عندما يلتقي الليبراليون مع الملالي في إيران

نشر في 02-12-2013
آخر تحديث 02-12-2013 | 00:01
إذا تبين أن خامنئي يُخصب اليورانيوم إلى نسب يُمكن استخدامها لتطوير أسلحة، أو طرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية من البلد، فقد يوجه الرئيس الأميركي ضربة إلى إيران... لكن لا يعتقد أحد في الشرق الأوسط أن أوباما قد يلجأ إلى القوة.
 ويكلي ستاندرد من المستحيل العثور على نظير غربي لـ"الرَهبار"، القائد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، أو للدمج الخاص في هذا النظام بين الدين والدولة. سار علي خامنئي على خطى آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وحاول سرقة الهالة المحيطة بأئمة الشيعة المميزة ودمجها بالقوة الخام القاسية لنظام حكم مستبد في القرن العشرين. وعلى غرار سلفه في منصب القائد الأعلى، يعتبر خامنئي أن الإسلام واقع تحت حصار الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة. فقد أخبر الحضورَ المجاهدَ في المسجد الكبير يوم بدأت مفاوضات جنيف: "في الحروب العسكرية، أو السياسية، أو الاقتصادية، وفي كل حلبة نواجه فيها امتحان قوة، عليكم أنتم المؤمنين أن تقفوا راسخين في وجه العدو (الولايات المتحدة)، وأن تتغلبوا على تصميم هذا العدو". وأضاف أن المؤمن يستطيع في هذا النضال الكبير المضني أن يستعمل "مرونة بطولية"، ما لا يعني "التخلي عن قيم النظام الإسلامية وأهدافه"، بل اعتماد "مناورات ذكية مدروسة تتيح للمؤمنين تحقيق أهدافهم".

إليكم التناقض الأكبر على الأرجح في محادثات السلام: تريد إدارة أوباما أن تصدق أن القائد الأعلى قد يتخلى عن مهمته التاريخية (السعي إلى تطوير سلاح نووي الذي بدأ في عهد الخميني واستمر بعده، مكبداً خامنئي وكل رئيس إيراني كلفة كبيرة)، لأن الولايات المتحدة، "مركز الشر"، ألَّبت الغرب على الجمهورية الإسلامية. لكن الأسباب التي يقدمها مسؤولو الإدارة ليعللوا احتمال حدوث هذا التبدل المذهل متعددة. إلا أن معظمها يدور حول فكرة أن القائد الأعلى وحرس الثورة (اللذين يشرفان على البرنامج النووي، والعمليات الإرهابية، وضبط الشغب في الداخل) ليسا ملتزمين كفاية بتطوير سلاح نووي، وأن قوى الاعتدال تستطيع إغراءهم بالعدول عن هذا المسار الخطر. وتشمل قوى الاعتدال، وفق أهميتها، الرئيس المنتخب حديثاً حسن روحاني، وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والشعب الإيراني، أو على الأقل مَن صَوَّت منه لروحاني.

قلما يذكر مَن يطرحون هذه الحجج، داخل الحكومة الأميركية أو خارجها، أي مواد أساسية. ولكن ثمة الكثير لنتأمل فيه في الخطابات الطويلة لخامنئي وكبار قادة حرس الثورة، الذين ينددون بالولايات المتحدة والغرب في كل جملة تقريباً، فضلاً عن مذكرات روحاني النووية، التي تكشف صورة سياسي ثوري فخور مصمم على الحفاظ على البرنامج النووي وتعزيزه رغم الضغوط الأوروبية، ومذكرات ظريف التي نُشرت أخيراً والتي تصور رجلاً محافظاً جداً وفياً للثورة الإسلامية.

يعتقد البعض أن روحاني معتدل إلى حد ما على الأرجح، فهو من رجال النظام البارعين في مجال السياسة، وليس مصلحاً عنيداً مثل الرئيس محمد خاتمي، الذي عمل خامنئي وأعوانه على تحطيمه. فروحاني في النهاية مختلف كثيراً عن محمود أحمدي نجاد الشعبوي المتدين الفظ. فقد نال الرئيس الجديد شهادة دكتوراه من جامعة اسكتلندية.

