي 8 في المئة الآن، ولا يزال يتعين عمل المزيد.

ويستمر الصراع السياسي في عرقلة خطة الخصخصة بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني لمحفظة الحكومة الواسعة من الأصول، التي تشمل شبكات الخطوط الحديدية المتردية للغاية والمطارات الضعيفة الاستعمال وربما الكازينوهات الخاسرة الوحيدة في تاريخ المقامرة.

لا تزال ثمة حاجة إلى تسريح حوالي 15000 من موظفي الخدمة المدنية من "غير المنتجين" في حين تستمر البيروقراطية في عرقلة إيجاد فرص عمل ووظائف في القطاع الخاص. ويقول حلاق عاطل عن العمل في شكوى إلى الترويكا الأوروبية إن انهاء إجراءات فتح صالونه في جزيرة كورفو احتاجت إلى ثلاث سنوات.

وعلى الرغم من تحقيق الحكومة اليونانية لفائض تاريخي هذه السنة فإن التهرب من الضرائب- التي كانت تعتبر واجباً قومياً كجزء من مقاومة الحكم العثماني- يبدو كما لو أنه جزء من الحمض النووي اليوناني. وفي الأسبوع الماضي حكم على ميكاليس ليابيس وهو وزير نقل سابق بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ بسبب قيادته لسيارة جيب فاخرة لم تسدد ضرائبها. وقال إنه غير قادر على دفع الرسوم على الرغم من ورود تقارير صحافية تشير إلى امتلاكه حوالي 30 عقاراً ويجني سنوياً 110 آلاف يورو. ولعل الإشارة الأكثر جلاء تتمثل بكون الاجتماعات المقبلة للاتحاد الأوروبي في أثينا قد لا تتسم بقدر كبير من الود من خلال تعليقات الحكومة اليونانية حول رئاسة الاتحاد الأوروبي. وقال بيان على الشبكة العنكبوتية الرسمية إن سياسات التقشف "أثرت بقوة في التماسك الاجتماعي وهزت الثقة" في المؤسسات الأوروبية. ولكنه لم يذكر أي شيء عن دور الحكومات اليونانية المتعاقبة في خلق المشاكل في المقام الأول.

ومن جديد فإن الإدارة الجديدة التي قبلت بإجراءات التقشف هي جيدة بالقدر الذي تتوقعه الترويكا الأوروبية، وقد تشهد الانتخابات في الربيع المقبل ظهور أحزاب مناوئة للتقشف في جناح اليسار تعطل الأكثرية الحكومية الهشة، وتعيد البرنامج برمته إلى المربع الأول. ويقول مدير مركز الإصلاح الأوروبي تشارلز غرانت "مع التفكير في الانتخابات وفائض الميزانية أتوقع أيضاً أن تكون الحكومة اليونانية أكثر تطرفاً بقدر ضئيل خلال الرئاسة، وأظن أن على الدول الأخرى تقبل ذلك، ما قد يفضي واقعياً إلى التنازل عن جانب من الديون اليونانية".

ويشدد آخرون على أن دائني اليونان من الاتحاد الأوروبي لا يزالون يحتفظون بكل الأوراق على الطاولة، ومع ما توفره الرئاسة لليونان من فرصة لمعاملتها كلاعب ند، فإن الخيار الأفضل أن تتفادى أثينا رفع صوتها عالياً بل التأكد ببساطة من تقدم الاجتماعات بصورة سلسة. ويقول خبير السياسة الأوروبية لدى مؤسسة "تشاتام هاوس"، أناند مينون، "هذه لن تكون نهاية التقشف، والشيء الأفضل الذي يمكن لليونان القيام به هو إعادة تأهيل سمعتها عبر ترؤس الاجتماعات بصورة فعالة وإبراز قدرتها على القيادة".

Colin Freeman

back to top