لاشك في أن هذه نظرة غير منطقية إلى سياسة القوة الشديدة التدين والتي لا ترحم في إيران ومسيرة روحاني الخاصة خلال الثورة الإسلامية، التي نجهل أين تبدأ معالمها الخيالية غير المنطقية وأين تنتهي. يكفي أن نقول إن خامنئي خصص الكثير من الطاقة في السنوات الأربع الأخيرة ليقوض خطر الديمقراطية داخل البلد. كذلك على مكانة حرس الثورة، حتى باتت سلطته تضاهي سلطة خامنئي. ولم يقدِم على أي خطوة تُظهر أنه يتراجع اليوم أمام الشعب الذي سبق أن سحقه. وينطبق الأمر عينه على روحاني الذي لم يحرك ساكناً احتجاجاً، حين دمر خامنئي الحركة الخضراء الموالية للديمقراطية عام 2009، وقضى بكل هدوء على علي أكبر هاشمي رافسنجاني، الشخصية الدينية البارزة السابقة والأب الحقيقي لبرنامج النظام النووي العسكري ومعلم روحاني الأول.

يا لها من حبكة غريبة اعتمدتها الإدارة الأميركية في اتفاقها مع إيران، الذي حصلت بموجبه طهران على تخفيف محدود للعقوبات مقابل تعليقها البرنامج النووي جزئياً مدة ستة أشهر: نتيجة لذلك، ستنتقل كميات كبيرة من الأموال التي جمدتها العقوبات في حسابات مصرفية في الخارج إلى إيران، حيث يستطيع النظام استخدامها بحرية لدعم الأبحاث النووية، واستيراد مواد تُستعمل لأغراض سلمية كما عسكرية، وتطوير صواريخ بالستية، وتصنيع أجهزة الطرد المركزي سراً. ففي المرحلة الراهنة، تُصنع كل أجهزة الطرد المركزي في إيران في مواقع مجهولة لا تخضع لمراقبة. كذلك لم تُعطِ طهران أي إذن بدخول هذه المواقع لفريق المهندسين الذي يستطيع أن يضمن للغرب الاطلاع على عدد كل منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي ومواقعها، وتحديد الطرق التي اتبعها النظام ليتفادى شبكة الغرب المعقدة الهادفة إلى رصد كل مواد نووية مستوردة مزدوجة الاستعمال.

اعتقدنا أن هذه النقطة ستشكل جزءاً من المرحلة الأولى لأي صفقة تُعقد في جنيف، بما أن أشهراً أو ربما سنوات قد تمر قبل تحديد ما إذا كان النظام يتعاطى مع تصنيع أجهزة الطرد المركزي بالطريقة عينها التي تعاطى بها مع كامل البرنامج النووي منذ ثمانينيات القرن الماضي: الكذب. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نفترض أن خامنئي سيستغل تخفيف الغرب العقوبات على الأموال ليدعم أيضاً نظام بشار الأسد في سورية، ضمن إطار ما يُعتبَر مغامرة طهران العسكرية الأكثر أهمية والأعلى كلفة، فضلاً عن "حزب الله" الذي اعتُبر دوما الولد العربي الأمين للثورة الإسلامية الإيرانية. رغم ذلك، اعتبر الباحث في "معهد بروكينغز"، كين بولاك، الذي اختلف أحياناً اختلافاً كبيراً مع الإدارة في شؤون الشرق الأوسط، انتقاد صفقة جنيف "تكراراً فارغاً، أو زائفاً أو (مليئاً)... بنظريات المؤامرة الواهية التي نسخر منها عندما يطلقها الإيرانيون".

يجمع النقاش الدائر بشأن برنامج إيران النووي في أوساط واشنطن بين السذاجة والخوف من حرب أخرى في الشرق الأوسط. فقد عزز الخوف هذه السذاجة، وشوه تحليل السياسات الداخلية الإيرانية. نتيجة لذلك، باتت نخبة السياسة الخارجية الأميركية، التي لم تكن تقية يوماً، أكثر عجزاً عن رؤية دور الدين في السياسات الإيرانية. يبدو أن الرئيس الأميركي بحد ذاته يعتقد بصدق أن سياسة خارجية أميركية سلمية تجنب الولايات المتحدة الغضب والإرهاب الإسلاميين. ولكن مَن يستطيع الجزم أن باراك أوباما يملك الإرادة لوقف برنامج طهران النووي عسكرياً؟ في حال تبين أن خامنئي يُخصب اليورانيوم إلى نسب يُمكن استخدامها لتطوير أسلحة، أو طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من البلد، فقد يوجه الرئيس الأميركي ضربة إلى إيران. ولكن لا يعتقد أحد في الشرق الأوسط أن أوباما قد يلجأ إلى القوة. فلا يتردد حرس الثورة الإيراني في الاستهزاء بتأكيد الرئيس من حين إلى آخر أن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة". ومن المؤكد أن القاعدة اليسارية التابعة للحزب الديمقراطية لا تظن أن الرئيس سيقود الولايات المتحدة إلى حرب جديدة.

لا شك في أن الرئيس أوباما يتبع، قلباً وقالباً، المسار عينه الذي يسلكه أنصار الحد من انتشار الأسلحة النووية، الذين دعموا الحد من انتشار هذه الأسلحة طوال الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة تفكك أسلحتها، وما كانت واشنطن مضطرة إلى خوض حرب لوقف أحد بلدان العالم الثالث من تطوير أسلحة نووية.

لطالما كانت الوحدة الأوروبية بشأن إيران نابعة جزئياً من الخوف من ضربة عسكرية وقائية أميركية أو إسرائيلية. ففي باريس، ولندن، وبرلين، يقدر قليلون أوباما أو حتى يخافونه. وفي البيت الأبيض، تحولت العلاقات عبر الأطلسي إلى مجرد مسألة ثانوية، تماماً كما أوضح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خلال الجولة الأولى من جنيف. ومن دون العقوبات الرادعة، لن تتمتع واشنطن بأي نفوذ في تعاملها مع النظام الإيراني. وهكذا يكون توق الرئيس أوباما إلى تفادي القبول بخيار مزدوج سيئ (الرضوخ علانية لواقع تحول إيران إلى دولة نووية أو تنفيذ ضربة عسكرية وقائية) قد قاده إلى مواجهة الخيار ذاته في وضع تُعتبر فيه إيران الأقوى والولايات المتحدة الأضعف. إذن، سيفضح خامنئي خداع أوباما وسيحصل على المليارات. في مطلق الأحوال، استثمر الرئيس أوباما في عملية لا تعود عليه بفوائد كبيرة ولا يمكنه التخلي عنها خوفاً من ذلك الخيار المزدوج السيئ. نتيجة لذلك، قرر أوباما على الأرجح أن اليسار في الحزب الديمقراطي محق: من الأفضل أن يحصل خامنئي وسليماني على سلاح نووي على أن تنجر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة. وتشير كل الاحتمال إلى أن هذا ما قرره أوباما.

في غضون ستة أشهر، قد يتبين أن نصيحة خامنئي إلى أتباعه الأوفياء عن "العمل الخطو تلو الأخرى" متبصرة وتجدي نفعاً. وسيبرهن مرة أخرى خادمُه الأمين روحاني، الذي هجر سفينة رافسنجاني المترنحة في عام 2005 ليعقد تحالفاً أقوى مع القائد الأعلى، أن الإيرانيين، الذين تابعوا دراساتهم في الغرب ويجيدون الإنكليزية، يستطيعون تحقيق إنجازات كبيرة في التعامل مع الأميركيين. عندما سئلت جين بساكي، متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، عن خطاب خامنئي في 20 نوفمبر في مسجد الخميني الكبير، أجابت: "لا تساعد تعليقات مماثلة. لكننا مازلنا نعتقد أن كلا الطرفين يتفاوض بنية حسنة". وقد تكون بساكي محقة أكثر مما تدرك على الأرجح.

Reuel Marc Gerecht

back to top